دفعني الفضول هذه الأيام للاطلاع على برامج عمل بعض الجماعات الترابية بالمغرب، وما شد انتباهي غياب الثقافة في هذه البرامج التي تتشابه كثيرا، وإن ذكرت تبقى مجرد إشارات شاحبة في ذيل البرنامج دون تصور واضح وجدولة زمنية ومالية محددة ، ليبقى السؤال المحرج هل يمكن تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية دون التأسيس للثقافة؟ إن غياب البعد الثقافي في برامج عمل الجماعات الترابية، يعني تغييب الأدوار التي تلعبها الثقافة في تأطير وتنوير المجتمع، وتقوية آليات العمل السياسي من خلال ترسيخ قيم ثقافية ومدنية تروم بناء مجتمع ديمقراطي وحداثي. فالنهوض بالشأن الثقافي لايهدف سوى لتطوير الأدوات الكفيلة بإدماج مكونات الوعي والتواصل وممارسة التفكير والتعبير عن الطاقات الإبداعية للمواطن وتأصيل الهوية المحلية والوطنية، وتعزيز الانتماء إلى البناء الاجتماعي وللكينونة البشرية بصرف النظر عن العرق واللغة. إن الجماعات الترابية، مطالبة بالاهتمام بالمسألة الثقافية موازاة مع موجات التغيير التي تعرفها البلاد، من تحول في المجال الثقافي في تراكماته وتعبيراته وامتداداته وعناصره ولغاته، لأن الثقافي مدخل للفعل السياسي الذي يستهدف ترسيخ قيم المواطنة والقيم الثقافية والجمالية والدفاع عن الفن والثقافة، فلا مستقبل دون قواعد وبنيات ثقافية وذهنية، مما يفرض انتهاج سياسة القرب من المجال الثقافي وتأسيس نموذج جديد لإنتاج الرموز والإبداعات الفنية لتحقيق الانتظارات، من خلال صناعة ثقافية تقوم على اعتماد سياسة مهيكلة للأعمال الفنية وسن استراتيجية محلية وجهوية للثقافة، وهي في الوقت نفسه أساس التنمية التي ينشدها الفرد المواطن، والقائمة على نموذج جديد يبلور مشروعا هوياتيا يتجاوز الانغلاق نحو الانفتاح كما يتجاوز التقليد نحو التجديد. عموما، فالسياسة شأن اجتماعي عام، وفضاء للعيش المشترك، لا معنى لها خارج أنساق الثقافة خاصة في زمن عولمة القيم والرساميل اللامادية والرمزية، والغاية هي إقلاع جديد وطفرة نوعية على درب التقدم، من خلال إعادة إنتاج القيم وصناعة الإنسان، في ظل مجتمع المعرفة، مهما كانت الإيديولوجيات السياسية.