أثار مشروع القانون المصادق عليه حديثا من لدن الحكومة جدلا واسعا بين الأوساط المجتمعية والمهتمين بالشأن القانوني والحقوقي حول ماهية تلك العقوبات البديلة والهدف منها، وما إذا كانت تقدم بديلاً عمليًا للعقوبات السالبة للحرية والمضي نحو نظام عقابي حديث يتفق مع المعايير الدولية لتحقيق إصلاح منظومة العدالة الجنائية في بلادنا. ترتيبا على ذلك ومن خلال هذا المقال سنحاول تسليط الضوء على أهمية هذا المشروع ومناقشة مدى إمكانية مساهمته في تطوير السياسة العقابية المعمول بها حاليا في بلادنا. في البداية، تجدر الإشارة إلى أن السنوات الأخيرة شهدت توسعا كبيرا في فرض واستخدام العقوبات السالبة للحرية كأداة لمحاربة الجريمة بشكل عام و الجنح البسيطة ذات العقوبة قصيرة المدة بصفة خاصة سواء كانت ضبطية أو تأديبية، مع العلم أن أغلب مرتكبيها ليسوا في حاجة إلى تأهيل معين وليس لهم من الخطورة الإجرامية ما يلزم الزج بهم في السجن و هو الأمر الذي يؤكد أن العقوبة السالبة للحرية لا زالت هي المفضلة لدى المُشرع الجنائي المغربي مما جعل القضاة في أغلب الأحوال يميلون إلى اللجوء إليها في عدد كبير من القضايا. و قد ترتبت على إثر ذلك عدة آثار سلبية من جملتها ارتفاع نسبة الساكنة السجنية إلى ما يقارب 100 ألف سجين متم سنة 2022 حيث أن نسبة الاعتقال وصلت إلى 265 سجيناً لكل 100 ألف نسمة في نفس السنة – إذ تعتبر النسبة الأعلى بين دول الجوار-، من بينهم على الأقل 41 ألف معتقلا احتياطيا، وحسب إحصائيات رسمية صادرة عن المندوبية العامة لإدارة السجون و إعادة الإدماج فقد بلغ عدد السجناء المدانون والمكرهون بدنيا إلى 57496، يشكل الأحداث منهم 0.28 في المائة، والنساء 2 في المائة، والسجناء المدانون على إثر جرائم القوانين الخاصة 18.163، تتوزع عقوباتهم بين 6 أشهر فأقل والإعدام، تأتي على رأسها العقوبات قصيرة المدة (سنتان فأقل)، هذا بالإضافة إلى اللجوء المفرط لآلية الاعتقال الاحتياطي و الذي أضحى عاملا رئيسيا في تنامي الاكتظاظ بالسجون المغربية. ولمواجهة ظاهرة الاكتظاظ داخل المؤسسات السجنية التي بلغ متوسطها 160 في المائة وما تفرزه من مشاكل تدبيرية ومالية واجتماعية ونفسية، شهدت سنة 2022 استكمال أشغال بناء مؤسستين سجنيتين جديدتين، وأشغال الترميم والتوسعة والإصلاح والمشاريع ذات البعد البيئي، سعيا إلى محاولة تحسين ظروف إيواء النزلاء لتتلاءم والمعايير المعتمدة دوليا. وهو ما جعل التفكير ينصب على البحث لتوسيع لائحة العقوبات البديلة أو العقوبات الصديقة للحرية كما يفضل أن يسميها بعض الفقه، وقد توج ذلك بمصادقة المجلس الحكومي على مشروع قانون رقم 43.22 والذي تضمن في ثناياه جملة من البدائل تروم نحو التقليل من الانتقادات الموجهة إلى السياسة العقابية المغربية. وقد تضمّن هذا المشروع ثلاثة أصناف من العقوبات البديلة تتمثل في: العمل لأجل المنفعة العامة، والمراقبة الإلكترونية أو ما يسمى السوار الإلكتروني، وتقييد بعض الحقوق أو فرض تدابير رقابية أو علاجية أو تأهيلية " للتفصيل بشأنها يرجى الاطلاع على مشروع قانون العقوبات البديلة المنشور بموقع الأمانة العامة للحكومة". وعلى ضوء ما تقدم بيانه يتبادر إلى ذهننا طرح التساؤل التالي: هل يمكن للعقوبات البديلة أن تساهم في الحد أو على الأقل التقليص من استفحال الظاهرة الإجرامية؟ نعتقد أنه رغم أهمية هذه المبادرة فلا يمكن أن نتجاهل أن محاولة تطوير السياسة الجنائية المغربية وتبني نظام عقابي حديث يتطلب أكثر من مجرد قانون جديد ينظم فكرة العقوبات البديلة، فإن التجربة أثبتت أن التجريم والعقاب لا يكفي وحده للحد من المد الاجرامي بل يجب اعتماد مقاربة وقائية ترتكز بالأساس على دراسة الأسباب الواقعية التي تؤدي إلى ارتكاب الجريمة من مختلف الجوانب ومعالجتها عن طريق حلول وقائية. و من جانب آخر يستوجب القول بأن التدخل الدائم الذي يعتمد على العقوبات الحبسية كدواء ناجع للجنح البسيطة أدى إلى اتساع نطاق التجريم ليشمل أفعالا ليست بتلك الخطورة التي من شأنها أن تهدد أمن المجتمع، و قد فشل فشلا ذريعا في تحقيق الهدف من العقوبة في هذا الإطار حيث أكدت الإحصائيات الرسمية أن مؤشر الجريمة خاصة في المجال الجنحي عرف ارتفاعا مهولا فاق في معدله كل التوقعات، مما يستدعي التخلص تدريجياً من الحلول العقابية التقليدية التي تقوم بشكل أساسي على العقوبات السالبة للحرية، ولتأكيد مصداقية هذا التصور نستشهد بمقولة مشهورة للفقه البريطاني تفيد أن: "السجن ما هو إلا وسيلة باهظة التكاليف لتحويل الأشرار إلى أشخاص أكثر شرا...". « La prison est une solution coûteuse pour rendre les mauvais individus encore pire... » من هنا وجب على المشرع المغربي أن يعيد النظر في سياسته الجنائية كسياسة عمومية تتفاعل فيها كل القطاعات الحكومية للحد من استفحال الظاهرة الإجرامية في مختلف الأفعال التي يجرمها القانون، باعتبار أن عدم نجاح السياسات العمومية التي تنهجها الدولة لتوفير العيش الكريم لجل المواطنين يتمثل لا محالة أحد أهم أسباب ارتكاب الجرائم في المجتمع وخصوصا منها ذات الخلفيات الاجتماعية والاقتصادية مثل الفقر والتهميش والإقصاء والمرض والأمية والجهل والبطالة.