"إتما لبارود إتما واوال" كانت آخر تدوينات اعلن منها برشي قرب رحيله وخضوعه لقضاء الموت، فقد انتهى الرصاص وإنتهى الكلام ..هي آخر كلمات كتبها الكاتب والمدون الأستاذ محمد برشي، قبل أن يتلحق بالرفيق الأعلى بداية الأسبوع المنصرم في الديار الأمريكية. وخلفت وفاة صاحب ثلاثية "المغترب"، "باسو"، "نرجسية الرجال " حزن وصدمة لدى الجميع، حزن في نفوس الجميع، إذ شهدت مراسم دفنه توافد المئات لتوديعه وإلقاء النظرة الأخيرة على جثمانه. محمد برشي مهاجر مغربي من أصول جنوب شرقية للمغرب، من مواليد قصر ملعب سنة 1979، حاصل على شهادة الباكالوريا علوم تجريبية، ثم الإجازة في العلاقات الدولية من كلية الحقوق في مكناس، وكان يعيش مهاجرا في ولاية فرجينيا الأمريكية. ابراهيم الحياني، فاعل سياسي، قال إن "الصالحين تسبقهم أفعالهم، لا يحتاجون إلى من يعرف بهم، الأعمال الصالحة التي يقومون بها كفيلة لوصل صداهم كل بقاع العالم.. الأستاذ برشي كان صالح، لا تربطي به علاقة شخصية اللهم الا إطلالة على كتاباته بين الآونة والأخرى، لكنني لبيت نداء الوداع الأخير فور وصول جثمانه عشية ثاني عيد الأضحى المبارك، من تزارين إلى حيت سيوارى الثرى بأم اللعب". وأضاف الحياني بقوله: "لم اتعجب من الحضور الغفير، الشيوخ والصغار، النساء، المهاجرين من ديار المهجر وجميع مداشر الجنوب الشرقي، حضرت للوداع الأخير لشخص أمضى سنوات في مد يد العون لابن السبيل والمعوزين وبمن تقطعت بهم حبال الحياة." من جهته، قال ابراهيم الزيوي، وهو أستاذ التعليم الثانوي، إن الجنوب الشرقي بإعلان وفاة محمد برشي فقد أحد أوتاد العمل الجمعوي، وخيرة أبنائه الأبرار الذين ظلوا لسنوات يخدمون الوطن ومنطقة أسامر، وهي خسارة لا تقدر خسارتها من حيت أتيت لها بالحساب، راجين من العلي القدير أن يعين رفيقة عمره وابناءه الثلاثة على فراقه، ويعين الجنوب الشرقي بأكمله، وإنا لله وإنا اليه راجعون". وحول علاقته بالراحل برشي، أضاف الزيوي «تربطني به علاقة صداقة لما يزيد عن عشر سنوات، كنا دائما في تواصل، صادق في علاقته، خدوم وفاعل خير. كان مغتربا حقا، وشرب من كاس الغربة المريرة، شانه شان باقي شباب المنطقة، حكمت عليه الظروف بالتهجبر والنزوح بحثا عن مكان يضمن كرامته وكرامة ابنائه. لكن "ادغو ن تمازيرت" او الشوق الى مسقط الرأس جعله مرتطبا ارتباطا وثيقا ببلدته وبالمنطقة على وجه العموم". وتابع بالقول: "كان الراحل امازيغيا اصيلا متشبع بقيم تيموزغا ويجسدها على ارض الواقع من خلال وقوفه مع الكثير من الحالات الإنسانية. كان مناضلا بمواقف مبدئية وعلاقات اجتماعية جيدة مع الجميع جعلت كل المنصات تعج بمنشرورات كلها حسرة واسف عن رحيله واخرى لابراز مناقب الرجل الحميدة ". كما أكد في شهادته أن "برشي محمد كان كاتبا بارعا ترك إرثا ورائه ليتحدث عنه، تلاتة اصدارات وعديد المقالات في الصحف، وسفيرا للثقافة واللغة الأمازيغية في أمريكا واعطى صورة رائعة عن الانسان المغترب أحسن تمثيل. وكان له حضور وازن في النقاش العمومي الوطني والمحلي من خلال ابداء الرأي وتقديم تحاليل ووجهات نظر وأفكار". أما الدكتور لحسن آمقران، فقد قال إن "أغلب من تأثروا وتألموا وحزنوا لرحيل هذا الرجل لم يعرفوه في الواقع وليسوا من عائلته ولا من بلدته أو أقاربه، بل أصدقاء ومعارف نسجوا علاقتهم بفقيدنا من خلال العالم الافتراضي ومواقع التواصل الاجتماعي التي لطالما عجت بإسهاماته القيمة وتدويناته الهادفة ومبادراته المحمودة، والتي لم تتغي يوما تحقيق أرباح أو مراكمة أموال". لقد سعى الراحل محمد برشي دوما، يضيف أمقران "إلى المساهمة المسؤولة في النقاش العمومي و تناول هموم المغاربة وخصوصا التخفيف من آلام المستضعفين رغم كونه قاطنا في الولاياتالمتحدةالأمريكية، وهو دليل على تشبثه بأصوله ووطنه". وأردف قائلا: "الراحل محمد برشي، أكرم الله مثواه، أديب وكاتب لامس عبر مؤلفاته المعاناة المركبة لإنسان الهامش، انتصر للكلمة الصريحة والتعبير الشجاع ليكشف اللامخوض فيه وفق رؤية تحليلية لإنسان خبر موضوعاته. المؤسف في الأمر، أن الإعلام والمؤسسات الأدبية الرسمية تجاهلوا الراحل لأنه بكل بساطة إنسان ارتأى واختار أن يظل بسيطا متواضعا، مناصرا للقضايا العادلة". وبدوره، قال الناشط الأمازيغي حميد ايت علي الملقب ب "افرزيز" "رحل عنا محمد برشي في صمت، رحل بريق الأمل، غادرنا الكاتب المغترب، ليترك حزنا وألما عميقين في قلوبنا، كان المرحوم سندا للجميع، لا يبخل عن تقديم يد المساعدة ماديا ومعنويا للجميع، كان جسده في امريكا وعقله وتفكيره في المغرب عامة وفي الجنوب الشرقي وهمومه خاصة، قلمه كان دوما يلمس مشاكل الضعفاء ويعالجها بطريقة فريدة يضع أصبعه من خلال إلهاماته في مكامن الخلل". وأضاف أن برشي كان "سند الفقراء وسيد المبادرات الإنسانية بالمنطقة، كان الراحل مؤنسا ومرشدا وغيورا على وطنه وابناء وطنه، بإبتسامة ومستملحات كان يخاطب الجميع، لم نلمس يوما منه غضبا أو تشنجا، تعرفت عليه في البداية من خلال مقالاته وتدويناته، كلفني سنة 2017 لإيصال مساعدة مادية لطفلة تعاني من مرض بقرية أولمري نواحي تونفيت، لنلتقي عدة مرات وقدم لي يد المساعدة وشجعني على الإستمرار ومواصلة ما أقدمه، كان رفيقا نصوحا موجها لي". رحيله ترك صدى كبير، يقول "أفرزيز"، مضيفا أن "الجميع عبروا عن حزنهم وفقدانهم لإبن بار لوطنه وقريته، حج الجميع من المداشر والقرى والمدن لتسجيل الحضور في جنازته وإلقاء نظرة الوداع على جسده الذي فارقنا، تألمنا لموته وتألمنا لغياب الإعلام الوطني الذي تنكر له كعادته لأبناء الهوامش والمغرب العميق". ومضى قائلا: "رحل محمد برشي، ورحل ذلك الرجل الأخ الصديق، الرحمة على روحه، وسيظل في قلوبنا نتذكره من خلال كتابه المغترب، وفي روايته باسو، وفي مجموعته القصصية نرجسية الرجال". رشيد بولعود، خريج الحركة الثقافية الأمازيغية موقع أكادير، قال بدوره "مساء يوم الجمعة، حج الكثير من الاشخاص الى الجنوب الشرقي لقرية ملعب (نواحي الراشيدية) لجنازة المرحوم محمد برشي، وهو ثاني يوم العيد الأضحى..وبرشي كان نموذج مثالي للتضحية، أولا كون الغربة هو جانب كبير من التضحية ولا يعرفها إلا أمهات وآباء المغتربين..وعنوان المغترب شهادة حية لحياة كل المغتربين عن أوطانهم بسبب فشل سياسات الدول والحكومات وقرار الهجرة هو الملاد الأخير لكل المنحدرين من الفآت الشعبية الفقيرة". وتابع قائلا: "ثانيا التضحية في سبيل المبادئ وقيم المثقفين الوطنيين الأوفياء بقضايا وهموم الهامش. ثم ثالثا التضحية بالوقت والمال وتحمل سماع أنين المحتاجين والفقراء والكثير من قضايا المنسيين بالهامش، ويقصد الناس المرحوم برشي بعدما أغلق عنهم السياسيون والبرلمانيون والمستشارون والمنتخبون مكاتبهم وأبواب المؤسسات والإدارات الخاصة المكلفة بحل مشاكلهم وقضاء أغراضهم، تستحق رواية المغترب أكثر من دراسة وتحليل لأنها تحتوي على جوانب أخرى من حياة المهاجرين التي لا تقدمها الوزارة و المؤسسات والمراكز التي تتحدث بإسم قضايا الهجرة والمهاجرين، كانت جنازة المرحوم محمد برشي مهيبة وحضرها الرجال والنساء والأطفال والشيوخ والعديد من الوجوه الغيورة على الهامش، طلبة، تلاميذ، وفنانين، وهو نوع من ثقافة الإعتراف بالجميل. كلهم وقفوا إجلالا واحتراما وترحما على روحه الطاهرة..وهو رمز آخر يرحل كما رحل آخرون قبله من رجال زمانه، نجدد التعازي لعائلته وأصدقائه ومعارفه وأهل قريته راجين لهم الصبر والسلوان". أما يوسف اسفالو، وهو مهاجر مغربي في الديار الإسبانية، فقد قال في شهادته إن "الراحل محمد برشي علاوة على أنه كان صديقا مقربا لسنوات طويلة، كان متحليا بخصال إنسانية كريمة وذو أخلاق عالية"، مضيفا أن "الاستجابة لنداء أصدقاءه عبر مواقع التواصل الاجتماعي والحزن الذي خلفه رحيله، والحشود التي شاركت في تشييع جثمانه بعد وصوله الى بلدته ملعب لخير دليل على مكانته الكبيرة في قلوب مغاربة العالم وابناء الجنوب الشرقي". وأردف أن "الراحل كان مناضل وصوت المهمشين من الطبقة السحيقة رغم تواجده في الديار الأمريكية، كاتب وهب حياته للعمل الخيري ومساعدة الفقراء وملبي نداء من قصده لقضاء اغراض بكثرتها. إن رحيل محمد برشي يعتبر خسارة كبرى لأسامر ولمغاربة العالم الذين آمنوا بنصرة القضايا الإنسانية التي كان الراحل في مقدمتها، وان لم تساعف المواقف لتكريم أمثاله فالاوان آت لتخليد إسمه بتأسيس مؤسسة تحمل إسمه، وهي مطلب أتوجه به للجهات المعنية بالجنوب الشرقي". وبدوره قال مصطفى ملو إنه تعرف على محمد برشي صدفة سنة 2018، كان ذلك بعدما أصر عليه بعض الأصدقاء بقراءة كتابه المغترب عندما طلبت في إحدى الصفحات اقتراح كتاب من اجل قراءته، مضيفا بقوله: "قصدت بومالن وسألت عن ذلك الكتاب الذي كان بعنوان "المغترب". كان كتابا شيقا وممتعا حتى أنني تمنيت أن يطول ويطول". وزاد قائلا: "اشتريت الكتاب بستين درهم، اتصلت بالمرحوم محمد برشي لأنوه بالكتاب وأشكره عليه، طال الحديث حتى وصلنا إلى ثمن الكتاب، تفاجأ عندما أخبرته بأنني اقتنيته بستين درهم. طلب مني العودة إلى صاحب المكتبة وإخباره بأن ثمن الكتاب 25 درهم وليس ثلاثين ولا خمسين ولا ستين". هكذا تعرفت على الرجل العظيم محمد برشي، يقول ملو "الذي لم يكن الهدف المادي هو غرضه من الكتابة، لقد اخبرني بالحرف بأن هدفه هو تشجيع الناس على القراءة وأن عائدات البيع لم تغط ما صرفه لطبع الكتاب ومراجعته اللغوية وتوزيعه". وأشار المتحدث إلى أنه "بعد ذلك توالى الحديث بيننا، لأكتشف بأن محمد رجل عظيم في زمن عز فيه الرجال وأصبحت ألقبه بصديق المحتاجين، إذ لا يتأخر عن تلبية النداءات الإنسانية وينظم المبادرات الإنسانية". وتابع بقوله: "لقد كان رحمه الله يسكنه المغرب عموما والجنوب الشرقي وهمومه خصوصا رغم مقامه بالولاياتالمتحدةالأمريكية، فلا ينفك يكتب عنه ويتصل بنشطائه لمساعدة المحتاجين، كالمرضى مثلا و اليتامى والأرامل... أذكر ذات يوم أنني اقترحت بناء سقيفة في ملتقى طرقي في إحدى القرى تقي المنتظرين على قارعة الطريق من شمس الصيف الحارقة وبرد الشتاء، فجاء الرد منه سريعا". ومما قله ملو ضمن شهادته أيضا "عندما تكملون كل الإجراءات القانونية ولا يبقى إلا الإنجاز، أخبرني لأزودكم بجميع مواد البناء. يضاف إلى كل ذلك أن محمد برشي كان سندا للمهاجرين المنحدرين من الجنوب الشرقي ودليلا لهم في الولاياتالمتحدةالأمريكية، إذ كان بيته ملجأ للملتحقين حديثا بتلك البلاد".