أحمد غيلان.. هل تعرفه؟ ومن لا يعرفه..!! أجل، يعرفه الجميع بصمته الصوفي وابتسامته البشوشة وظله الخفيف وحضوره الباذخ في المهرجانات الثقافية الجادة، رغم تواريه إلى الخلف. يعرفه الجميع، على الخصوص، بصوره الفنية المتقنة، هو الحامل على الدوام لآلته البلورية، التي شغف بها طوال حياته، فبادلته هذا الحب بأن أصبحت طوع يديه، وعينيه أيضا. رحل عنا أحمد غيلان يوم الاثنين الماضي، في غفلة من هذا «الجميع» الذي يعرفه، في غفلة من أقاربه وأصدقائه، في غفلة من المثقفين الذين «أنعم» عليهم بصوره، وفي غفلة من «جميع» الناس»، الذين اقترن بهم، حتى بات ينعت باسمهم، باسم «مصور الشعب»، من شدة هذا الاقتران. رحل في هدوء. وبعد رحيله، ضج الفايسبوك والهواتف، وبقية الموصلات المرئية وغير المرئية، وهي تنعي الرجل. رحل مخلفا أسى وحزنا عميقين في كل الكتاب والكاتبات، لأنه أحبهم وأخلص لهم، وهو يوثقهم جميعا بعدسته البلورية. كان أحمد غيلان صديق الجميع: صديق اتحاد كتاب المغرب وبيت الشعر وباقي الجمعيات الثقافية الكبرى والصغرى، صديق الروائيين والقصاصين والشعراء، صديق المفكرين والباحثين، صديق الإعلاميين… كان محبا للجميع. كانت محبته تجري «كالأنهار، وهو يصافحك بدفء إنساني عارم، ويدس في ألبوم قلبك ما جادت به حناياه من صور خاصة بك»، مثلما يقول القاص أنيس الرافعي في شهادة عنه. وهو «القلب الذي يرى»، كما يصفه صديقه الكاتب والمترجم شكير نصر الدين، ويصفه، أيضا، بأنه «عين تفيض بالمحبة، وترسخ لحظات هاربة من الأبدية». فالراحل يمثل، في نظره، «فنانا فوتوغرافيا، لم يكن مصابا بعمى التقنية، وكانت المصورة مثل امتداد جسدي له.» وهو كذلك «الإنسان الذي يشع بنور طيبوبته في كل اتجاهات المحبة». ويقول عنه صديقه القاص أحمد بوزفور إن الراحل كان على الدوام «ذلك الرجل الطيب الذي يحب الجميع ويحبه الجميع. كان يتحرك بيننا كنسمة صيف. خفيفا.. منعشا.. وهو يتكتك بآلة التصوير كما يتكتك الزمن المارّ. لم يكن رجلا فقط. كان تاريخا يعمل.» ولا تقل صفاته الفنية أهمية وجدارة عن خصاله الإنسانية. فرغم أن الرجل لم يعرض أعماله أبدا على الأنظار، إلا أن الجميع يعترف بموهبته الفنية في مجال التصويري الفوتوغرافي. إذ يقول عنه صديقه القاص أنيس الرافعي إنه لم يكن «يحفل بالبورتريه الجبهي أو النصفي أو ثلثي الطول، بل كان شغوفا بالتقاط هوامش اللقاءات الثقافية، بسجن المعاني الأخرى وغير الرسمية لجسد المبدع عندما يتخلص من وقاره وأقنعته.» كان يتنصل «من جسده الثقافي ليلبس جسد الكائن البسيط النازل من علياء وتجريد المعرفة إلى صلابة وواقعية الحياة»، كما يقول الرافعي. وبقدر ما ارتبط بالكاميرا وما يصوره من أحداث ثقافية، ارتبط، كذلك، بمدينته أصيلة. ففي هذا السياق، يقول نصر الدين إنها تمثل «الاسم الموشوم في روحه مثلما في قلب كل من أصدقائه انحفر اسمه أحمد غيلان». كانت أصيلة موئلا يؤوب إليه بعد عناء السفر. وبالقدر ذاته، كان بيته فوق سينما «فيردان» بشارع بوردو بالدار البيضاء، بمثابة الشرارة التي تقدح في نفسه الرغبة، ليواصل نهمه الحياتي. فها هنا، كان تتاح له القراءة- وربما الكتابة أيضا. بيته هذا مليء بالكتب، بحسب ما يحكيه أصدقاؤه الذين أقاموا معه، أو زاروه هناك.. كتب في الغرف والصالون، بل وفي المرحاض أيضا. هناك كان يمضي الليالي ساهرا يقرأ، مثلما كشف في بعض كتاباته الفايسبوكية. بعد هذه الحياة الهادئة والحافلة، وبعد هذا الرحيل المباغت، يستحق الرجل تكريما يليق بمقامه. إذ يدعو القاص أحمد بوزفور الكتّاب والمثقفين إلى «أن يقيموا له- بالتعاون مع عائلته طبعا- معرضا خاصا لصوره الفوتوغرافية أو للمختار منها… فلابد أنها بالآلاف.» ففي هذه الخطوة استجابة لرغبة كانت تحدو الراحل، وفيها، أيضا، اعتراف بما قدمه للناس من الحب، وللتاريخ الثقافي في البلد من وثائق، مثلما يقول بوزفور.