«الراحل المختار ميمون الغرباني من مواليد 1968 بمنطقة الناظور، شاعر وقاص، أستاذ اللغة العربية بالتعليم الثانوي التأهيلي . بدأ ينشر أعماله الإبداعية الأولى مع مستهل التسعينيات في منابر إعلامية مختلفة وواصل نشر مختلف إنتاجاته في الصحف والمجلات المغربية والعربية. أصدر سنة 2009 مجموعته القصصية الأولى « فتنة المساءات الباردة » بتقديم القاص أنيس الرافعي. ويعرف المختار الغرباني نفسه قائلا: « عضو ثقافي نشيط ومتمرد على الأنساق الثقافية المؤسساتية ذات الطابع الاسترزاقي الهش. وعضو فاعل في أنساق الإصلاح التربوي ». كان المختار الغرباني قارئا نهما للأدب ، عاشقا مولعا بالفن ورجلا مخلصا لوطنيته . صباح يوم الثلاثاء 16 نونبر 2010 غاب المختار ميمون الغرباني عن الوجود جسدا لا روحا . مخلفا العديد من الإبداعات والمقالات ، ومنها أضمومة شعرية تنتظر النشر . رحم الله المختار.» بهذه الكلمات المعبرة عن حرقة الفراق والصادقة صدق المشاعر والإحساس، قدم القاص الوديع جبران الكر ناوي الراحل الغرباني للحضور النوعي المتميز الذي امتلأت به قاعة العروض بدار الشباب جمال الدين خليفة بمدينة برشيد زوال يوم الأحد 9 يناير 2011 في ذكرى أربعينية الأديب الأنيق ميمون الغرباني التي نظمها أصدقاؤه الكتاب والمبدعون بتنسيق مع جمعية المنظر العام وفيق . هذه الأخيرة توقفت في كلمتها بالمناسبة عند الجوانب المتعددة في شخصية الراحل: شاعرا، قاصا، ومناضلا حزبيا ونقابيا وحقوقيا متمرسا، محبا لأصدقائه ولوطنه. ليتعاقب على المنصة أصدقاء الراحل في شهادات معبرة بصدق عن جرح الغياب وألم الرحيل، وأيضا بقراءات عاشقة في متنه القصصي المتميز. الناقد عمر العسري استهل كلمته بالحديث عن مشروع الراحل الغرباني الإبداعي الكبير الذي لم يكتمل، حيث رحل وهو في أوج عطائه الإبداعي، لينتقل إلى ملامسة جوانب مختلفة من « فتنة المساءات الباردة « كالقوة القرائية والمفارقات والسخرية واليومي المعيش، حيث يلتقطه من زوايا دقيقة ويترجمه بأسلوبه المتفرد إلى لحظات بارزة ومعبرة . الشاعر محمد بوجبيري بدأ كلمته بلحظات: لحظة صمت مع الذات، لحظة سماع الخبر الفاجعة، لحظة الموت ثم لحظة الفقدان. ليقف عند تعدد الاهتمامات عند الراحل الغرباني: الشعر ، القصة، النضال النقابي والحزبي مرورا بالوظيفة بدار بوعزة والدارالبيضاء، المدينة التي لا تستيقظ إلا بعد منتصف الليل والتي عاش فيها الغرباني كل أفراحه وانكساراته أيضا. الشاعر سعيد عاهد استهل كلمته الموسومة ب « عشر جرعات مرارة أمام قبر المختار ميمون الغرباني معتنق ملة التعبيرالحداثي الحر» بمقولة لشاطوبريان: « لا يمكن للأحياء تلقين شيء للمتوفين، وبالمقابل فالمتوفون هم الذين يعلمون الأحياء ». ثم تحدث عن لقاءاته بالراحل في الكثير من المناسبات والمحطات، ومنها لقاء بمدينة بني ملال في أحضان « المهرجان الأول للقصة المغربية» بمناسبة تكريم با إدريس الخوري، هناك عانق الغرباني الجميع كموجة حب جارفة، كنسمة ريح شمالية عطرة. بعد هذا اللقاء الأخير كان التواصل عبر الهاتف، البريد الالكتروني والفيس بوك، إلى يوم نزول الخبر الفاجعة، خبر رحيل الأديب المختار ميمون الغرباني على إثر حادثة سير مروعة. ليقف في كلمته عند إخلاص الراحل للفعل النضالي الصادق والمسؤول في النقابة الوطنية للتعليم « فدش» وفي حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وأستاذا ورئيسا لجمعية الآباء. ليختم بالحديث عن الغرباني القاسي في حب وطنه والوفير الجبهات. أما القاص أنيس الرافعي فقد غاب أنسه وحضرت وحشته وانطافأت شمعة السراج لديه: قال لي لا تبتعد وهم يدفنونني. بهذه العبارات الحزينة الباكية المتألمة من عمق الجراح و الألم بدأ حديثه عن صديقه الراحل المختار ميمون الغرباني، ليرجع بالذاكرة إلى لحظة اللقاء الأول شتاء 1992 بالدارالبيضاء . حيث دشن ا لغرباني إطلاق نصوصه الأولى . وحيث توطدت الصلة والعلاقة مع رجل يسكن وحدته بسبب ابتعاده عن مسقط رأسه قسريا. الفنان بنيونس عميروش تحدث عن العلاقة التي تربطه بالراحل، علاقة تتسم بالحب ولاشيء إلا الحب الصادق . ليتوقف عند أهم اللقاءات التي جمعته بالراحل الذي كانت الكتابة تتموقع بدواخله لتؤسس رؤيته للعالم . الفنان رشيد شناني قدم، هو الآخر، شهادة ملؤها الشعرية حول الراحل الذي تعرف عليه ليلا بالبيضاء وعرفه سفرا في الطريق إلى قلعة السراغنة، وعرفه أيضا في محرابه المقدس بدار بوعزة. القاص احمد لطف الله،في كلمته الموسومة ب «مساءات حارة . مساءات باردة »، قال: أذكر ذاك الصباح الجميل من سنة 1990بكلية الآداب بوجدة، حيث قدم لي أحد الأصدقاء ذلك الشاب الناظوري الذي كانت تفوح من عينيه رائحة المداد، فصافحته بحرارة لما لمسته فيه منذ الوهلة الأولى من صدق إنساني. وفي الدارالبيضاء أصبح ألق صداقتنا أشد إشعاعا، قبل أن تدخل منعرجها الوعر، فقد تعززت بالأحبة : الفنان بيونس عميروش الذي ما فتئنا أنا والمختار نحمل إليه حبنا ونرحل إلى محرابه بمكناس والصديق العزيز القاص جبران الكرناوي الذي عتق هذه الصداقة بفكره ونبله . وتحدث القاص محمد معتصم في كلمته عن اللقاء الذي جمعه والمبدع الأنيق المختار ميمون الغرباني قبل الدخول إلى قاعة العروض بدار الشباب . حيث كان اللقاء / الحوار داخل فضاء شاعري . به ضوء خافت وتنبعث منه رائحة ماء الورد . حاورت الغرباني الإنسان ثم الغرباني المناضل الحزبي والنقابي والحقوقي . حيث كان يرد على أسئلتي بصدقه المعهود وبطيبوبته المفرطة، وهو يدخن سيجارته الشقراء ويرشف دكة من قهوته السوداء، والابتسامة لاتفارق محياه . الغرباني كان مستعجلا والوقت يداهمه . وقف شامخا كالزرافة . ووعد بإتمام الحوار الشيق في زمن ما، في فضاء ما. وقبل أن يغادر طلب مني إبلاغكم حبه وتحياته . ويقول لكم جميعا: إنكم تستحقون الحياة . الشاعر عبد العاطي جميل قرأ قصيدة جميلة للشاعر المختار ميمون الغرباني « للقبر أريج أمي «، و بعدها قرأ مسودتين له، الأولى بعنوان «وستبقى» كتبها يوم تلقيه خبر الفاجعة. والثانية بعنوان «خيام خيانات». واختتم اللقاء بهدية رائعة عبارة عن بورتريه للراحل الغرباني بأنامل الفنان الجميل محمد ليتيم الذي جاء خصيصا ليشارك أصدقاء الراحل ومحبيه الذكرى الأربعينية، ويساهم في إنجاح مثل هذه المبادرة التي تؤكد أن المحبة الصادقة والعلاقة المقدسة بين الأصدقاء لا تزال موجودة رغم تعفن هذا العالم في كثير من الأوقات. كما يجب التنويه بحضور الباحث المتألق مصطفى خلال الذي جاء من المحمدية، والكاتب المبدع العربي بنجلون الذي أتى من القنيطرة، وذلك للمشاركة في إحياء الذكرى الأربعينية لرحيل المبدع الأنيق المختار ميمون الغرباني. شكرا للموت الذي يعلمنا الحياة.