أضْحى التسويق السياسي عبر "مواقع التواصل الاجتماعي"، هاجسا يؤرق الفاعل السياسي، بعد اكتساح "الماركوتينغ" المشهد السياسي قادما إليه من السوق. وتَنَاسلت مُصطلحات جديدة في حقل الاتصال السياسي، مثل "الصورة" و"الإشهار" والتسويق"، وتقنيات مثل سرد القصص storytelling التي تسعى إلى اسْتمالة والتأثير على الناخبين خلال الحملات الانتخابية. واستعانت الأحزاب بالخدمات التي تقدمها الشركات المتخصصة في الاتصال والعلاقات العامة وتوظيف متخصصين في إنتاج الوصلات والملصقات ومقاطع فيديو قَصيرة. فنتج عن هذا "مهننة" الاتصال السياسي، وظهرت مهن جديدة لتسويق "الزعماء السياسيين" مثل أي سلعة تجارية. وانشغل بعض "الزعماء" بتلميع صورهم وهو ما باعد بينهم وبين معالجة المشاكل اليومية للناس، وفاقم من أزمة التمثيلية السياسية والنتيجة هي فقدان الثقة في النخب السياسية. وتشكل هذه الوضعية عنوانا على فشل الاتصال السياسي في تحقيق أهدافه على مختلف الأصعدة الاجتماعية والسياسية، والذي برز أثره في تنامي مظاهر السخط الشعبي في مختلف الدول بما فيها الدول المتقدمة كبريطانيا وأمريكا وفرنسا. كما أحدثت الرقمنة تأثيرات كبيرة ومهمة على الاتصال السياسي، حيث تطورت عملية جمع المعلومات عن مستخدمي الشبكات الاجتماعية الرقمية عن طريق استخدام تقنيات التنقيب في البيانات وتحليل بيانات الأفراد وتوجهاتهم والسبل لإقناع الناخبين. وحينما "تنجح المنصات الرقمية في توجيه الفكر والرأي، فإنها تصبح مُسيطرة على العقول"، بتعبير الناشطة الحقوقية البريطانية سوزي ألغري. وشرحت ألغري في كتابها الصادر عام 2022 بعنوان "الفضاء الرقمي وسؤال الحق في الرأي"، والذي قدمته بالدورة الأخيرة للمعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط، كيف تم التأثير على البريطانيين للتصويت لصالح الخروج من الاتحاد الأوربي، على غرار قضية كامبريدج أناليتيكا، والتي استعملت خلالها البيانات الضخمة للتأثير على الناخبين في الانتخابات الأمريكية سنة 2006 عبر اختراق بياناتهم الشخصية المنشورة على "فايسبوك". ولمُوَاجهة سطوة "المنصات الرقمية" اتخذت بعض الدول تدابير لكنها لم تتمكن من التغلب على ما أفسده المتلاعبون بعقول ومعلومات الأفراد والجماعات والدول. وهكذا لم يعد ممكنا الحديث عن الحرية والخصوصية؛ كما لم يعد ممكنا الحديث عن فضاء افتراضي حر يتم التداول في الآراء بحرية، نظرا للتأثير القوي للخوارزميات في هيكلة مجالات الإدراك والثقة. لقد بات من الصعب تحديد الهوية الرقمية بسبب عملية التخفي، ومن ثم لا يمكن الحديث عن المبدأ الديمقراطي (فرد يساوي صوت) أو وجود إرادة جماعية انطلاقا من الشابكة التي تسيطر عليها لوبيات المال والسياسة. إن الاعتقاد في أن الاتصال السياسي القائم على البيانات حيث تعوض "الخوارزميات" الإنسان، يشكل خطرا بسبب ما يطلق عليه المتخصصون "الانحياز التأكيدي" أو "تحيز الأتمتة"، والذي يتمثل في ميل الأفراد إلى السلبية ويقظة أقل وضعف الانتباه إلى حد استسلامهم لهذه البرامج الخفية التي أضحت تحدد اختياراتهم. ويرتبط هذا المفهوم بأدبيات علم النفس الاجتماعي، حيث ينتقي الفرد مصادر المعلومات التي تؤكد معتقداته ويزور المواقع التي تعبر عن آرائه السياسية. وبكلمة، فإنه رغم الإيجابيات التي أحدثها تطور تقنيات الاتصال مع موجة الرقمنة، فإن نشر معلومات مُضللة وأخبار زائفة عبر شبكات "التواصل الاجتماعي" أوما يسمى (الدعاية الحوسبية) تُشكل تهديدا حقيقيا للديمقراطية وتتسبب في اختلال الاتصال السياسي.