يقال كم نقمة في طيها نعمة، ورب ضارة نافعة. لعل هذا القول ينطبق على الرئيس طيب رجب أردوغان، فقبل أشهر من موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في تركيا، تعرضت البلاد لزلزال مدمر أتى على جل محافظات الجنوب الشرقي، مسببا آلافا من القتلى والجرحى والمشردين، ودمارا هائلا في البنى التحتية ومنازل المواطنين ومختلف المنشآت، لقد خلف الزلزال المدمر، الذي وقع في فجر 6 فبراير الماضي، أكثر من 50 ألف قتيل، وتضرر منه قرابة 14 مليون شخص في ولايات: كيليس وديار بكر وأضنة وعثمانية وغازي عنتاب وشانلي أورفا وأديامان ومالاطيا وهاتاي وكهرمان مرعش. المعارضة اعتبرت الزلزال بمتابة هدية من السماء، وكان رهانها أن يتبعه زلزال سياسي ينهي هيمنة أردوغان وحزبه على مقاليد السلطة في تركيا، بعد أن عمر على رأس الدولة لفترة طويلة تجاوزت العقدين من الزمن، لكن إرادة الله كانت عكس ذلك تماما، إذ انبعث النصر من ركام المدن المدمرة وأنين الأسر المكلومة والمشردة، بعد أن نزل أردوغان بكامل ثقله في تلك المناطق، متخذا حزمة من الإجراءات لفائدة المتضررين، ومن ذلك تخصيص منحة مالية في حدود 500 دولار لكل العائلات المتضررة، وتخصيص 100 مليار ليرة تركية للمساعدات، تنضاف إلى مساعدات مخصصة للمباني السكنية التي تعرضت للدمار، كما قدم دعما للمشروعات الصغيرة التي تضررت من الزلزال، ووفر الرعاية الصحية للمتضررين، وقامت الحكومة باستئجار غرف في الفنادق العامة والسياحية لاستضافتهم، فضلا عن توقيف الدراسة في الجامعات وتحويل المدن الجامعية إلى مأوى لمن فقدوا منازلهم، وإطلاق عملية بناء وتشييد مدن جديدة. وقد حرص أردوغان على الإشراف الشخصي الميداني على كل العمليات، فكان قريبا من شعبه الذي وجد فيه بحق السند الذي يتكئ عليه خلال الأزمة، وبالمقابل لم يجد من المعارضة سوى الخطابات الجوفاء. لقد أظهرت الازمة مرة أخرى شخصية أردوغان في تجلياتها العظيمة، أردوغان القائد، الذي لا يتوانى في اتخاذ القرارات المناسبة في الوقت المناسب، أردوغان الإنسان، الذي يشارك مواطنيه آلامهم ومعاناتهم، وأردوغان المؤمن بتركيا حتى النخاع. لقد أيقن سكان المناطق المتضررة، كما غالبية الشعب التركي أن رئيسهم إذا حدث صدق، وإذا وعد أوفى. وحين جاءت لحظة الامتحان، وبدل أن يكون الزلزال نقمة على أردوغان كما توهم معارضوه وخططوا له، كان الشعب في الموعد، فأفشل خطط المعارضة ودسائس الغرب المتواطئ، فبوأ الرجل وحزبه الانتخابات الرئاسية والتشريعية، ليحتل المرتبة الأولى متقدما على منافسه. لقد أيقن الأتراك، كما في السابق، أنهم أمام قائد عظيم يستحق فعلا قيادة البلاد، فجاء الانتصار من تحت الأنقاض، وصدق قول الله تعالى في أردوغان (عسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا)، وصدق قوله في مناوئيه (وأرادوا به كيدا فجعلناهم الأخسرين).