مع تطور مجال العمل عبر الانترنت، ومع الامتيازات التي تقدمها مجموعة من المنصات الرقمية تشجيعا للربح منها، أصبح مجال "صناعة المحتوى" أكثر تخصص يسيل لعاب غالبية المراهقين والشباب الذين أمسوا اليوم محاطين بكم هائل من "المؤثرين" الذين يعيشون حياة الرفاهية ويجوبون العالم "بدون جهد" اعتمادا على حساباتهم الافتراضية التي أضحت هي مصدر رزقهم. ومن مخلفات هذا التأثر، انتشر على شبكات التواصل الاجتماعي بشكل يومي عشرات الشباب الذين يختارون تصوير أنفسهم وهم يقدمون محتويات، أحيانا مفيدة وأحيانا أخرى تكون دون المستوى، لكون السبب الرئيس من اتخاذهم خطوة مشاركة المقاطع يكون هو الربح، لاسيما على منصة "يوتيوب" التي توفر خاصية "الأدسنس" التي تمكن من الربح من خلال الإعلانات، وكذلك "فيسبوك" الذي أتاح مؤخرا خاصية تحويل الحساب إلى "صانع محتوى رقمي" والربح منه. صورة مغلوطة هذا الانغماس اليومي في تتبع "المؤثرين" نتج عنه فقدان مجموعة من المراهقين ثقتهم في ذواتهم، وهو ما أدى إلى رفضهم لواقعهم ولمستواهم الاجتماعي، لكونهم أصبحوا يعتقدون بأنهم عاجزون عن النجاح في الوقت الذي يحقق فيه الآخرون ذلك وأصبحوا ''مليونيرات''. حياة الرفاهية هاته التي يصورها "المؤثرون والمؤثرات" أدت إلى انتشار اعتقاد في الأوساط الشبابية بأن الوظيفية مجرد إقبار لهم، وأنهم في حالة أرادوا بلوغ تلك الحياة عليهم الولوج إلى المجال، وهذا ما جعل الكثير منهم يقدمون على اتخاذ قرار الاستقالة من وظائفهم والتوجه إلى صناعة المحتوى. في هذا السياق، يرى المؤثر وصانع المحتوى المغربي، أمين العوني، بأن هذه الصورة المغلوطة هي نتاج لتأثر المتلقين بصناع المحتوى الغربين، خصوصا المقيمين في كندا والولايات المتحدةالأمريكية وأروبا، وذلك لكون القدرة الشرائية في هذه البلدان مرتفعة، وبالتالي حتى قيمة المشاهدات على اليوتيوب تكون مرتفعة هي الأخرى، أما في المغرب فالأمر مختلف، كون أن "كل مليون مشاهدة تدر على صاحب الفيديو ما بين خمسة آلاف وعشرون ألف درهم في الشهر، عكس ما يعتقده البعض أن كل مشاهدة تساوي درهم، وبالتالي كل مليون مشاهدة تساوي مليون درهم، هذه فكرة مغلوطة لدى الكثيرين، لو كان الأمر كذلك لكنت أتوفر على طائرة خاصة وأعيش الثراء الفاحش". يضيف المتحدث في حوار مع جريدة "العمق"، بأن صناعة فيديو واحد، يندرج ضمن المحتوى الهادف، يتطلب ما بين 15 يوما إلى شهر، كما أن نسب المشاهدات تختلف من فيديو إلى آخر، بعضها قد يصل إلى عتبة المليون مشاهدة أو أكثر، والبعض الآخر يبقى حبيس المئة الألف مشاهدة أو أقل. رواتب موظفين في حديثه عن مسألة الدخل الشهري لصناع المحتوى، يرى العوني بأن هناك موظفين في المغرب يحققون رواتب تبلغ إلى عشرة آلاف وخمسة عشر ألف درهم في الشهر، إلا أنهم يحققونها "وهم يعيشون حياة بعيدة عن الشهرة والضغط مع الإعداد والكتابة والتوتر مع الناس بسبب التعاليق التي أحيانا تكون جارحة لكي تربح في الأخير مبلغا أراه شخصيا لا يستحق، لكن هذا لا يعني أننا لا نجني المال من هذا المجال، بالعكس نجني منه أموالا لكن ليس بتلك الكثرة التي يعتقدها الناس"، ويؤكد بكون هذه المبالغ تكون نظير تعب كبير يقومون به مثل أي موظف يؤدي وظيفته. سياحة وإشهار أما فيما يتعلق بأكثر المسألة تعرف جدلا في المغرب وهي الدعاية عبر "السطوريات" والاستفادة من الخدمات والمنتجات بشكل مجاني، يرى أمين العوني بأنها مسأله عادية، لكون ذلك "المؤثر لا يعيش بكونه مشهورا، ولكن بكونه يقدم خدمة مقابل خدمة، والأمر شبيه بما تقوم به القنوات التلفزية هي الأخرى، هم يأخذون المقابل أموالا وهو يختارها إما أموالا أو خدمة مجانية". ويربط المتحدث هذه المسألة إلى عدم استطاعت ذلك المؤثر تغطية تكاليف سفرياته، نظرا لمستواه الاجتماعي المتوسط، مضيفا بأن المؤثر أو صانع المحتوى خصوصا في المغرب لن يبلغ مرتبة الثراء الفاحش إلا في حالة كانت بالأساس من طبقة غنية واقتحم هذا المجال. ويضيف، "الناس لديهم تلك الصورة النمطية (عن الثراء)، والمخيف في الأمر أن الأطفال والمراهقين يعتقدون أن ذلك هو الواقع، والحقيقة أن ذلك مجرد وهم يعيشون فيه ويريدون أن يصبحوا مثلهم، وفي الأخير سيصطدمون بالواقع الحقيقي ويتأكدوا بأن الأمر يتطلب عملا كبيرا خصوصا في صناعة المحتوى الهادف، فيه عمل قاهر جدا، وأنا شخصيا أعيش هذه الصعوبة". غياب الإنتاج يرى العوني بأن أكبر عائق يقف أمام صانع المحتوى هو الجانب المادي، لغياب شركات الإنتاج الداعمة لانتاجاتهم، وهو ما عبر عنه قائلا في حديثه مع "العمق": "أكبر مشكل حاليا يواجه صانع المحتوى المغربي هو الإنتاج، لا يتوفر على شركة إنتاج أو فريق إنتاج، لأن صانع المحتوى عندما يكبر يصبح ذا صيت عال قد يبلغ إلى عشرين أو ثلاثين مليون، وقاعدة جماهيرية كبيرة قد تبلغ هي الأخرى إلى ملايين المشتركين، هذه الأرقام تستلزم انتاجا ضخما لكونه يصبح بمثابة قناة كبيرة تضاهي أكبر القنوات التلفزية العالمية وليس فقط المغربية". في حسب رأي نفس المصدر، فإن ضرورة الإنتاج تأتي من كون صناعة الفيديوهات لم تعد تعمد على العمل الفردي، وإنما تتطلب وجود فريق، "مكون من خلية الكتابة، المخرج، محترف مونتاج، محترف الموشن غرافيك، وغيرهم...، هذا الفريق هو الذي سيمكن من إنتاج فيديوهات بمستوى عال ولها وزن ثقيل فنيا ومعرفيا، لكن في ظل غياب إطار يؤطر هذا المجال على مستوى الإنتاج نضطر إلى المكافحة بشكل فردي من أجل إخراج أعمال تضاهي إنتاجات صناع المحتوى في الشرق الأوسط والخليج ندفعهم في الأخير بالقول بأن صناع المحتوى المغاربة ''واعرين''." ويضيف "لن يستطيع صانع المحتوى المغامرة بالدخل الذي يربحه مقابل إنتاج فيديو، لأنه في الأخير لن يتبقى له ما يعيش به، نعم سيحقق الاستفادة لدى الجمهور وهذا هو الغرض الذي يبحثه عنه، لكن هو كانسان ألا يستحق العيش الكريم؟ لهذا يلزمه الدعم لينتج ويعيش في الآن ذاته. اليوم أصبح الأمر بنفس القيمة الاخراجية للأفلام والمسلسلات ولم يعد مقتصرا على حمل آلة تصويرة والحديث أمامها، ذلك النمط اختفى سنوات 2016 و2017 ". شروط البداية كما هو معلوم أن لكل مجال اشتغال شروط ولوجه، وبحسب أمين العوني أن صانع المحتوى عليه أن يعي في بدايته أنه ملزم بالقيام بعمل قناة، "ويعني أنه يجب أن يجيد تعديل الفيديوهات، ولديه دراية بأساسيات الإخراج والتصوير والتعامل مع الكاميرا، وأيضا أن يكون ملما بكتابة السكريبت وقواعده، وبكتابة السيناريو في حالة كان يريد القيام ب "Storytelling" (السرد القصصي)، لكونه بالأساس سيكون "Storyteller" (ساردا)، حتى وإن كان يريد مشاركة متابعيه حياته ونشاطاته اليومية سيتطلب السرد. أن يكون هو الآخر متابعا ومتشبعا بأعمال صناع المحتوى المشهورين، خصوصا الغربيين، لأنه بحجم ما شاهد وتلقى بحجم ما سيكون جيدا ومؤهلا لكي يقوم بعمل جيد. فعندما تجتمع هذه الشروط يكون قادرا عندئذ على الولوج إلى الميدان". من جهة أخرى، يرى المتحدث بأن شرط التوفر على تكوين أكاديمي في المجال ليس ضروريا، وفي رأيه "يمكن أن يكون التكوين في المجالات المرتبطة بصناعة المحتويات مثلا المونتاج، الإخراج، الكتابة، التمثيل، على حسب تخصص كل واحد ورغباته، لا يمكن لصانع الأفلام القصيرة أن يكون متطفلا على مجال التمثيل. أما صناعة المحتوى على وسائل التواصل الاجتماعي خصوصا "يوتيوب" ليس شرطا توفر التكوين الأكاديمي، لأنه بالأساس مجالٌ مكون، صانع المحتوى في كل مرة يجد نفسه ملزما بتعلم أشياء جديدة لتطوير محتواه".