نسجل، بحسرة كبيرة واستنكارٍ شديد، الارتباك الحكومي الفظيع في مجال التشريع عموماً. فها هي الحكومة، بمنطق الارتجال والتواطؤ وضعف الكفاءة في التدبير، تستعد لتقديم مشروع قانون، أمام البرلمان، يتعلق بإحداث لجنة مؤقتة لتسيير شؤون قطاع الصحافة والنشر، تُحدَّدُ مدتها في سنتين كاملتين. نعتبر هذا المشروع شارداً وبعيداً عن الممارسة الديموقراطية التي كرسها دستور 2011. كما نعتبر المشروع التفافاً حكوميا مفضوحاً على ما ينبغي أن يكون عليه المجلس الوطني للصحافة. كما أنه تأكيد على أن هذه الحكومة تريد قتل الصحافة الحرة والمستقلة والمسؤولة والجادة والكفؤة، وتستهدف، بالمقابل، صناعة جوقةٍ للتطبيل والتهليل والتزويق والرداءة. لقد سبق لنا، في البرلمان، أن صادقنا على نص تشريعي يمدد، لمدة ستة أشهر، الفترة الانتدابية للمجلس الوطني للصحافة، والذي انتهت صلاحيته منذ أكتوبر 2022. لكن على أساس تنظيم انتخابات وإفراز أجهزة جديدة وديموقراطية تُسير المجلس لولايةٍ جديدة. وبعد مرور أزيد من ستة أشهر، لا انتخابات حُضِّرت أو أُجريت، ولا حكومة تحركت أو اجتهدت في هذا الاتجاه، ولا معايير ومقتضيات دستورية وديموقراطية واخلاقية احتُرِمت. وتأكدت محاولةُ السطو على قطاع الصحافة والنشر بعد أن بذلت بلادنا مجهودا كبيرا في سبيل تحريره وإقرار تنظيمه الذاتي. إن مشروع قانون الحكومة بإحداث هذه اللجنة العجيبة هو مهزلة تمس الدستور، وتصرف أخرق وكارثة حقيقية وانتكاسة لقطاع الصحافة والنشر ومجزرة للديمقراطية. فالتمديد التقني الذي تم تمريره سابقا، لمدة ستة أشهر، لم يكن الهدف منه سوى تصريف الأمور الجارية للمجلس، لكن يبدو أن الحكومة تريد أن تمنح اللجنة عمراً مديداً وصلاحيات تقريرية، وإمكانيةً لتغيير الخريطة وصُنعِ واقع جديد تكون فيه الغلبة للأقلية المرفوضة التي عجزت عن تدبير شؤون المجلس وفشلت في تنظيم انتخاباته. كما أن المشروع يمدد الولاية فقط لرئيسيْ لجنتين، ليتخذا قراراتٍ أساسية تَهُمُّ الشأن الصحفي، بشكلٍ شخصي ومنفرد، ضدا على كل القواعد والمعايير الديموقراطية. إنه تراجع خطير سنبذل كل مجهودنا من أجل الوقوف ضده، لا سيما وأن المشروع أقصى أطرافاً رئيسية من الجسم الصحفي، وخاصة فدرالية الناشرين والقنوات التلفزيونية العمومية ووكالة المغرب العربي للأنباء والإذاعات الخاصة وغيرها.