مع بدايات شهر رمضان ، تسقط كل رهانات و برامج الدولة الإجتماعية الطويلة المدى عند أعتاب سوق الحي مع ابراهيم الشاب الثلاثيني الذي ترك مقاعد الدرس بعد خمس سنوات من التمدرس، و لم يجد من بديل غير التنقل بين أوراش النجارة و الجبص و الحدادة و الميكانيك قبل أن تقذفه الأقدار نحو مهنة بيع الخضار و الفواكه مدافعا في كل صباح عن مكانه في الشارع العام ... إبراهيم الذي فرض عليه أعوان السلطة قبل أسبوعين كتابة ورقة يعلن فيها أسعار معروضاته، و هو الذي بح صوته بالنداء طوال اليوم، لعل نسوة السوق و معهم رجال قليل يقتنعون بوفرة العرض الذي يقدمه إبراهيم ، و بتنوع المنتوج بما لذ و طاب من فواكه الموسم ، و خضار هي أساس كل طاجين أو طنجرة مغربية . في حديث معي محاولا إقناعي شراء كيلو بصل لم يجد مني غير الرفض لأني غير مستعد لدفع 16 درهما بالتمام و الكمال ثمنا له ، بعدما تمسكت بقراري لتحقيق الميزان على بصلتين ، فقط بصلتان تكفيان لبضعة أيام قبيل راتب آخر الشهر، زد عليهما أخواتهما من الطماطم و البطاطس وكذا التمر و الزيت و متطلبات أخرى لتكتشف نفسك في ظرف ساعة زمن قد ندمت حين قررت الإدلاف إلى السوق قصد التبضع. إن كان هذا حال الطبقة الوسطى في هذا البلد ، التي أرهقتها اقتطاعات أول الشهر مع قروض السكن و الإستهلاك ثم واجبات تمدرس الأبناء فمصاريف التنقل الذي زاد بالثلث منذ أكثر من عام ، مع كل هذه الإلتزامات الشهرية لا بد لأفراد هذه الطبقة أن يعودوا الطبيب مرة في الشهر للتخفيف من أثار الضغط العصبي أو الدموي أو الحد من تفاقم نسب السكر أو التخفيف من آلام القلب أو حتى ليجدوا آذانا تصغي إليهم علها تخفف بعضا من إضطراباتهم النفسية عند الإخصائيين النفسانيين ، هذا دون أن نذكر أبناء هذه الطبقة الذين اجتاحتهم العلل من ضيق تنفس و حساسية و تسوس أسنان و نزلات برد. فلا عجب إذن أن تأثر هذه الوضعية على بنية هذه الطبقة و منها على بنية المجتمع ككل ، و هي التي تقويها الحكومات في كل الدول لأنها صمام أمان المجتمعات ، و لا عجب أن تفرز هذه الدوامة شعورا عاما بعدم الرضا لدى فئات واسعة من هذه الطبقة ، فلا أحد منهم مرتاح في عمله أو قانع بأجرته أو وفيٌ لوظيفته أو مبتسم في وجه زبنائه أو مرتفقيه أو مكمل لساعات دوامه أو حريص على تنفيذ إلتزاماته ، وطبعا لكل قاعدة إستثناء و لكن الإستثناء لا يقاس عليه، مع ارتفاع حالات الإرتشاء و الإبتزاز و الطلاق و العنف الزوجي و الإمتناع عن أداء نفقة الأبناء و إصدار شيكات بدون رصيد و حوادث السير و خيانة الأمانة و التزوير و شهادة الزور و رفض أداء واجبات الكراء و السطو على ممتلكات الغير و غيرها من القضايا التي تعج بها محاكم المملكة أغلبها مرتبط بالأوضاع النفسية و الإجتماعية ثم المادية لهذة الطبقة الهشة، الطبقة المتوسطة التي يجادل أحد أفرادها إبراهيمَ بائعَ الخضر و الفواكه على بصلتين... أما دون ذلك فتلك نار خامدة تحت كومة قش ، و السلام عليكم .