كشف وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت، الإجراءات والتدابير التي اتخذتها المملكة لمكافحة جرائم غسل الأموال، وذلك تنفيذا لتوصيات مجموعة العمل المالي، التي قررت الأسبوع الماضي إخراج المغرب من اللائحة الرمادية المعنية بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. وقال لفتيت إن عمليات غسل الأموال تشكل أحد الأخطار المهددة للنظام القانوني والاقتصادي والمالي للدول وتطرح تحديات جديدة، خاصة مع تزايد وتسارع التعامل الرقمي وما توفره التكنولوجيا الحديثة من إمكانيات هائلة لارتكاب الجرائم وتمويل أنشطة إجرامية متعددة. وسجل وزير الداخلية ضمن جوابه على سؤال كتابي للاتحاد العام للشغالين بمجلس المستشارين، التزام المملكة بالرفع من فعالية المنظومة الوطنية في مجال مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب بما يتناسب مع متطلبات توصيات مجموعة العمل المالي(GAFI). وفي هذا الإطار، أوضح لفتيت أنه تم إحداث لجنة وطنية برئاسة السيد رئيس الحكومة، تم تكليفها بمهمة تحيين نتائج التقييم الوطني لمخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب، واقتراح استراتيجية وطنية لمكافحة هذه الجرائم. خطة عمل وطنية في غضون ذلك، أشار المسؤول الحكومي، إلى أنه بتاريخ 25 فبراير 2021 تم اعتماد خطة عمل وطنية وخطط عمل قطاعية تهدف إلى الرفع من فعالية المنظومة الوطنية في هذا المجال ومعالجة أوجه القصور التي تم رصدها بهذا الخصوص. وعلى الصعيد التشريعي، أفاد المصدر ذاته، أنه تم بتاريخ 08 يونيو 2021، سن القانون رقم 12.18 المعدل لمجموعة القانون الجنائي والقانون رقم 43.05 المتعلق بمكافحة غسل الأموال، والذي يهدف إلى ملاءمة الترسانة القانونية الوطنية مع توصيات مجموعة العمل المالي. وشمل هذا القانون تعديلات همت الجانبين الوقائي والزجري، أبرزها توسيع الاختصاص القضائي للمحاكم المختصة بالمتابعة والتحقيق والبث في قضايا غسل الأموال، وتوسيع لائحة الجرائم الأصلية لجريمة غسل الأموال ولو ارتكبت خارج التراب الوطني، ورفع الحد الأدنى والأقصى للغرامة المحكوم بها على الأشخاص المتورطين في هذه الجرائم. علاوة على تعيين سلطات إشراف ومراقبة جديدة، واعتبار المصالح الأمنية جهازا لإنفاذ القانون ولإجراء الأبحاث المالية الموازية بمناسبة البحث في الجرائم الأصلية وذلك بهدف مكافحة هذه الجريمة وحجز وتجميد متحصلاتها ووضعها رهن إشارة العدالة في أفق مصادرتها. في السياق ذاته، أبرز وزير الداخلية، أن وزارته بصفتها عضوا من أعضائها الدائمين إلى جانب القطاعات الأخرى المعنية، تعمل على تعزيز دورها داخل "الهيئة الوطنية للمعلومات المالية" التي تضمن التنسيق الوطني بين القطاعات الوزارية وسلطات الرقابة، بالإضافة إلى المهن القانونية المنظمة ذات الصلة بمكافحة غسل الأموال. وأكد أن إنشاء هذه الهيئة يستجيب للأحكام المنصوص عليها في الدستور بالمادتين 36 و167 على وجه الخصوص وللمتطلبات الدولية الجديدة في مكافحة الجريمة المالية، وقد تم تعزيزها سنة 2015 باعتماد القانون المحدد للمهام والاختصاصات والقواعد التشغيلية "للهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها." مجهودات أمنية على الصعيد العملياتي، قال لفتيت إن المديرية العامة للأمن الوطني ضمن مكافحة غسل الأموال ضمن أولوياتها الاستراتيجية للفترة الخماسية 2022-2026، حيث شاركت في إعداد التقييم الوطني الأول والثاني لمخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب وتعميم نتائجه على المصالح المختصة، وإعداد دليل حول تقنيات البحث في جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب بشراكة مع رئاسة النيابة العامة والدرك الملكي. وتتوفر المصالح الأمنية، يضيف لفتيت جوابا على سؤال للاتحاد العام للشغالين بالغرفة الثانية للبرلمان، "على هياكل وآليات مختصة في المجال العملياتي والزجري، حيث قامت برصد الموارد البشرية الكافية للنهوض بمجهودات مكافحة جرائم غسل الأموال، ودعم هياكل محاربتها". في هذا الإطار، أشار إلى أنه تم إحداث مصالح مختصة داخل منظومة مكافحة الجرائم المالية والاقتصادية، وذلك من خلال الرفع من قدرات مصالحها في مجال الكشف والتتبع للأموال المتحصلة من الجريمة، تطبيقا للمعايير الدولية الضامنة للفعالية في مقاربة المجهودات الزجرية في هذا الباب. إضافة إلى تأمين هذه المجهودات بصفة متكاملة بين المصالح المستحدثة على المستوى المركزي واللاممركز، وكذا دعم التخصص في تنظيم هياكل محاربة هذه الجريمة، في أفق تأسيس قطب للتميز يرتكز في عمله على المكتب الوطني لمحاربة الجرائم المالية والاقتصادية المحدث بالمديرية العامة للأمن الوطني. ذووفقا للمسؤول ذاته، فقد تم اعتماد مقاربة استباقية من طرف المصالح الأمنية في مكافحة جرائم غسل الأموال تتمثل في التصدي للجرائم الأصلية المدرة لأرباح ضخمة، وتقوية التنسيق والتعاون مع جميع المتدخلين في هذا الشأن خصوصا من أجل تبادل المعلومات الضرورية لإنجاح الأبحاث. موازاة مع ذلك، أوضح أن المصالح الأمنية تحرص على دعم القدرات والكفاءات البشرية من خلال برامج للتكوين المتخصص والمستمر لضباط الشرطة القضائية العاملين في هذا المجال، سواء على المستوى الوطني أو في إطار شراكات دولية. كما تم إحداث مصالح جهوية بكل من المديرية العامة للأمن الوطني والدرك الملكي لمعالجة الجرائم المالية وجريمة غسل الأموال وذلك على مستوى جهات الرباط، والدار البيضاء وفاس، ومراكش. 393 قضية غسل أموال أفاد وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت، أن عدد القضايا المسجلة في مجال غسل الأموال ارتفع بالمغرب من 231 إلى 393 قضية خلال سنة 2020. وأشار إلى أنه في إطار التزامها الدولي في مجال مكافحة الإرهاب وانتشار أسلحة الدمار الشامل وتمويلهما، تساهم مصالح وزارته في أشغال اللجنة الوطنية المكلفة بتطبيق العقوبات المنصوص عليها في قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ذات الصلة بالإرهاب وانتشار التسلح وتمويلهما، بصفتها عضوا في تشكيلتها، والتي تم إحداثها بناء على مقتضيات المادة 32 من القانون رقم 43.05 المذكور كما تم تعديله وتتميمه، كما تسهر على تنفيذ هذه القرارات من طرف الأشخاص الخاضعين لإشرافها. في نفس السياق، قال لفتيت إن المملكة المغربية وقعت العديد من اتفاقيات التعاون والمساعدة القانونية والأمنية المتبادلة مع البلدان المشاركة في مكافحة غسل الأموال والتزمت بجميع الاتفاقيات الدولية في مجال مكافحة الجرائم المالية والظاهرة. توديع اللائحة الرمادية شكل قرار مجموعة العمل المالي (GAFI) خروج المغرب من اللائحة الرمادية المعنية بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، حدثا هاما انتظرته المملكة منذ سنوات، وذلك لما هذا القرار من تأثير ايجابي محتمل على الاقتصاد الوطني، خاصة فيما يتعلق بالحصول على القروض البنكية بشروط تفضيلية وكذا تشجيع المستثمرين الأجانب على القدوم إلى المغرب. وجاء قرار مجموعة العمل المالي، بعد زيارة قام بها خبراء المجموعة إلى المغرب بين 16 و23 فبراير الماضي من أجل الوقوف على الأرض حول مدى تطبيق القطاعات المستهدفة والمسؤولين للتوصيات التي عبّرت عنها المجموعة، حيث قررت المجموعة إثر ذلك، بإجماع أعضائها، خروج المملكة المغربية من مسلسل المتابعة المعززة، أو ما يعرف ب"اللائحة الرمادية". ووفق بلاغ لرئاسة الحكومة المغربية، فإن قرار مجموعة العمل المالي جاء "بعد تقييم مسار ملاءمة المنظومة الوطنية مع المعايير الدولية الخاصة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب"، مبرزا أن القرار جاء أيضا بعد الخلاصات الإيجابية التي ضمنها خبراء المجموعة في تقريرهم أثناء الزيارة الميدانية السابقة التي قاموا بها إلى المغرب ما بين 16 و18 يناير 2023. قرار طال انتظاره في تعليقه على قرار مجموعة العمل المالي إخراج المغرب من اللائحة الرمادية المعنية بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، اعتبر المحلل الإقتصادي محمد جدري، أن "هذا الإجراء كنا ننتظره بفارغ من الصبر منذ عدة أشهر، لأن المغرب قام بمجموعة من الإجراءات التشريعية والقانونية والمالية والنقدية في هذا الاتجاه، من أجل الاستجابة لمجموعة من المعايير التي تقوم بها "مجموعة العمل المالي". وأكد جدري في تصريح لجريدة "العمق"، أن أعضاء هذه المجموعة قاموا في الشهر الماضي بزيارة للمملكة المغربية، وقاموا بعد لقاءات مع مجموعة من المؤسسات، كبنك المغرب، ومجموعة من المقاولات والمؤسسات العمومية من أجل الوقوف على حقيقة تنفيذ المغرب للإجراءات التي وقعد بها على أرض أم لا، مبرزا أن قرار المجموعة أثبت أن المغرب أوفى بتعهداته، وهو ما تُوج بمشاهدة خروج المغرب رسميا من المنطقة الرمادية لنفس المجموعة المالية. واعتبر جدري أن هذا القرار من شأنه أن يعزز ثقة المستثمرين الأجانب في المملكة المغربية، لأن الإجراءات التي قام بها المغرب تتعلق بمحاربة غسيل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب وهي أمور مهمة، والمستثمرون يؤكدون عليها بدرجة أولى وأساسية. تعزيز القوة التفاوضية للمغرب وأضاف أن مؤسسات التأمين المالي والتنقيط على المستوى العالمي سترفع من معدل تنقيط المغرب في هذا الأمر، مؤكدا أن هذا الأمر سيعزز من القوة التفاوضية للمغرب مع صندوق النقد الدولي من أجل الحصول على خط مرن للتمويل بشروط تفضيلية، أفضل من التمويل الذي تم استعماله إبان الجائحة. وأشار جدري أن المغرب لم يقم السنة الماضية بالاقتراض من السوق الدولية، لأنه كان ينتظر الخروج من اللائحة الرمادية، لأنه لم يكن يريد تفويت فرصة الاقتراض من بعض المؤسسات العالمية والدولية خصوصا الأوربية بشروط تفضيلية وبنسب ذات فائدة مهمة. وشدد المتحدث ذاته على أن "كل هذه الأمور المهمة سوف تعزز من جاذبية الاستثمار في المملكة المغربية ومن حظوظ المملكة في التوفر على تمويلات خارجية بشروط تفضيلية، وهي أمور ايجابية لصالح المغرب، لأنها تعزز وتكسر ثقة العالم تجاه الاقتصاد الوطني المغربي من أجل جلب المزيد من الاستثمارات في السنوات المقبلة".