شدد المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي على استعجالية إعادة تنظيم سلاسل التسويق وتقنين دور الوسطاء من أجل التخفيف من ارتفاع أسعار المنتجات الغذائية. وقال المجلس في "نقطة يقظة"، إنه انطلاقا من مختلف عمليات التشخيص والتحليل التي قام بها في عدد من آرائه، ثمة جملة من التدابير الإجرائية تمكن من تنظيم مسارات تسويق المنتجات الفلاحية والحد من مضاربة الوسطاء. وأوصح أن هذه التدابير تشمل الإسراع بإصلاح أسواق الجملة عبر إرساء نظام تدبير مفتوح أمام المنافسة وجعل ولوج المهنيين إليه مشروطا باحترام دفتر التحملات. كما تشمل إصدار نصوص تنظيمية توضح السير الداخلي لهذه الأسواق، وشروط أهلية المتدخلين للاشتغال فيها، والكيفيات الجديدة لأداء الرسوم. ودعا إلى تطوير قنوات التسويق القصيرة ذات الطابع التعاوني وتشجيع تجارة القرب، لاسيما عبر العمل على تشجيع الفلاحين الصغار والمتوسطين على الانتظام في تعاونيات فلاحية، مع ترصيد المقاربات المعتمدة على مستوى سلسلتي إنتاج السكر والحليب. وأوصى بضع إطار قانوني لتقنين مجال تخزين المنتجات الفلاحية بما يسمح بتأطير التخزين الاستهلاكي أو التخزين لأغراض فلاحية ومكافحة التخزين الاحتكاري. كما طالب بوضع إطار تنظيمي محدد وملزم من أجل تقنين وإعادة النظر في دور ومهام الوسيط وتحديد حقوقه وواجباته على مستوى سلاسل التسويق. وحث مجلس "الشامي" على تعزيز وتوسيع نطاق عمليات مراقبة الأسعار ومحاربة المضاربات ومدى احترام قواعد المنافسة في مختلف القطاعات ذات الصلة بارتفاع الأسعار. وأشار إلى ضرورة تسريع التحويل الرقمي لمجال تسويق المنتجات الفلاحية، لاسيما عبر تصميم منصات رقمية تمكن الفلاحين من جهة من الولوج بشكل آني إلى المعطيات المتعلقة بالأسعار الحقيقية، بما يسمح لهم بالتفاوض على نحو أفضل مع جميع المتدخلين في سلسلة التسويق، ومن جهة أخرى من تسويق جزء من منتجاتهم الفلاحية بشكل مباشر. كما دعا إلى إحداث "مرصد للأسعار وهوامش الربح"، يمكن إلحاقه بمجلس المنافسة للمساعدة على رصد أي سلوك للمراكمة غير المبررة وغير المشروعة لهوامش الربح على حساب القدرة الشرائية للمواطن. وسجل المجلس أن منظومة تسويق المنتجات الفلاحية، التي تعتريها جملة من مواطن الهشاشة والاختلالات التنظيمية والوظيفية، هي أحد الأسباب التي ساهمت في ارتفاع أسعار المنتجات الغذائية الأساسية. واعتبر أن ذلك يأتي بالموازاة مع الاختلالات المسجلة في تدبير الموارد المائية وتفاقمها في ظل انعكاسات فترات الجفاف المتواترة، وتداعيات الأزمة الصحية، وتأثيرات الحرب في أوكرانيا على كلفة عوامل الإنتاج. وأضاف أنه في سياق هذه الظرفية الاستثنائية التي يتواصل منحناها التصاعدي، بلغت نسبة التضخم مستويات مرتفعة لم تسجل منذ بداية سنوات التسعينيات، إذ ناهزت، حسب المندوبية السامية للتخطيط، %11 في المتوسط بالنسبة للمواد الغذائية خلال سنة 2022. وأمام هذا الوضع، يقول المجلس، ومن أجل الحد من تأثيره على القدرة الشرائية للمواطنين وتجنب المس بالأمن الغذائي للبلاد، اتخذت السلطات العمومية مجموعة من التدابير الاستعجالية على غرار عمليات مراقبة الأسعار ومحاربة المضاربات وضبط التصدير لتأمين حاجيات السوق المحلي من الإمدادات. وهمت هذه التدابير دعم مهنيي قطاع النقل ووقف استيفاء الرسوم الجمركية والضريبة على القيمة المضافة على استيراد اللحوم الحمراء لتعويض انخفاض العرض الداخلي. وسجل المجلس أن هذه الجهود، على أهميتها، تبقى غير كافية للتقليص من حدة ارتفاع أسعار المنتوجات الفلاحية، لاسيما في ظل استمرار المنحى التصاعدي لأسعار المدخلات الفلاحية ومنتجات وقاية النباتات، وذلك لمجموعة من العوامل داخلية ذات طابع بنيوي. وتتمثل أبرز هذه العوامل، حسب المصدر نفسه، في غياب إطار حكامة شامل ومندمج لمسلسل تسويق المنتجات الفلاحية مما يؤدي إلى استمرار الاختلالات في تنظيم الأسواق الأسبوعية، فضلا عن انتشار نشاط المسارات الموازية (البيع خارج إطار القطاع المنظم). كما تتمثل في ضعف قدرة الفلاحين الصغار والمتوسطين على تنظيم أنفسهم من أجل تسويق منتجاتهم في ظروف جيدة بالإضافة إلى تسجيل تأخر كبير في رقمنة مسلسل تسويق المنتجات الفلاحية وتثمينها. ومن هذه العوامل كذلك، الحجم المفرط للوسطاء وعدم خضوعهم لما يكفي من المراقبة، وهو الأمر الذي يذكي المضاربة ويؤدي إلى تعدد المتدخلين ويضر بمصالح المنتجين. كما يؤثر سلبا على جودة المنتجات بالنظر لتسببه في إطالة مسار قنوات التسويق، ليؤدي في نهاية المطاف إلى ارتفاع سعر البيع للمستهلك النهائي، إذ قد يتضاعف سعر المنتوج ثلاث أو أربع مرات قبل أن يصل إلى المستهلك، وفق المجلس.