بدلت قطر جهدا عظيما إعدادا و تنظيما لواحد من أشهر المحافل الدولية ،والذي يلقى متابعة جماهيرية عريضة في كل بقاع العالم،ناهيك عن الحشود التي تأتيه من كل فج عميق. كثيرون هم من دول الغرب راهنوا على فشل قطر ،فكيف لرعاة الإبل أن ينظموا محفلا لم يسبق لدولة عربية أن نالت شرف تنظيمه؟ و كيف لهؤلاء القوم الذين يرتدون النعال و العمامة أن يستقبلوا عندهم كأس العالم؟ تذمر إعلامي غربي واسع،ردت عليه إمارة قطر المباركة بتنظيم فاق الإتقان و الإبداع،حرصت من خلاله على إبراز الطابع العربي و على تقديم صورة حقيقية عن الإسلام السمح المعتدل،والتي حاولت العديد من المنابر تشويهها لسنوات طوال. لم تنجح قطر فقط في التنظيم ،لأن مساعيها كانت أكثر من مجرد الحرص على توفير بنيات تحتية جيدة و استقبال يليق بضيوف من مختلف القارات،بل حرصت على نشر الثقافة الإسلامية بأسلوب جعل الضيوف الأجانب يقرون بأن القوانين التي وضعتها من قبيل منع الخمر جعلتهم كأسر مصاحبة لأطفالها تحس بالأمان. إحضار أشهر داعية في العالم الدكتور ذاكر نيك..اختيار نموذج رائع من ذوي الهمم لافتتاح المونديال بالقرآن الكريم و قصته الملهمة..منع المنتخبات و الجمهور من رفع شعار المثلية..كلها ترتيبات ذات أبعاد ثقافية،دينية و سياسية،الأمر الذي يوحي بأن العقول التي خططت لكل هذه الترتيبات المدروسة هي عقول فائقة الذكاء،استطاعت أن توصل رسائل عدة في فترة وجيزة. قطر جعلت المنتخبات العربية تفتخر بعروبتها و كانت فألا حسنا عليها،حيث أيقظت الشعور بالانتماء للأمة العربية،و استطاعت تذويب الجغرافيا،و جعل العرب يتوحدون حول قضيتهم الأم القضية الفلسطينية،فمن مظاهر ذلك: تشجيع الجمهور العربي لكل المنتخبات العربية المشاركة،و سعادته بالانجاز التاريخي الذي حققه منتخب المغرب. رفع أعلام الدول المشاركة في مختلف المنازل و الشوارع العربية. تبادل التحايا و التبريكات بعد كل مقابلة،سواء على منصات التواصل الاجتماعي أو على أرض الواقع. رفع المنتخب المغربي لراية دولة فلسطين عقب كل انتصار. التفاف الجمهور العربي حول بعضهم البعض في شوارع الدوحة،ورفعه للشعارات و الأهازيج المختلفة. استقبال القطريين و العرب القاطنين في الدوحة لبعض الجماهير في منازلهم . و غيرها الكثير من صور الوحدة و التآخي التي استطاعت هذه الإمارة المباركة أن يكون لها فضل إبرازها. فرحة أمراء قطر بتأهل المنتخب المغربي و رفعهم للراية. حتى لاعبو المنتخبات العربية المشاركة ساهموا في تغيير العديد من التمثلات الخاطئة التي كانت لدى الكثيرين حول اللاعب العربي الذي يمارس في الدوريات الأجنبية،خصوصا لدى الأسر المحافظة التي تعتبر أن ولوج عالم كرة القدم سيفقد أبناءها هويتهم الدينية و الثقافية، فقد ساهم بعض اللاعبين في تغيير هذه المعتقدات و قدموا نموذجا رائعا تغنت به المنابر الإعلامية العربية باختلاف مشارفها ،كنجم المنتخب المغربي زكرياء أبو خلال الذي أثار اعجاب الكثيرين بسيرته و مساره،فهو مغربي ليبي مسلم نشأته في الخارج جعلته أكثر تشبتا بتعاليم الإسلام،حامل لكتاب الله و يحرص على الدعوة للإسلام،وعقب مباريات المنتخب المغربي يسجد اللاعبون شكرا لله ،اعترافا و إقرارا بفضل الله عليهم ، و افتخارا بعقيدتهم. قطر كذلك منحت فرصة لضيوفها ليقدموا صورة عنهم،حيث نال المنتخب الياباني و مدربه تعاطفا كبيرا بعد مغادرتهم للمونديال،و أبان الجميع عن انبهاره بالضيوف اليابانيين الذين قدموا صورة جميلة جدا عن ثقافتهم كلما سنحت لهم الفرصة،بدء من تنظيف الملعب عقب كل مباراة ووصولا إلى انحناء المدرب احتراما للجمهور في صورة أخلاقية راقية. في الوقت الذي حرص فيه اليابانيون على تقديم صورة جميلة، كان هناك من غادر خاسئا بعد أن اختار الدفاع عن قضية باطلة وهو المنتخب الألماني الذي فقد الكثير من شعبيته بعد الحركة التي قام بها لاعبوه. إنها أكثر من مجرد لعبة..إنها ديبلوماسية ساحرة،نجحت قطر الدولة العربية المسلمة في حبك معالمها. هنيئا قطر و هنيئا للمنتخب المغربي الذي كانت الدوحة فأل حسن عليه.