يطرح قرار المكتب السياسي لحزب الأصالة والمعاصرة بتجميد عضوية النائب البرلماني هشام المهاجري بالمكتب السياسي للحزب، وإحالة ملفه على لجنة التحكيم والأخلاقيات على خلفيته مداخلته بمجلس النواب أثناء مناقشة مشروع قانون المالية، سؤالا جوهريا حول الحدود الدستورية والسياسية التي تؤطر حق البرلماني في التعبير عن رأيه ومواقفه انطلاقا من الصفة التمثيلية التي يتوفر عليها. بالعودة إلى النص الدستوري سنجد أن البرلماني له صفات يتمتع بها ووظائف دستورية يقوم بها، فله صفة تمثيلية الأمة وعضويته تستمد أصليا منها، وهذه الصفة تتفوق على صفة تمثيلية الحزب التي لا تعتبر داخل مؤسسة البرلمان سوى ذلك الإطار السياسي الذي يضبط هيكلة مجلسي البرلمان، وأن الصفة الحزبية تظهر أكثر على مستوى التمثيل في اللجان الدائمة والمؤقتة وفي مكتب مجلسي البرلمان وفي تشكيل الفرق النيابية. فالنائب أو المستشار يوجد في حالة تبعية للحزب الذي ترشح باسمه، واستمرار عضويته بالبرلمان ترتبط وجودا وعدما بدوام تلك العلاقة التنظيمية التي تربطه بالحزب، وأن تخليه عن انتمائه الحزبي يجرده من صفة عضو في المجلس الذي ينتمي إليه حسب منطوق الفصل 61 من الدستور والفصل 20 من القانون التنظيمي للأحزاب السياسية. وبالنسبة للوظيفة التمثيلية التي يقوم بها البرلماني فهي محددة دستوريا في ثلاث وظائف مركزية، وهي التشريع ومراقبة الحكومة وتقييم السياسات العمومية، هذه الوظائف يقوم بها النائب أو المستشار من خلال مشاركته في مناقشة والتصويت على مختلف مشاريع ومقترحات القوانين، ومن خلال توجيه الأسئلة الكتابية والشفوية التي يوجها لأعضاء الحكومة وتعقيبه على أجوبتهم، ومناقشة رئيس الحكومة أثناء جلسات تقييم السياسة العامة. كل هذه الوظائف وفر لها الدستور والنظام الداخلي لمجلس النواب آليات ممارستها وقواعد القيام بها، حماية للنائب وحصانة له من أي متابعة قضائية بصريح عبارة الفصل 64 من الدستور الذي نص على أنه لا يمكن متابعة أي عضو من أعضاء البرلمان ولا البحث عنه ولا إلقاء القبض عليه ولا اعتقاله ولا محاكمته، بمناسبة إبدائه الرأي أو قيامه بتصويت خلال مزاولته لمهامه. فهذا الفصل يعتبر ضمانة جوهرية لحماية البرلماني من أي تضييق على حقه الدستوري في التعبير عن أرائه فيما تضعه الحكومة من سياسات وما تتخذه من إجراءات وقرارات وما تقدمه من مشاريع قوانين أمام البرلمان، ولا ترد أي حدود على هذه الحرية إلا في ثلاث حالات هي: مجادلة النظام الملكي، والدين الإسلامي، أو ما يخل بالاحترام الواجب للملك. وهي نفس الضمانة جاءت في المادة 10 من النظام الداخلي لمجلس النواب، والتي وسعت من مدلول إبداء الرأي الوارد في المادة 64 من الدستور، لتشمل المواقف والقناعات التي يعبر عنها النائب سواء من داخل مجلس النواب أو خارجه أثناء ممارسة مهامه الدستورية، وهذا ينسجم تماما مع الوظيفية التمثيلية التي يقوم بها النائب وواجبات الصفة التي يحملها. كما أن حرية الرأي والتعبير هي من المبادئ العامة التي جاءت في الباب الأول من النظام الداخلي لمجلس النواب التي على أجهزة المجلس التقيد بها ولا تحد منها إلا أخلاقيات العمل النيابي ونبل رسالته. وحتى الجزء التاسع من نفس النظام الداخلي المخصص لمدونة السلوك والأخلاقيات العامة تتحدث عن مبدأ استقلالية النائب، وأن أعضاء مجلس النواب مسؤولون عن قرارتهم أمام المواطنين والمواطنات. فإذا كانت المقتضيات السالفة الذكر قد منحت حرية واسعة للبرلماني لممارسة وظيفته التمثيلية، فإن قرار حزب الأصالة والمعاصرة بتجميد عضوية نائبه بالمكتب السياسي للحزب، يطرح سؤالا حول ما إذا كان الانتماء إلى الفريق البرلماني الذي يتشكل على أساس حزبي هو خضوع مطلق لتوجيهات الحزب السياسية على مستوى المناقشة والتصويت، في احترام صارم لموقع الحزب وللحدود الفاصلة بين الأغلبية والمعارضة، وهي حدود دستورية وسياسية تأخذ تمظهرات مختلفة على مستوى التمثيل في أجهزة المجلس دون أن تمتد إلى المناقشة والتصويت. إن اعتماد المكتب السياسي لحزب الأصالة والمعاصرة على ميثاق الأغلبية لتوقيع عقوبة تجميد النائب البرلماني، وإن كان يبقى عملا داخليا للحزب، فإن الميثاق نفسه يستدعي بعض الملاحظات: أولا: أنه يعتبر ميثاقا سياسيا وأخلاقيا يربط الأحزاب المشكلة للأغلبية الحكومية لتنسيق عمل الأغلبية على مستوى المؤسسة التشريعية ومؤسسة الحكومة، ولا يرقى لمستوى قواعد قانونية تضبط تصرف البرلماني، بل مجرد مبادئ توجيهية لوظيفته ثانيا: أن الميثاق نفسه لم يكن مغلقا وجامدا في فلسفته وروحه، بل كان مرنا ومنفتحا حينما أكد أن مكونات الأغلبية تنفتح بروح إيجابية بناءة على كل المبادرات والاقتراحات التي تقدم المعارضة والقوى الاجتماعية والاقتصادية والمجتمع المدني، ومن ثمة فمن باب أولى أن يكون هذا الانفتاح على أراء نواب الأغلبية اللذين يشكلون السند الدستوري للحكومة. ثالثا: أن ميثاق الأغلبية كان مدركا أن مواقف النواب والمستشارين بالبرلمان لا يمكن التحكم فيها لأنها تخضع للسياقات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وتخضع لتقدير كل نائب أو مستشار لتلك السياقات وظروفها، وذلك عندما نص على لا يجب أن تشكل مواقف أعضاء الأغلبية الحكومية بالبرلمان أي إخلال بالأهداف والمبادئ المسطرة في ميثاق الأغلبية. ومن ثمة لا يمكن تحويل النائب البرلماني إلى مجرد آلة ميكانيكية يخضع في حركته وعمله لتوجهات الحكومة، لأن ذلك لا يساهم إلا في تنميط عمل ممثلي الأمة ويجعل الأغلبية تناصر الحكومة وتصطف بجانبها وتدعم عملها قلبا وقلبا مناقشة وتصويتا، وتجعل النائب مجبرا في التماهي مع مواقف الحكومة تحت طائلة تجميد عضويته وعرضه على لجنة التحكيم والأخلاقيات. وهذا ما يتعارض تماما مع الفصل السابع من الدستور الذي يجعل من الحزب ذلك الإطار الذي يعبر عن إرادة الناخبين ويشارك في ممارسة السلطة، والذي يختار مرشحين قادرين على القيام بمهامهم التمثيلية حسب المادة 28 من القانون التنظيمي للأحزاب السياسية، والقدرة هنا لا يمكن أن تكون إلا من خلال المشاركة في المناقشة ومجادلة الحكومة في اختياراتها لأن ذلك يدخل في صميم الوظيفة النيابية. * أستاذ القانون العام بكلية الحقوق السويسي