تحل ذكرى المسيرة الخضراء ،والتي تصادف قرابة نصف قرن من النضال التاريخي والدفاع عن السيادة الوطنية ،ودون ان ننسى ان اهم تجليات تعميق الازمة يتحملها اللوبي الفرنسي في اطماعه الاستراتيجية بشمال المغرب وخصوصا الإرث الاستعمار في القارة الافريقية، ولذلك فنه لابد ان نسجل مجموعة من الملاحظات المنهجية التي تؤيد طرحنا في هاته المقالة الموجهة الى الباحثين في الجامعة الفرنسية لإخراج موقف صريح من القضية الوطنية ،فالقليل من هؤلاء الأساتذة الذين يعبرون عن اسفهم من الآثار الكبيرة التي لحقت بسبب جرائم إنسانية ضد الشعوب التي كانت تحت وطأة الاستعمار ،واهم تجليات ونتائج الاستعمار ،هي قضية الحدود وترسيمها في ارجاء العالم المستعمر ،ويبقى السلوك السياسي في إشارة الى الحزم والتعبير بشكل يضمن الحقوق التاريخية للدول وشعوبها ،لكن ما يخيم على الأمر هو عامل الصمت والمراوغة وعدم الوضوح في الموقف الفرنسي من القضية الوطنية. فرنسا والصحراء المغربية ظلت فرنسا في موقف وسط من قضية الصحراء المغربية وإن كانت داعمة بشكل رئيسي للمغرب في المحافل الدولية -سواء داخل الاتحاد الأوروبي أو في مجلس الأمن- في القرارات والمواقف ذات الصلة بموضوع الصحراء، وهذا يمتد إلى اللحظة الراهنة إذ صوتت فرنسا و12عضوا بمجلس الأمن لصالح قرار يخدم الموقف المغربي نسبيا في قضية الصحراء مقابل امتناع كل من روسيا وكينيا، هذا الموقف يقضي تمديد عمل بعثة المينورسو لعام واحد، مما يعني أن الأزمة الصامتة بين المغرب وفرنسا لم تتحول إلى قطيعة أو خلاف، لكنها بقيت دون الموقف المنتظر في ظل التحول الذي شهدته قضية الصحراء لصالح المغرب منذ الاعتراف الأميركي بها. حدث تحول نوعي في الخطاب الذي ينتجه المغرب في موضوع الصحراء، إذ يعتبر موضوعها وطبيعة الموقف منه هما المحدد لطبيعة العلاقة مع أي دولة، مما يعني سعي المغرب لحسم القضية التي شكلت له عائقا في الفعل والمبادرة. فموقع الثقل الذي تمثله فرنسا في منطقة شمال أفريقيا وتأثيرها البين بخصوص القضايا المثارة الصحراء المغربية بعيون أمريكية عقب إعلان الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب مساء الخميس توقيع مرسوم للاعتراف بسيادة المملكة المغربية على الصحراء الغربية، أكدت الأممالمتحدة أن موقفها لن يتغير، بينما أعربت البوليساريو عن "أسفها الشديد" لقرار الولاياتالمتحدة. بعد قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاعتراف بالسيادة المغربية على هذه المنطقة، أكد الناطق باسم الأمين العام لأمم المتحدة الخميس أن موقف أنطونيو غوتيريش لم يتغير حيال الصحراء الغربية. واعتمدت واشنطن خريطة جديدة للمغرب تتضمن الصحراء الغربية بعد ثلاثة أيام من إعلان الاتفاق. وتنص الاتفاقية على فتح "قنصلية" أمريكية في الداخلة وتقديم بنك التنمية الأمريكي مبلغا قيمته 3 مليارات دولار من أجل "الدعم المالي والفني للمشاريع الاستثمارية الخاصة" "في المغرب وأفريقيا جنوب الصحراء." وخلال زيارته الحالية للمغرب أكد مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط، جوي هود، أنه ليس هناك أي تراجع لدى إدارة بايدن بخصوص مسألة اعتراف واشنطن بمغربية الصحراء في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب. وأوضح المستشار الدبلوماسي المغربي والخبير في السياسية الخارجية، سمير بنيس، أن الاعتراف الأمريكي لا يعني إلغاء المسار الأممي في القضية، وأن عمل ضمن هذا المسار هو الأساس. وفيما يتعلق بالإشارات التي فسرها بعض المراقبين بأنها مواقف مبهمة للإدارة الحالية في أمريكا، يقول بنيس، إنه من الناحية العملية فإن الولاياتالمتحدةالأمريكية أكدت على عدم أي تغير في الموقف على العديد من المستويات، حيث ضمنت الخريطة الكاملة للمغرب في كافة المواقع المغربية، وحتى في التقارير الصادرة عن وزارة الخارجية. الحكم الذاتي والصين تمثل قضية الوحدة الترابية بامتداداتها المرتبطة بالسيادة والشرعية إحدى القواسم المشتركة بين المغرب والصين. فقد ورث المغرب عن المرحلة الاستعمارية مشاكل متعددة مرتبطة بحدوده ووحدته الترابية، منها ما تم التوصل بشأنه إلى حل سمح له باسترجاعها إلى حظيرة الوطن مثل طرفاية وسيدي إفني، ومنها ما انتهى بالانفصال النهائي مثلما هو الشأن بالنسبة لموريتانيا، ومنها ما كان سببا في نشوب حرب دامية مثلما حصل مع الجار الجزائري، في حين لم يجد المشكل المرتبط بالصحراء طريقه إلى الحل، رغم كل الأدلة التاريخية والمادية التي أدلى بها المغرب لإقناع الرأي العام الدولي، وكذا الاقتراحات العملية التي قدمها لإيجاد حل عادل ونهائي لهذه القضية التي أضحت منذ 1975 قضية وطنية، بل قضية المغرب الأولى. ومن جانبها، استعادت الصين نفوذها على جزيرتي هونغ كونغ وماكاو ، لكنها لا زالت تعيش على إيقاع النزَعات الانفصالية في عدد من الجبهات الساخنة فوق ترابها، بالأخص في إقليمي التبت Le Tibetوسينكيانغ XinjiangوتايوانTaïwan . وتكتسي قضية تايوان دلالة خاصة، لأن الجزيرة شكلت خلال عقدين من الزمن منافسا شرسا للحزب الشيوعي الصيني في شرعية حكم الصين وقيادتها، ولازالت تمثل تهديدا لوحدة وسيادة البلاد. وتقف الصين على مفترق طرق في عملية توسيع وجودها الاقتصادي في شمال غرب أفريقيا، ولربما يُشكِّل تصاعد التوترات بين الجزائر والمغرب تهديدا لمصالحها الاقتصادية والجيوسياسية في المنطقة. لكن بكين قد تملك القوة اللازمة لرأب الصدع وإعادة توجيه منطقة غرب المتوسط صوب مبادرتها "الحزام والطريق" (مبادرة تبنَّتها الصين منذ العام 2013 لتطوير بنية تحتية تربط الصين بالعالم عبر الاستثمار في نحو 70 بلدا. وتسعى الصين لأن تلعب دورا إستراتيجيا في تنمية الترابط الأوروبي-الأفريقي عبر منطقة غرب المتوسط. كما أن للصين مصلحة في تمدُّد ممر النقل التجاري المغربي بين غرب أفريقيا وغرب أوروبا، المعتمد على خط قطارات "البراق" المغربي الفائق السرعة، وعلى التوسعة الجديدة في "ميناء طنجة المتوسط"؛ أكبر موانئ البحر المتوسط اليوم. من جانبها، تُبقي الصين على سياسة عدم الانحياز فيما يخص النزاع على الصحراء الغربية، وتدعم رسميا جهود الأممالمتحدة لإجراء استفتاء صحراوي تأخر طويلا، في حين توازن بين مصالحها الاقتصادية بحرص في كلٍّ من المغرب والجزائر. ورُغم أن التوترات بين الجزائر والمغرب وصلت ذروتها مؤخرا، ثمة فرصة للعدول عن الصراع وتوجيه المسار نحو التعاون بين الطرفين، ويمكن للصين أن تلعب دورا بنَّاء في هذه المفاوضات.ويرجح خبراء اقتصاديون أن يكون الاعتراف الأميركي بسيادة المغرب على الصحراء، وفتح قنصلية بمدينة الداخلة، ذو طابع اقتصادي بالأساس، وهو السبب وراء انتباه اقتصاديات من حجم بريطانياوالصين نحو الصحراء المغربية، باعتبارها باتت منطقة جذب للاستثمارات الكبرى، لاسيما بعد الانتعاش الكبير الذي بدأت تشهدها بورصة الدار البيضاء منذ أواسط ديسمبر الماضي، تزامنا مع الاعتراف الأميركي. المغرب بوابة افريقيا الإمكانات الهائلة التي تمتلكها أفريقيا في مجال الاقتصاد والأعمال، جعلت منها محلّ اهتمام الاقتصادات الكبرى الباحثة عن فضاءات بِكرٍ للاستثمار، غير أنّ هذا الاهتمام يبدو أنّه لن يستطيع أن يُفعّلَ بطريقة سلسة وسليمة إلاّ عن طريق التركيز على المغرب بوصفه بلدا يسعى لاكتساب قوة اقتصادية ولكونه يُعدّ جسرا يربط مختلف بلدان القارة مع العالم، بحسب ما أفادت به دراسة صادرة عن مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية، تناولت بالبحث تقريرا أعدّه كلّ من بيتر فام وريكاردو رنيه لاريمون، صدر مؤخرا عن المركز الأفريقي التابع للمجلس الأطلنطي (وهي مؤسسة بحث أميركية في القضايا الاستراتيجية والاقتصادية). أفريقيا هي موطن سبعة اقتصاديات، تُعدّ الأكثر نموا في العالم، وبحلول سنة 2050 يتوقع أن يتجاوز عدد سكان القارة نظيره في الهندوالصين مجتمعتين حيث سيتضاعف ليصل إلى 2 مليار نسمة. زيادة على ذلك سيكون هذان الملياران من الأفارقة أصغر (عمريا) من نظرائهم في أيّ مكان آخر من العالم، وسيمثلون واحدًا من أربعة عمال على المستوى العالمي مع حلول منتصف القرن. ويدرك المستثمرون جيدا امتلاك أفريقيا لثروات طبيعية طائلة بما في ذلك 30 بالمئة من الاحتياطات المعروفة من المعادن و60 بالمئة من الأراضي الخصبة غير المستغلة في العالم. لكنّ هذه القارة تعاني من تحديات عدة تقف أمام تطوير الأعمال فيها، ومنها الفساد والقوانين الغامضة والمكبلة والموارد البشرية غير المتطورة وضعف البنية التحتية وغياب الأمن. أمام هذا الوضع يقدّم المغرب حلاّ محتملا بفضل تمتعه بالاستقرار وتنامي قوته الاقتصادية إلى جانب مساهمته في استتباب الأمن الإقليمي ممّا يجعله بوابة جذابة للاستثمار، وشريكا مهما للولايات المتحدة في أفريقيا. فضلا عن ذلك فالمغرب هو البلد الأفريقي الوحيد الذي أمضى اتفاقية تجارة حرة مع الولاياتالمتحدة الأميركية. ثير السياسة المغربية بأفريقيا اهتماما إعلاميا وسياسيا متزايدا، فقد صار للمملكة رصيد من المصداقية في غرب ووسط أفريقيا، فهي أول مستثمر فيه، ولها حضور قوي على المستوى الدبلوماسي والديني. ويرى كثير من المراقبين أن الهندسة السياسية لتوجه المغرب نحو أفريقيا تعرف تحولات كبيرة، وتعطي إشارات سياسية واضحة وقوية حسب محللين سياسيين بأن المملكة المغربية تراهن على دورها الاستراتيجي في مد جسور التواصل مع بقية الدول الأفريقية، الأمر الذي يحتم عليها التفكير في إعادة التموقع بالمجال الأفريقي. وتشير بيانات مكتب الصرف (هيئة حكومية) إلى أن استثمارات الشركات المغربية في المنطقة بلغت في السنوات الست الماضية نحو 420 مليون دولار من مجموع استثمارات القطاع الخاص البالغة 630 مليون دولار. وشملت القطاع البنكي والاتصالات، والمجموعات الاستثمارية، وقطاع العقار والصناعة. ولقد وقف تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، الذي تم إعداده في إطار إحالة ذاتية، على السياسة الجديدة والإرادية في التعاون، المنتهجة من طرف المغرب في السنوات الأخيرة، مع باقي البلدان الإفريقية والتي ترتكز على المسؤولية المشتركة والتضامن. وتهدف المقاربة المقترحة إلى جعل مسلسل الاندماج يتخذ طابعا شموليا ومتجانسا ومدمِجا وبراغماتيا ومرتكزاً على أربعة محاور كبرى: المحور الأول، يروم جعل الاندماج الإقليمي للمغرب أولوية استراتيجية في السياسات العمومية للدولة، لا سيما من خلال تطوير استراتيجية مندمجة خاصة بتنسيقٍ بين القطاعين العام والخاص وإحداث آليات تشاور منتظمة بين القطاع الحكومي المكلف بالشؤون الخارجية والتعاون وممثلي القطاع الخاص. أما المحور الثاني، فيتناول تعزيز آليات الاندماج على الصعيدين الإقليمي والقاري وتحسين التجانس والتكامل على مستوى مختلف الشراكات القائمة. وفي هذا الصدد، يوصي المجلس باستكمال مسلسل التصديق على الاتفاقية المتعلقة بإقامة منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية (ZLECAF)، والعمل على تعزيز التعاون مع المجموعات الاقتصادية الإقليمية. كما يقترح بناء سلاسل قيمة إقليمية ذات قيمة مضافة عالية وذات وقع اجتماعي قوي على الساكنة، والعمل، تفعيلاً لتوصيات المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بشأن النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية، على جعل جهة الداخلة-وادي الذهب قطباً إفريقياً. وفي ما يخص المحور الثالث، فيهدف إلى تعزيز البعد الإجرائي لآليات التعاون على الصعيد الثنائي. كما يروم تقوية فعالية الاتفاقيات المبرمة مع الشركاء الأفارقة والنهوض بنجاعتها ووقعها. وفي هذا الإطار، يوصي المجلس بإنجاز حصيلة منتظمة لانعكاسات كل اتفاقية وتقييم نتائج المبادرة التي اتخذها المغرب تجاه البلدان الإفريقية 33 الأقل نمواً وتكييف مضامينها بهدف إرساء اندماج أكبر للفاعلين المغاربة في سلاسل القيمة الإفريقية. أما المحور الرابع، فيقترح تدابير ذات طابع عرضاني تتمحور حول أربع ركائز، هي: شبكة نقل فعالة ومتاحة أمام الجميع، وآليات مالية ملائمة، والارتقاء بالإطار القانوني الخاص بمجال الأعمال، وتعزيز القدرات ودعم الدولة للمستثمرين. وفي هذا الصدد، يوصي المجلس بإنشاء صندوق استثماري عمومي موجه لإفريقيا، لتمويل مشاريع التنميةوإحداث آلية مؤسساتية لمواكبة ولوج المقاولات للأسواق الدولية، لاسيما لفائدة المقاولات الصغرى والمتوسطة. ويقتضي تحقيق هذا الطموح وضع سياسات إقليمية مندمجة ومنسجمة مع الاستراتيجيات القطاعية التي وضعها المغرب. * خبير استراتيجي بالمعهد العربي للتخطيط بالكويت