من سوء حظ الحمار أنه أصبح مطلوبا من شعب يقدر بأزيد من 1.4 مليار نسمة. وحين يكون حيوان لا يخضع لصناعة فعالة في إنتاجه قد دخل تحت طلب سوق من هذا الحجم فقد دخل مجال الكائنات المهددة بالانقراض. ورغم تخصيص 8 ماي من كل سنة كيوم عالمي للحمار، اعترافا بدوره العظيم في بناء الحضارة الإنسانية وتقديم الخدمات للبشر في بيئات صعبة مند أن تم تدجينه قبل قرابة 6000 سنة قبل الميلاد، فعدد الحمير تناقص عبر العالم بفعل التجارة الموجهة لدولتي الصينواليابان، وأصبحت الحمير مهددة بالانقراض في غضون سنوات إذا استمرت وثيرة قتلها من أجل جلودها. وفي هذا السياق يأتي تشديد جنوب إفريقيا الحماية على حميرها من أنشطة التهريب نحو الصين. فما هي قصة جلود الحمير؟ وما هو الوضع في جنوب إفرقيا؟ وما هي حقيقة تهديد الحمير عبر العالم؟ لماذا جلود الحمير؟ تسود في الصين معتقدات بأن لجلود الحمير فوائد طبية، إلى درجة أنه أصبح مرغوبا بكثرة تعادل حجم الطلب على قرون وحيد القرن. وحسب "فرانس 24′′، نقلا عن "اف ب"، رغم أن هذه المعتقدات لم تُثبت علميا إلا أن الطب التقليدي الصيني يعتبر أن ال"إيجياو"، وهي مادة تُستخلص من الجيلاتين الموجود في جلد هذه الحيوانات بمجرد غليه، تمثل علاجا "سحريا"، وتتمتع بخصائص مشابهة لتلك المنسوبة إلى قرون وحيد القرن، ومن أبرزها تحسين الدورة الدموية وإبطاء الشيخوخة وتحفيز الرغبة الجنسية وزيادة الخصوبة. وتُقدَّم ال"إيجياو"، حسب نفس المصدر على شكل مشروب أو مع المكسرات كفاتح للشهية، وبينما كانت تُخصص في الماضي للأباطرة يتزايد الطلب عليها حاليا من الطبقة الوسطى في الصين. ولجأت هذه الدولة التي شهدت أعداد الحمير فيها انخفاضا بمقدار النصف تقريبا خلال السنوات الأخيرة إلى أفريقيا لتسد حاجة السوق لديها. وخلال سنة 2017 عرفت دولة مصر ظاهرة مثيرة تتعلق بانتشار بقايا الحمير المذبوحة، وأثار ذلك ضجة كبيرة مخافة أن تكون موجهة للاستهلاك الداخلي للحومها، ونقلت الجزيرة نت عن الطبيب البيطري أمين شعبان، قوله إن القصة الأساسية تتعلق بتجارة أكبر وأكثر ربحية بكثير من بيع لحم الحمير، وتتعلق ببيع جلود الحمير وتصديرها. وأضاف شعبان في نفس تصريحه أن البورصة العالمية في الصين قد ثمنت جلد الحمار بأكثر من 470 دولارا أميركيا، أي نحو 7500 جنيه مصري، فيما سعر الحمار كاملا في مصر يتراوح بين ألفين و2500 جنيه. وحسب الجزيرة نت، أوضح أستاذ الرقابة الصحية على اللحوم ومنتجاتها في كلية الطب البيطري بجامعة الزقازيق محمد عبد الله حسين إلى أن الصين تستخدم جلود الحمير والجيلاتين المستخرج منها كمصدر خاص لإنتاج مادة "إيجياو" (ejiao) المركب الأساسي في عقار يصنع بالأساس كمكمل للدم المفقود. لكن الصينيين -يضيف حسين للجزيرة نت- بدأوا في استخدام العقار كعلاج يمنع الشيخوخة والعقم والإجهاض، وكذلك الآثار الجانبية للعلاج الكيميائي، وتصنع منها منشطات جنسية، ومن ثم تضاعفت أسعار هذه المادة لتصل إلى أكثر من 40 أو 50 ضعفا خلال سنوات قليلة. ومن هنا، بدأت الشركات الصينية بالتوجه إلى أسواق البلدان النامية لاستيراد جلود الحمير بأسعار مغرية وصلت في بعض الأحيان إلى مئات الدولارات لجلد الحمار الواحد، الأمر الذي خلق حالة من الهوس لدى كثير من المواطنين للتجارة في جلود الحمير، على حد قوله. وحسب نفس المصدر، تؤكد رئيسة شعبة البحوث البيطرية في المركز القومي للبحوث الدكتورة منى سعيد أن التصدير للصين رغم كبر حجمه ليس المسؤول الوحيد عن ذبح الحمير، فهناك كثير من مصانع مستلزمات الحلويات التي تستخدم الجلود في إنتاج الجيلاتين الذي يعد بديلا رخيصا للسكر الذي يدخل في تصنيع الحلويات، خاصة الكيك والكرز الصناعي. وتضيف منى للجزيرة نت أن اليابان دخلت هي الأخرى على خط استيراد جلود الحمير، حيث تستخدمها في صناعة مستحضرات التجميل كون دهون جلد الحمير زيتية سائلة، وتستخلص منها كذلك دواء لمعالجة تجاعيد الوجه والجسم وصناعة الواقيات الذكرية. بل إن جلود الحمير تدخل في استخدامات أخرى مفيدة جدا للبشرية في المستقبل، حيث يستخدمها الباحثون في المجال الطبي، وتحديدا في الأبحاث العلمية المتعلقة بمرض السرطان، وكيفية علاجه، على حد قول الطبيبة البيطرية. ويعود سبب الانخفاض في أعداد الحمير، حسب "فرانس 24′′، إلى الطلب الكبير على مادة "إيجياو". وتشكل الصين السوق الاستهلاكية الأبرز لهذه المادة، إذ تحتاج إلى أكثر من عشرة ملايين حمار سنويا لتلبية الطلب في سوقها هذه المقدرة قيمتها بملايين الدولارات، وفق ما توضح المنظمة البريطانية لحماية الحمير "دونكي سانكشواري". ويصل سعر الكيلوغرام الواحد من ال"إيجياو" في آسيا إلى نحو 360 دولارا. جنوب افريقيا تشدد الحماية وسط مخاوف من تعرضها للانقراض بسبب تراجع أعدادها، شددت جنوب أفريقيا حماية الحمير من تهريبها إلى الصين. وحسب "فرانس 24′′، تشير دراسة حديثة أعدتها جامعة جنوب أفريقيا إلى أن أعداد الحمير في البلاد انخفضت بنسبة تفوق 30% خلال السنوات العشرين الأخيرة، فبعدما كانت جنوب أفريقيا تضم 210 ألف حمار سنة 1996، شهدت أعداد هذه الحيوانات انخفاضا لتصل إلى 146 ألفا عام 2019. وفيما تشهد دول أفريقية أخرى من بينها كينيا وبوركينا فاسو انخفاضاً مماثلا، تتخوف الجهات المدافعة عن حقوق الحيوانات من انقراض هذا النوع في أفريقيا في غضون سنوات قليلة. وكانت دول أفريقية عدة من بينها كينيا حظرت ذبح الحمير، مشيرة إلى زيادة سُجلت في السرقات المرتبطة بهذه الحيوانات خلال السنوات الأخيرة. وحسب المصدر السابق، يقول جيسي كريستيليس، وهو مربي حمير في ماغاليسبرغ الواقعة على بعد أكثر من ساعة من جوهانسبرغ وصاحب إحدى مزرعتين لإنتاج حليب الحمير موجودتين في جنوب أفريقيا: "اضطررنا لاتخاذ تدابير تهدف إلى حماية" الحمير من عمليات تهريبها، كتجهير هذه الحيوانات بأساور كهربائية ومنبهات ورقائق إلكترونية لتتبع مسارها. وتصدر جنوب أفريقيا رسميا 10500 من جلود الحمير سنويا إلى هونغ كونغوالصين. لكن الكميات الفعلية المُصدرة إلى هذين البلدين هي بلا شك أعلى بكثير في ظل وجود سوق غير شرعية. وكانت السلطات صادرت عام 2015 نحو 3000 من الجلود اشتبه في أنها كانت مخصصة لعمليات تهريب، وقُدرت قيمتها الإجمالية بأكثر من 300 ألف دولار. وصادرت السلطات منذ بداية السنة الحالية شحنتين غير شرعيتين محملتين بالجلود. وتشير دائرة الزراعة في المنطقة النائية الواقعة شمال غرب البلاد والأكثر تضررا من تهريب جلد الحمير لوكالة الأنباء الفرنسية إلى أنها "تفتح تحقيقاً في كل حادث يُبلغ عنه". لكنّ حماية الحمير التي تُذبح بشكل غير قانوني في ظروف تندد بها المنظمات غير الحكومية، لم تسجل نتائج إيجابية بعد. ويوضح كريستيليس أن هذه الحيوانات "غالبا ما تكون في مناطق ريفية تفتقد للتكنولوجيا". ولاحظ المربي كذلك أن أسعار الحمير شهدت في السنوات الخمس الماضية ارتفاعا كبيرا، وبعدما كانت تسجل نحو 29 دولارا للحمار الواحد، أصبحت تبلغ نحو 127 دولارا. ويرى أن التجار والمربين يتنافسون عليها خلال المزادات المُنظمة. ويعتبر مربو الحمير أن ارتفاع أسعارها يشكل إلى جانب انخفاض أعدادها عاملا إضافيا يهدد القطاع الناشئ، لإنتاج حليب الحمير المُستخدم لمعالجة أمراض جلدية. ويقول كريستيليس الذي يملك قطيعا مؤلفا من 116 حمارا يخضعها لحماية مشددة: "كانت عملية العثور على الحمير سهلة في الماضي"، أما اليوم "فلم نعد متأكدين من استطاعتنا تلبية الطلب" عليها. مهدد بالانقراض نقلت مصادر إعلامية عن موقع NCBI الأمريكي الذي أعد أحدث تقدير لعام 2021، أن تعداد الحمير في العالم، بلغ 45.8 مليون حمار، وكان الاستخدام الرئيسي للحمير تقليديا ولا يزال إلى حد كبير لجر ونقل البضائع والأشخاص، لكن في ظل الإقبال على التجارة غير المشروعة بجلودها انخفض عدد الحمير بأكثر من 80% في أوروبا و77% بالصين. وأضافت نفس المصادر أن أعداد الحمير سجلت تراجعات مقلقة في جميع الدول التي توجد بها، وعلى سبيل المثال، فقد تراجعت أعدادها في البرازيل في الأعوام الأخيرة بنسبة 28 %، وبنسبة 37 % في بوتسوانا، وبنسبة 53 % في قيرغيزيا، ومنذ العام 1992، انخفضت أعداد الحمير في الصين بنسبة 76 %، مع تحول البلاد إلى الواردات العالمية لسد النقص في الطلب. وهناك مخاوف من أن الحمير قد تختفي تماما في كينيا وغانا بسبب تجارة جلودها. وحسب المصادر السابقة، قالت مديرة البحث والدعم التشغيلي في منظمة "مأوى الحمير" فيث بوردن، إن "الانتهاكات التي تتعرض لها الحمير مروعة للغاية في بعض الأماكن التي تذبح فيها بسبب هذه التجارة.. والحجم أكبر بكثير مما كنا نعرفه من قبل". وارتفع الطلب بشكل كبير على الحمير، لدرجة أنه يتم تجميع واقتناء الأتان (أنثى الحمار) الحوامل وصغار الحمير والحمير المرضى والجرحى من أجل ذبحها، وبما أن الإصابات والمرض لا تؤثر غالبا على جودة الجلود، فإن التجار لديهم حافز قليل لضمان علاج هذه الحيوانات.