على بعد حوالي سنة عن الانتخابات الرئاسية المتوقع تنظيمها في يونيو 2023، تشتعل الضغوط والتكهنات داخليا وخارجيا حول أسماء الشخصيات التي قد تتنافس على رئاسة تركيا. والأمر ليس بغريب، ذلك أن التنافس حول منصب الرئيس يدور فعلا حول معرفة من هو الشخص الذي يمكنه أن ينافس طيب رجب أردوغان، ويتمكن من زحزحته؟ وما هي الاستراتيجيات المتنافسة حول مرشح الرئاسة؟ وما هي نقط القوة والضعف لدى المنافسين المحتملين، خاصة من "أخوي" أردوغان الأسبقين؟ التقرير التالي يقدم التطورات التي عرفها الصراع السياسي حول رئاسة توركيا إلى اليوم، حسب تقاري من الجزيرة نت، وقناة الحرة. ورقة المرشح حارقة في الوقت الذي لا يوجد منافس لأردوغان داخل حزبه حزب العدالة والتنمية، ولا لدى حليفه الاستراتيجي حزب الحركة القومية الذي أعلن رئيسه أكثر من مرة أن مرشحه للرئاسيات هو الرئيس أردوغان، وأنه لا يفكر في دعم أي مرشح آخر لا من حزبه من أحزاب أخرى، تعاني المعارضة من عدم التوافق على مرشحها لمنافسة الرئيس. فالأحزاب الستة، الشعب الجمهوري والجيد والسعادة والديمقراطي والمستقبل والديمقراطية والتقدم، تجتمع وتنسق منذ سبتمبر/أيلول من العام الماضي بهدف العودة بالبلاد من النظام الرئاسي إلى البرلماني، طبعا في حال فوزها بالانتخابات المقبلة. لكن، ورغم ذلك، فإن هذه الأحزاب لم تعلن حتى اللحظة أنها تشكل تحالفا متماسكا، بل لا تزال تستخدم مصطلح "طاولة الستة" للإشارة للقاء التنسيقي بينها، في ظل إشارات عديدة على صعوبة تحوّلها لتحالف موحد. كما أن الشهور الفائتة أثبتت أن هذه الأحزاب، متعددة الخلفيات والأيديولوجيات والأفكار والبرامج، تختلف فيما بينها في عدة أمور رئيسية في مقدمتها فكرة المرشح التوافقي ومعايير اختياره. ولذلك فهي لم تناقش حتى اللحظة هذا الأمر بشكل رسمي، فضلاً عن أن تعلن اسم مرشحها، رغم تنظيمها عدة اجتماعات دورية على مستوى رؤسائها. وفي المقابل أعلن الرئيس التركي لأول مرة بشكل رسمي ومباشر، في التاسع من الشهر الجاري، نيته الترشح في الانتخابات الرئاسية التي ستجرى صيف العام القادم. ففي اجتماع المجلس الاستشاري لفرع حزبه في مدينة إزمير، قال أردوغان بشكل لا لبس فيه "أنا مرشح تحالف الجمهور للانتخابات الرئاسية"، داعيا أحزاب المعارضة للإفصاح عن مرشحها الذي سينافسه. وبالنظر إلى حجم الاختلافات بين المعارضة غير المتجانسة حول مرشحها الموحد، باعتباره أكثر القضايا حساسية من الناحية السياسية، وتعمل على تأجيل النقاش ومحاولة الحسم مراهنة على أن يلعب الزمن دوره في تليين المواقف وتوفير مستجدات مساعدة، فإن استراتيجية أردوغان تدور حاليا حول الضغط عليها حول هذه النقطة بالضبط، من جهة أولى لتأجيج الصراع بينها مما قد يساهم في إضعافها، ومن جهة ثانية، لمعرفة المنافس المفترض لتركيز الاستهداف. وهكذا فإعلان أردوغان أبعد بكثير من مجرد الإعلان عن نيته الترشح للانتخابات الرئاسية العام المقبل، فهي حجر كبير ألقي في مياه المعارضة الراكدة بانتظار أن يحدث أثرا هناك. ذلك أن الرئيس التركي يدرك أكثر من غيره أنه لن ينافس مرشحا منفردا وإنما تحالفاً يدعم مرشحا ما ضده، وأن منظومة التحالفات ستكون أحد أهم العوامل المحددة لاسم الرئيس المقبل لتركيا، ولذلك فإن تصريحه يستهدف بشكل مباشر تماسك المعارضة في مواجهته وإحداث بلبلة وخلافات داخلها. ثلاثة أسماء محتملة لمنافسة أردوغان رغم كثرة التوقعات والاحتمالات المحيطة بالزعيم المعارض البارز كمال كلشدار أوغلو، تردد خلال الفترة الأخيرة إلى جانبه أسمان آخران. وهذان الاسمان انخرطا في دائرة التكهنات السائدة بصورة غير مباشرة و"متوقعة"، ويحسبان على "المعارضة الاستثنائية" التي بدأت بمواجهة إردوغان، وبشكل خاص، عقب الانتقال من النظام البرلماني إلى الرئاسي. وقبل أسابيع أعلن زعيم "حزب الديمقراطية والتقدم"، علي باباجان، قرار حزبه بالدخول في الانتخابات المقبلة "باسمه وشعاره الخاص دون الانضمام إلى أي تحالف". بينما لمّح رئيس حزب "المستقبل"، أحمد داود أوغلو، الأحد، إلى إمكانية ترشيحه من قبل تحالف المعارضة "طاولة الستة"، في الانتخابات المقبلة. وفي رده على سؤال أحد المواطنين عن عدم ترشحه لمنصب الرئيس، خاصة أنه كان رئيسا للوزراء في وقت سابق، أضاف داوود أوغلو أنه تم ترشيح اسمه بالفعل مع بداية تشكيل "حزب المستقبل". وتابع: "أنا مرشح للرئاسة. لكن إذا كان هناك اتفاق بين الأطراف، فنحن مستعدون لمناقشته". ويُعرف كل من باباجان وداوود أوغلو بأنهما "رفاق الدرب" السابقين لإردوغان، وكانا من الركائز الأساسية للحزب الحاكم "العدالة والتنمية"، الذي ما يزال يمسك بمقاليد الحكم في البلاد حتى الآن. لكن بعد عام 2019 تحول "الرفيقان" إلى الضفة المعارضة لإردوغان، وفي وقت أسس كل منهما حزب بشعار واسم خاص، اصطفا شيئا فشيئا، وانخرطا مؤخرا ضمن "طاولة سداسية" تضم كبرى أحزاب المعارضة. "معارضة أكثر من المعارضة" على مدى الأعوام الثلاثة الماضية من التحول الذي طرأ على هاتين الشخصيتين، لم يكد أن يمر يوم إلا ويوجه فيه باباجان وداوود أوغلو انتقادات لاذعة لإردوغان من جهة، وحكومته والوزراء المتوزعين على مختلف حقائبها. وفي الوقت الذي سلك فيه باباجان مسارا اقتصاديا على نحو أكبر من السياسة، حاول داوود أوغلو التركيز على المشكلات السياسية الداخلية والخارجية التي تعيشها البلاد، محاولا الربط ما بين "الأمس واليوم". وخلال الأشهر الماضية من العام الحالي بات ملاحظا نبرة التصعيد التي اتخذها داوود أوغلو وباباجان ضد الحكومة التركية ورفيق دربهما السابق إردوغان، حتى أنهم وصلوا إلى مستوى بات يوصف بأنهم "معارضين أكثر من المعارضة السابقة ذاتها". وتتضارب الخلفيات المتعلقة بأسباب التحول الكبير في رؤى ومواقف هذين الاسمين، وأيضا دوافعهما لاتخاذ موقف حاد في مواجهة إردوغان، مع العلم أنهما كانا إلى جانبه لسنوات طويلة. ولا يرى الباحث السياسي التركي، هشام جوناي أن باباجان وداوود أوغلو "انشقا بإرادتهما" عن العدالة والتنمية، معتبرا أنه "تم إقصاؤهما من الحزب على نحو أكبر". ويعني ماسبق، بحسب الباحث أنه المسار الجديد الذي سلكوه بعد 2019 "لم يكن خيارهما". أوغلو وورقة الأسرار ويقول جوناي لموقع "الحرة": "هناك غضب ونقمة تجاه إردوغان من جانب داوود أوغلو وباباجان. من جانب آخر يعرفون معلومات عن بعض الممارسات، التي قام بها الحزب في السنوات السابقة". ودائما ما يلوح داوود أوغلو ب"إفشاء الحديث عن هذه المعلومات، ويهدد في كل مرة في نشرها على وسائل الإعلام، دون أن يكشف مضمونها، كونه كان طرفا فيما يحدث في تلك الفترة". وقد تدرج داوود أوغلو بالمناصب من مستشار لرئيس الوزراء إلى وزير للخارجية إلى رئيس للوزراء وحزب العدالة والتنمية خلفا لإردوغان، الذي انتخب رئيسا في 2014. وترأس في ذلك الوقت 3 حكومات متتالية، فضلا عن عضوية البرلمان في 3 فترات تشريعية. أما علي باباجان، الذي استقال من "العدالة والتنمية" في 2019، فقد كان أحد مؤسسي حزب "العدالة والتنمية" عام 2001، وانتخب عضوا في البرلمان عن أنقرة عام 2002. وعين لاحقا وزيرا للاقتصاد ضمن أول حكومة ل "العدالة والتنمية" في العام ذاته، وكان أصغر أعضاء الحكومة، في عمر 35 عاما. ويوضح الباحث جوناي أن انشقاقهما جاء أيضا بعد أن وصلا إلى "طريق مسدود مع إردوغان". "الأخير فصل طريقه مع جميع الذين أسس معهم الحزب، بما فيهم عبد الله غل، الذي كان رفيق دربه، منذ أن انشقا عن حزب نجم الدين أربكان". ويتابع الباحث: "بعد الانتقال للنظام الرئاسي لم يجد هؤلاء (داوود أوغلو، باباجان) مكانا في التشكيلة الوزارية لإردوغان، لأن إردوغان فضّل فيها أسماء مقربة لأفكاره 100 بالمئة، ولا تعترض على أي قرار يأتي منه". ويعتقد جوناي أن "الأمور تغيرت بعد النظام الرئاسي"، وأن "الحكم أصبح بيد رجل واحد، هو الذي يعطي القرار وعلى الوزراء التنفيذ". واعتبر: "من هذا المنطلق انشقت الأحزاب عنه"، وأن "مواقفهم الحالية ناجمة عن مشاعر نقمة، وعدم تقدير لهم في الماضي، إضافة إلى اتهامهم دائما بالخيانة". "أسباب متعددة" لكن الأكاديمي والباحث السياسي، مهند حافظ أوغلو يرى أن "النبرة العالية في الانتقاد من داوود أوغلو وباباجان لسياسات إردوغان داخليا وخارجيا ترتبط بأسباب متعددة". ومن هذه الأسباب، بحسب ما يقول الباحث لموقع "الحرة": "محاولة تقديم أنفسهم على أنهم سيكونون الحل للمشكلات التي يعاني منها المواطن. منها إرسال رسائل للمعارضة للتوحد والتوجه نحو مرحلة داخلية جديدة. منها أيضا ما هو تنافس سياسي شخصي". علاوة على ذلك يشير حافظ أوغلو إلى أسباب تتعلق ب"إرسال رسائل للشعب مفادها أننا نعرف أين الخطأ ونعرف ما الحلول التي يجب أن تطرح، بحكم أننا كنا في مركز القرار، ومطلعين على ما لا يعرفه غيرنا". ويضيف الباحث: "بسبب غياب المشروع الكامل لديهما أرى أن تصريحاتهما أقرب ما تكون للدعاية الحزبية والشخصية دون وجود مشاريع مطروحة على الشعب". لماذا التلويح بالمنافسة؟ في مطلع مايو الحالي حدّث مكتب المدعي العام بالمحكمة العليا عدد أعضاء الأحزاب السياسية، وبحسب ما نشر عبر موقعه الرسمي، يضم الحزب الحاكم 11 مليونا و64 ألفا و747 عضوا، حزب الشعب الجمهوري (مليون و312 ألفا و891 عضوا). أما "حزب المستقبل" فقد بلغ عدد أعضائه 45 ألفا و682، و"حزب الديمقراطية والتقدم" (102 ألفا و896). ومن هذه النسب يرى مراقبون أن حزب باباجان وداوود أوغلو لا يمكنهما أن ينخرطا كمافسين لإردوغان. لكنهما ورغم ذلك سيحاولان السعي لتثبيت نفسيهما على خريطة السياسة الداخلية للبلاد، وخاصة في البرلمان. وتعتبر انتخابات 2023 الأولى التي سيخوضها الحزبان الجديدان "المستقبل" و"الديمقراطية والتقدم". ووفق الباحث حافظ أوغلو فإن "إعلان رؤسائهما الترشح للرئاسة ربما هدفه الضغط على أحزاب المعارضة، التي تحاول أن تجد مرشحا. دون جدوى". ويقول: "الترشح قد نشهده من قبل عدة رؤوساء أحزاب أخرى". وذلك ما يعود لسببين، موضحا: "الأول عدم الاتفاق على اسم يواجه إردوغان، والثاني من أجل تشتيت الأصوات الانتخابية لاحقا، في محاولة لعدم نجاح مرشح تحالف الجمهور (إردوغان)". من جانبه يرى الباحث السياسي، فراس رضوان أوغلو، أن ما حصل من انشقاقات حزبية واصطفافات يتعلق ب"كبر الدولة، وزيادة الكبر في الأمور السياسية، والتغير في الأجيال". ولم تكن حالة داوود أوغلو وباباجان كاستثناء، بل كان هناك "انشقاقات" عن "حزب الشعب الجمهوري" أكبر أحزاب المعارضة و"حزب الجيد"، وأحزاب أخرى محسوبة على المعارضة، بحسب ما أشار الباحث لموقع "الحرة".