منذ إحداث المراكز الجهوية للتربية والتكوين، ظل سؤال معادلة الدبلومات التي تمنحها مطلبا حاضرا متدبدبا بين الظهور أحيانا والتواري أحيانا، إذ يتساءل الكثير من خريجي هذه المراكز عن سبب إحجام الحكومة عن إصدار قرار ينص على معادلة دبلومات هذه المراكز بالشواهد الجامعية التي تكافئها، خاصة مع التطور الكبير الذي عرفتها منظومة التكوين والتكوين بهذه المراكز، التي تزاوج بين التكوين الاكاديمي النظري والعملي التطبيقي المهني والبحوث التربوية التدخلية، تكاد تفوق أحيانا ما يتلقاه الطلبة في الجامعات كما وكيفا. شهادات عليا مع وقف التنفيذ: من الواضح جدا أن هناك تدبدبا وتلكؤا في تحديد موقع هذه المراكز من خريطة منظومة التربية والتكوين، وتحديد هويتها، بدءا بصدور المرسوم رقم 672-11-2 (23 ديسمبر 2011) ، الذي أريد له عمليا أن يدشن السبيل نحول الارتقاء والاستقلالية من حيث الحكامة والتنظيم، إلا أن ذلك لم تصاحبه آليات عملية للتفعيل، وانتظرنا إلى سنة 2016 قصد تعيين وتسمية المديرين الجهويين ببعض المراكز، ليستمر التدبدب يطبع حتى هندسة التكوينات وشروط الولوج ونظام التقييم. حسب المرسوم رقم 2.21.544 الصادر بتاريخ 21 مارس 2022، في شأن إحداث وتنظيم المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، تعتبر هذه المراكز بمثابة مؤسسات لتكوين الأطر العليا، تتولى تأهيل أطر هيئة التدريس المتدربين؛ وتهييئ المترشحين لاجتياز مباريات التبريز للتعليم الثانوي التأهيلي؛ وتكوين أطر الإدارة التربوية وأطر هيئة الدعم الإداري والتربوي والاجتماعي؛ وتنظيم دورات للتكوين المستمر لفائدة مختلف فئات موظفي الوزارة، بما في ذلك أطر الدعم الإداري والتربوي والاجتماعي وأطر الإدارة التربوية، فضلا عن العاملين بمؤسسات التعليم المدرسي الخصوصي بهدف تحديث وتطوير معارفها وكفاياتها وخبراتها المهنية، أو إعدادها للمباريات ولامتحانات الكفاءة المهنية؛ والقيام بأنشطة البحث العلمي التربوي النظري والتطبيقي في المجالات التربوية والبيداغوجية والديداكتيكية وحكامة المؤسسات، وكذا إنجاز الدراسات والأبحاث في المجالات التي تدخل ضمن اختصاصات المركز أو التي يتطلبها التكوين؛ وإنتاج الوثائق التربوية، وكذا القيام بتبادل المعلومات والوثائق ذات الصلة باختصاصات المركز مع الجهات المعنية، لكن وضعيتها القانونية والمؤسساتية والإدارية لازالت ملتبسة ما بين الاستقلالية الادارية والمالية والتبعية للأكاديميات الجهوية أو للمديريات الاقليمية أو للسلطة الحكومية المكلفة بالتعليم العالي أو للسلطة الحكومية المكلفة بالتربية الوطنية، إلى جانب إشكال ربط التكوين بالتوظيف وغيرها من الاشكالات التي لا زالت تكبح هذه المؤسسات من الاضطلاع بالمهام والأدوار المفترضة منها انسجاما مع مبادئ القانون الإطار 17/51 وتوجيهات النموذج التنموي الجديد خاصة في الشق المتعلق بتجديد مهن التدريس والتكوين والتدبير. وإذا استحضرنا المرسوم رقم 2.01.333 المتعلق بمنح معادلات الشهادات والقانون 01.00 المتعلق بتنظيم التعليم العالي والذي يعتبر المراكز الجهوية للتربية والتكوين مؤسسات للتعليم العالي غير تابعة للجامعات، فيصح لنا القول أن الشهادات التي تمنحها هذه المراكز "شهادات عليا مع وقف التنفيد". احتجاجات ومناشدات وحيص بيص: نظم طلبة وخريجو المراكز الجهوية العديد من الوقفات الاحتجاجية، وأصدروا مجموعة من البيانات باسم "التنسيقية الوطنية للأطر الادارية المتدربة"، ( نتوفر على نسخ منها)، تطالب بمعادلة دبلوماتهم بالشهادات الجامعية، لكن لا زالت الحكومة صائمة عن التفاعل مع هذه المطالب. الآلاف من خريجي هذه المراكز، يتأبطون "دبلوم مركز تكوين المعلمين والمعلمات سابقا"، أو "دبلوم المدرسة العليا للأساتذة سابقا"، أو "شهادة التأهيل التربوي الممنوحة من المراكز الجهوية" أو "دبلوم الإدارة التربوية" … فهذه كلها شواهد ودبلومات يتم الحصول عليها بعد انتقاء ومباراة شفهية وكتابية ثم تكوين أغلبه لمدة سنتين، ويشترط لها مستوى جامعي معين، فتصير تعادل ( بكالوريا +2 ، و بكالوريا +3، و اجازة +2 … دون اغفال التجربة والخبرة المهنية التي يكون قد راكمها المعني خلال مساره المهني، دون أن يتم تثمين هذه الدبلومات والشواهد لتعادل شواهد جامعية كالإجازة والماستر ودبلوم الدراسات المعمقة. وهو ما يدفع بالعديد من موظفي التعليم للبحث عن سبل لمتابعة دراساتهم الجامعية حتى في تخصصات بعيدة عن مجال اشتغالهم فقط للحصول على شهادات جامعية قد تساعدهم في الترقية المهنية أو تغيير الإطار. ونضرب مثلا بخريجي مسلك الإدارة التربوية، حيث تلتحق بهذا المسلك أطر تربوية لها خبرات مهنية ميدانية تصل على الأقل إلى 7 سنوات من التدريس، بناء على انتقاء أولي وإمتحان كتابي وشفهي، ثم تكوين نظري وتطبيقي يستوفي 24 مجزوءة تكوين خلال سنتين تكوينيتين في مختلف مجالات القيادة التربوية والادارية والتدبيرية، أي رزنامة تكوين وفق باراديغم (ٍعملي – نظري – عملي) ، إضافة إلى التدريب الميداني فِي إِطَارِ التحمل الكلي للمسؤولية خلال السنة الثانية؛ وإعداد المشروع الشخصي المؤطر، وامتحان التخرج، ليتوج هذا المسار بالحصول على دبلوم الادارة التربوية. وكلها عوامل تدفع بالأطر الادارية المتدربة، فوج 2020-2022، للمطالبة بمعادلة دبلوم التخرج بالماستر إذا اعتبرت السنة الثانية سنة تكوينية وإذا كانوا متابعين بامتحان التخرج واعادة التعيين، أو تمكينهم من التعويضات عن المهام واحتساب هذه السنة في الاقدمية العامة مع الاحتفاظ بمناصبهم الحالية، حسب الرغبة، إذا اعتبرت هذه السنة سنة تحمل للمهام. ترافع برلماني: في خطوة خلقت المزيد من اللغط حول إحداث إطار متصرف تربوي، أصدرت الوزارة المرسوم 2.21.544 بتاريخ 21 مارس 2022 ، تضمن التراجع عن التكوين في سنتين، من خلال التنصيص على سنة واحدة من التكوين، وهو تحول غير مفهوم ويعتبر تراجعا في مسعى الرقي بمنظومة الادارة التربوية من مدخل تجويد التكوين، وقد خصص المرسوم الفوج الحالي الذي يتابع تكوينه الان بهذا المسلك، فوج 2020/2022، بمادة فريدة (المادة :5)، تجعله لا هو مثل الأفواج السابقة ولا اللاحقة. مما جعله يحتج ويطالب بانصافه ومعادلة الشهادات التي سيتحصل عليها بالماستر. وفي هذا السياق وجه يوسف شيري، عضو فريق التجمع الوطني للأحرار بمجلس النواب، سؤالاً كتابياً ( نتوفر على نسخة منه)، إلى وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، حول معادلة دبلومات المراكز الجهوية للتربية والتكوين بالشواهد الجامعية. وذكر يوسف شيري، في مراسلته المؤرخة ب 07/04/2022، أنه "بالرغم من التزام الحكومة بتطوير منظومة التربية والتكوين من خلال تفعيل مقتضيات القانون الاطار 51/17، وكذا توصيات النموذج التنموي الجديد والتي تؤكد على ضرورة وأهمية تكوين الرأسمال البشري وتأهيلها وتثمينها باعتبارها ركيز النهضة التربوية المأمولة، إلا أنه لا زالت وضعية المراكز الجهوية للتربية والتكوين خارج السكة، من حيث وضعيتها القانونية والادارية والمأسساتية، وكذلك من حيث تثمين الدبلومات والشواهد التي تمنحها" وهو ذات الموقف الذي تبناه أيضا عدي ويحيى، المستشار البرلماني عن حزب الأصالة والمعاصرة، الذي وجه كذلك سؤالا كتابيا في ذات الموضوع، ( نتوفر على نسخة منه). حيث أشار عدي ويحيى، في سؤاله، إلى أن "الأطر التي تتحصل على هذه الدبلومات تكون قد استفادت من تكوينات نظرية وعملية معمقة إضافة إلى ما راكموه مهنيا من تجارب خلال ممارساتهم المهنية، ومثالا على ذلك أطر الادارة التربوية فوج 2020-2022، الذي تابع تكوينا لمدة سنتين في سلك الادارة التربوية، دون غيره من الأفواج السابقة واللاحقة، مما جعله يطالب بمعادلة دبلوم الادارة التربوية بشهادة الماستر" الوضع الاستثنائي للأطر الادارية المتدربة فوج 2020-2022، دفع أيضا النائب البرلماني، حسن اومريبط، لتوجيه سؤال كتابي لوزير التربية الوطنية، ( نتوفر على نسخة منه)، يسائله فيه عن الاجراءات التي ستتخذها الحكومة لتفادي افراز ضحية أخرى للقرارات الانتقالية، على غرار "ضحايا النظامين". وعلى غرار قرار معادلة دبلوم مركز تكوين المفتشين بشهادة الماستر وإدماج هذا الدبلوم ضمن الشواهد التي تخول الولوج إلى سلك الدكتوراه، وتثمينا لدبلومات المراكز الجهوية للتربية والتكوين باعتبارها مؤسسات للتكوين والتكوين المستمر والبحث العلمي تضم خبرات وكفاءات وطنية كان لها الفضل في الاسهام في تجويد منظومة التربية والتكوين على مدى سنوات، لا مناص أن تسارع الحكومة، في شخص الوزارة المكلفة بالتعليم العالي، باعتبارها السلطة الحكومية المؤهلة لمعادلة شهادات التعليم العالي، إلى إحقاق الحق بقرار ينص على معادلة دبلومات المركز الجهوية للتربية والتكوين بشواهد الاجازة والماستر … حسب مدخلات ومخرجات كل مسلك، وهذا مطلب يتماشى أيضا مع مطالب اعتماد نظام ( LMD) ( اجازة ماستر دكتوراه ) في هذه المراكز.