لا يختلف اثنان حول تسجيل بلادنا، في ما يتعلق بملف وحدتنا الترابية، لصحوةٍ قوية وعودة لافتة للدبلوماسية المغربية على صعيد المنتظم الدولي. وذلك ضمن سيرورة واضحة عنوانها تصاعُدُ المكانة الدولية والإقليمية والقارية لبلادنا، ونجاحه الكبير في فرض اسمه ومكانته وسياسته، والحفاظ على سيادية قراراته واختياراته، حتى إزاء دولٍ تنتمي إلى "نخبة" المنتظم الدولي. إنه ليس كلاماً على عواهنه، بل إنه تشخيص لواقعٍ على الأرض، تجسد، بالخصوص وعلى سبيل المثال لا الحصر، من خلال الاعتراف الأمريكي التاريخي بمغربية الصحراء؛ والاتفاق الاستثماري الكبير مع دولة بريطانيا العظمى؛ وإعادة التموقع إيجاباً على مستوى قارتنا الإفريقية؛ وفي ساحة الشرق الأوسط بتعقيداته الكبيرة؛ وفتح عشرات القنصليات بأقاليمنا الصحراوية الجنوبية؛ وبروز الملامح الأولى لتأييد قضية وحدتنا الترابية بشكل واضح من طرف بلدانٍ لها أهميتها على الساحة الدولية. في هذا السياق، لا يتعين أن نغفل الحضور القوي والميداني، بفكر وحس وروح النصر، للمؤسسة العسكرية المرابطة والصامدة والباسلة، والتي نرفع لها التحية من هذا المنبر. وقد تجسد ذلك، على وجه التحديد، في قدرتها السلسة والذكية على حلحلة معادلة الكركرات وإعادة فتح العبور للمسافرين وللبضائع على مستوى معبر الكركرات في اتجاه دول الساحل. نجاحاتُ الديبلوماسية المغربية، بذكائها وهدوئها ورزانتها وقوتها وصرامتها وحزمها ونضاليتها، تم تأكيدها بجلاء من خلال "الاختراق" الذي أحدثته تُجاه الدولة الصديقة المانيا. فالتغيير الكبير في موقف الدبلوماسية الألمانية، ليس أمراً يمكن المرور عليه مرور الكرام، بل إنه حدث هام ومؤثر وقد يكون حاسماً خلال القادم من الشهور. ألمانيا، تلك الآلة السياسية والدبلوماسية والاقتصادية التي لها حضور وازن في توجيه القوة الأوروبية وفي اختيار السياسيات الخارجية للاتحاد الأوروبي، استطاعت أن تكتشف كذب وخداع حكام الجزائر وزيف ادعاءاتهم وحقيقة مناوراتهم. وعندما نقول الجزائر لا نقصد البتة الشعب الجزائري الشقيق، ولكن نقول ونعني بكلامنا زمرة الكابرانات والجنرالات الذين يتحكمون في خيرات الشعب الجزائري دون وجه حق. والمُلاحَظُ في نفس الاتجاه أنَّ نفس الإدراك بات يغزو الجارة إسبانيا، فهي تنحو اليوم نحو مراجعة قراراتها وعلاقتها على أسس جديدة أكثر حرصاً على احترام المغرب وتقدير أدواره والأخذ في عين الاعتبار مصالحه العليا والحيوية. والمبادئ الجديدة هي ما صرح به العاهل الاسباني، حيث أن هذه الإشارة التقطتها إسبانيا من ألمانيا بعد أن تأكد الجميع من أن هناك فرقاً شاسعاً بين التعامل مع دولة لها قيمتها العالية ومؤسساتها المستقرة والقوية وتاريخها العريق، دولة مسؤولة تتعامل بندية وحزم وبمبدأ الثقة المتبادلة، وبين التعامل مع دولة تعمل خارج المؤسسات وتعمل بفكر الميلشيات والعصابات والدسائس والمكائد وتصريف أزمتها الداخلية الخانقة. من هنا يتضح انتظام محور الشر لنا: إيران؛ الحوثيون؛ حزب الله/ البوليساريو والجزائر. هذا الخماسي الذي يشكل محور الشر، هناك تناغم بين أضلاعه، وهو يحركه الفكر العصابي، فكر العصابات وفكر الميليشيات. الحوثيين في اليمن، وحزب الله في لبنان، والشيعة في العراق، شكلوا هلالا شيعيا أثر على المثلث السني في العراق، وأصبح السُّنة مُزاحَمين في قوتهم ونفوذهم. وهذا فتح شهية الفارسية الصفوية الشيعية الإيرانية في التمدد إلى غرب إفريقيا، للبحث عن ميليشيات أخرى وعصابات أخرى ودعمها، كما هو الشأن بالنسبة لبوكوحرام وبوليزاريو وغيرها، من أجل التأثير وخلق البلبلة والإرهاب وزعزعة الاستقرار والأمن في غرب إفريقيا. وهذا يبدو من خلال تأطيرها وتسليحها لميليشيات البوليساريو، وهو نفس السيناريو الذي تقوم به وتدعمه العصابة الجزائرية في تجنيد وتجيش الأطفال في البوليساريو، ودفعهم للمطالبة بإقامة "دويلة" لا توجد سوى في مخيلة قصيرة النظر ومريضة النفس، وهو مطلب غير مؤسس لا قانونيا و لا تاريخيا ولا جغرافيا. اليوم، يبدو أننا دخلنا في مرحلة تاريخية للسياسة الدولية، عنوانها فلسفة الإنسان والمجال والاقتصاد، وانهارت الأيديولوجيات والمرجعيات. وهذا ما انتبهت إليه ألمانيا وفرنسا وإنجلترا وغيرهم. وتم تأكيده بالانفتاح على دولة إسرائيل، من خلال الاتفاقيات معها على المستوى العسكري والاقتصادي، وهو ما خلق دينامية جديدة في المنطقة وأعاد الثقة والدفء للاستثمار في المملكة المغربية، وفتح رغبة لدى الولاياتالمتحدةالأمريكية، ألمانيا، إنجلترا، وإسرائيل، لمواجهةٍ أكثر جدية إزاء محور: الشر إيران، الحوثيون، حزب الله، البوليساريو، والجزائر. الآن، ونحن نندد وندين الهجوم الإرهابي للحوثين على أبي ظبي، والذي يؤكد أن فكر العصابات وفكر الميليشيات لازال مستمرا، فإننا نعتبر أن على دول الخليج، ولا سيما الإمارات العربية المتحدة والسعودية وقطر، أن تعمق النقاش السياسي والديبلوماسي مع المملكة المغربية، من أجل تمتين التعاون والتكامل لدحر هذا المد الشيعي الصفوي بغرب إفريقيا. وهذا هدف نبيل يمكن أن يتحقق من خلال تثمين الاستئناس والاستفادة من التجربة المغربية المتميزة في إعادة هيكلة وإصلاح الشأن الديني، لا سيما إذا استحضرنا العلاقات الروحية والدينية والاجتماعية والإنسانية الوطيدة بين المغرب وعلماء الدين الأفارقة.