باتت ظاهرة التحرش الجنسي والانفلات الأخلاقي، تضرب أرقاما قياسية، وإحصائيات مخيفة، وتقتحم أوساطا ومواقع جديدة، وتتحول بالتدريج من مشكلة أخلاقية إلى معضلة اجتماعية. أسباب هذه الظاهرة المشينة كثيرة ومتنوعة، ويتضافر في إنتاجها أطراف عدة: تسهم في إنتاجها المرأة المتبرجة المتهتكة المستهترة، بسفورها وفتنتها واستفزازها، وبانتهاكها لحرمة الفضاءات العامة، بوعي وقصد منها أو بدونهما. ويسهم في إنتاجها الرجل الضعيف المهووس، المهزوز الشخصية الفقير إلى الأخلاق، اللاهث وراء النزوات، الذي لا يعرف أدبا ولا يرعى خلقا. ويسهم في إنتاجها القانون الوضعي القاصر، الذي لا ينظر إلى المشكلة في شمولها، ولا يعالجها من جذورها، والذي يميز بين المتحرشين فيعاقب البعض ويسكت عن البعض. ويسهم في إنتاجها المجتمع السلبي الساكت المتساهل المتخاذل، الذي يقبلها ويتعايش معها، ويحولها إلى ظاهرة عادية طبيعية، لا تثير حفيظة ولا تستدعي استنكارا. والمحصلة، أن الأمر يتعلق بظاهرة معقدة مركبة، كثيرة الأوجه، متعددة المتدخلين، تعجز القوانين الوضعية والمرجعيات البشرية عن حلها، وتحتاج علاجا خاصا ومقاربة أعمق وأشمل، وذلك ما نجحت فيه الشريعة الإسلامية الغراء، حين شرعت الأحكام الشرعية الآتية: أولا: حين فرضت على المرأة المسلمة الحجاب والحشمة والوقار، وأمرتها بلزوم البيت إلا لحاجة، وبغض البصر، وخفض الصوت، وعدم الخضوع بالقول، واجتناب الخلوة والاختلاط، والقصد من ذلك كله حفظ هيبة المرأة وصيانة كرامتها، والسمو بها عن كل أنواع الهبوط والابتذال، والرقي بها من أن تتحول إلى سبب فتنة وإثارة وفوضى في المجتمع. ثانيا: وحين فرضت على الرجل غض البصر، واجتناب الخلوة، والبعد عن مواقع الفتنة والإثارة، والتزام الضوابط الشرعية في مخالطة النساء الأجنبيات، ومعاملتهن كما يحب أن تعامل أمه أو أخته أو ابنته أو زوجته. ثالثا: وحين فرض على المجتمع برمته رعاية ضوابط الشرع وحدوده، في الفضاءات العامة، وعدم التساهل مع المنكرات والانحرافات المخلة بالحياء والنظام والذوق العام، والأخذ على أيدي منتهكي حرمة الفضاءات العامة، بتبرج، أو تحرش، أو فحش، أو تفحش، أو سكر، أو عربدة، أو تصرف أهوج كيفما كان. رابعا: وحين فرض على مؤسسات التربية والتنشئة الاجتماعية، مثل الأسرة، والمسجد، والتعليم، والإعلام، النهوض بمسؤولياتها التربوية، وواجباتها في زرع القيم، وبناء الأخلاق، وتحقيق الصلاح الفردي والأسري والاجتماعي. خامسا: وأخيرا وليس آخرا، حين فرض على ولاة الأمور تطبيق شرعه، وإنفاذ حدوده، على المخالفين، والمستهترين، والمجاهرين بالمعاصي والآثام، بتقويمهم بالحدود، وتأديبهم بالتعازير، وحملهم على احترام الغير وترك الظلم والأذى، بقوة السلطان بعد أن لم يمتثلوه بوازع التقوى والإيمان. ومع وجود الحل الإسلامي الرباني، لهذه المعضلة ولكل معضلة، فإنه لا مؤشرات تدل على إرادة لدى المسلمين – أفرادا وأسرا ومجتمعات ودول – للأخذ به وتطبيقه، فيكون حالهم كحال العيس التي وصف الشاعر العربي بقوله: كالعيس في البيداء يقتلها الظما *** والماء فوق ظهورهن محمول. ولذلك يظهر أن معاناة المسلمين مع هذه المعضلة ومثيلاتها، ستستمر إلى حين توبتهم إلى الله وإعلانهم العودة إلى دينه وأحكام شريعته.