خلال تقديمه لتقرير الاستعراض الخاص بحقوق الإنسان، صباح 14 دجنبر الجاري . لن أخوض في عمق الاشكالات لان التصريح نفسه لم يطرحها وتحاشى ملامستها ،وبقي خطاب عاما يفتقد للحجية والسند والمعطيات التي تعطيه صدقية وتقوي من إمكانية مناقشته. وسأبدي بعض الملاحظات التقنية السريعة ،دون الخوض في التفاصيل واللغة المستعملة في التقرير والتي تحمل في طياتها دلالات اديولوجية وتصنيفات غريبة عن الحقل الدلالي والمعرفي لحقوق الإنسان ، لغة تريد إخراج الفاعل الحقوقي من دائرة اهتمامه وأهدافه الحقيقية ووضع تحديدات لتصنيف الهيئات والاطارات الحقوقية بشكل غير مسبوق معتدا قاموسا سياسيا يضمر كما يعلن الاستمرار في التضييق على اطارات حقوقية معينة حسب تصنيفه السياسي الدخيل على الحقل الحقوقي. 1/ اختزل السيد المندوب الوزاري المنظومة الحقوقية في جزئ من الحقوق المدنية والسياسية ، والتي يتطلب اقرارها فقط أن ترفع الدولة عنها يدها وتدعم ذلك بتشريعات ونصوص قانونية وتفعيل ما العديد من الخطط والارضيات التي يبدو أنها وضعت للاستهلاك ليس إلا. 2/لم يشر إلى تراكم تأخير تقارير اعمال الاتفاقيات الدولية ، وعدم الاستجابة لطلبات زيارات المقررين الخاصين لبلادنا، وتفادي الوقوف عن اعمال التوصيات والتج مع النداءات والبلاغات خاصة مع سريان الجائحة وحالة الطوارئ الصحية التي أصبحت ممتدة ولا تراعي التناسب . 3/تفادى الإشارة إلى الاستعراض الدوري الشامل وما تتطلبه من فتح الآليات التشاورية بخصوصه. 4/ اشار إلى ما سماه غياب تقارير لذى المنظمات والهيئات الحقوقية الوطنية يمكن البناء عليها لرسم صورة دقيقة حول وضعية حقوق الانسان، والحال أن التقارير بما فيها التقارير الموازية لاعمال بعض الاتفاقيات متوفرة رغم الصعوبات والاكراهات التي تشتغل فيها بعض الجمعيات. 5/ غاب عن السيد المندوب التطرق للنقاش الحالي الذي يخوضه مجموعة من رجالات القانون واساتذة القانون الدستوري، حول خرق الدستور نفسه من طرف الحكومة عبر بعض قراراتها والتي دشنته بتبادل المهام بين أعضائها قبل التنصيب البرلماني. 6/ الحديث عن الردة الحقوقية من عدمها ،دون تحديد المرجع الزمني لذلك، اي الفصل بين لحظتين تاريخيتين محددتين لتبان التقدم أو التراجع أو الاستمرارية، وتركيزه على أن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان لم تعد قائمة وكأن الانتقال من وضع الرصاص إلى وضع تكميم الافواه والتحكم في الفضاء العمومي ومواقع التواصل الاجتماعي التي أصبحت ملاذا للاحتجاج والتعبير بعد اغلاق الفضاء العام ، والمنع والحصار وتعنيف التجمعات السلمية ، انتصار وانتقال نحو مجتمع الحريات والحقوق، متناسيا الهدف يكمن في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية والمساواة وبناء الديمقراطية في كل ابعادها وتشييد دولة الرفاه، وليس البقاء رهينة الاختيار بين السيئ والاسوأ. فحتى لو افترضنا جدلا أن الانتهاكات الجسيمة اصبحت جزء من الذاكرة وهذا ما يستطيع المندوب اثباثه ، فحتى الانتهاكات غير الجسيمة يجب أن تنمحي. 7/ اللجوء إلى السجال غير المنتج ،أو ما نسميه سقوط الطائرة ،بزعهمه أن جمعية تليدة تعتمد على امنستي في صياغة مواقفها، وهذا يبين أن السيد المندوب الوزاري لم يطلع على تقارير الجمعية المستهدفة رغم اشارته لها، وهي بالمناسبة في متناوله عبر موقعها أو الخزانة الوطنية أو ارشيفات الهيئات الرسمية المكلفة بحقوق الانسان، هذه التقارير التي تكشف بالملموس أن الإشارة لامنستي من طرف الجمعية المستهدفة قد لا تتجاوز فقرة صغيرة من 10 كلمات احيانا من تقرير حجمه ما يفوق 200 صفحة. ويظهر ان السيد المندوب الوزاري انقلب على ما كانت الدوائر الرسمية تروجه سابقا ، حيث كانت تعتبر امنستي ، و هيومن رايتس ووتش تعتمدان على مصدر معين . مما يبين أن الاقحام غير الموفق للجمعية التليدة تم بشكل مقصود غرضه غير سليم ، وان المندوب الوزاري لم يطلع أو يجهل ويتجاهل أن تلك التقارير فعلا تشير الى تقارير الآليات الاممية وتوصياتها، كما انها تعتمد على بعض تقارير المؤسسات الرسمية كالمندوبية السامية للتخطيط، المجلس الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والبيئي، وأحيانا المجلس الأعلى للتعليم والمجلس الأعلى للحسابات، لكن السيد المندوب يبدو أنه لم يجد اي مدخل لانتقاد الجمعية التي سماها عريقة فلجأ إلى التمويه . 8/يبدو أن السيد المندوب الوزاري انسته حماسته في خضم دفاعه المستميت عن الهيئة التنفيذية والادارات والاجهزة ، ففي النقطة المتعلقة بحرية تأسيس الجمعيات على سبيل المثال لا الحصر ، نفى وجود معطيات وتقارير تؤكد وجود تضييق وحرمان من الحق في التنظيم ، وهذا أمر عجيب فهل يجهل أن هناك أحكام قضائية تعتبر ما تقوم به الإدارة شططا خرقا للقانون وللمواثيق الدولة ، وأن الجمعية التي انتمي إليها صدر ما يفوق 30 حكما من طرف المحاكم الادارية على الصعيد الوطني لصالحها؟ 9/ السيد الوزير يعتقد أن حقوق الإنسان محصورة في جزئ بسيط من المنظومة الكونية لحقوق الإنسان ،لذا لم يشر ليس للردة ولكن للكارثة الحقوقية والتي عرتها وعمقتها الجائحة ، التي تعيشها الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية والتي وصلت حد الاقرار الرسمي بفشل السياسات العمومية المعتملة في هذا المجال، اكيد ان السيد المندوب الوزاري لا يريد أن يعرف أن 5,5 مليون اسرة مغربية تحتاج الدعم، وان 70%من المواطنين الذي بلغوا سن التقاعد لا يتوفرون عليه، وان نسبة التغطية الصحية والاجتماعية ضعيفة واحيله على المندوبية السامية للتخطيط، وان التعليم في الحضيض ولم يستفد حتى من المخصصات المالية ابان ما سمي بالمخطط الاستعجالي بسبب النهب وسوء التدبير، وان النساء الحوامل منهن من يفقدن حياتهن امام مستوصفات أو مستشفيات غير قادرة على تقديم الاسعافات والعلاج، وأن الاستغلال الجنسي للأطفال لازال قائما، ونسبة الهدر والطرد من المدرسة أصبحت تتطلب تدخل النيابة العامة والسلطات المحلية، والأوضاع المخجلة للأطفال غير المرتفين في الثغرين المحتلين وفي الضفة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط ، والتفاوتات المجالية في اتساع ، دون الحديث عن الفقر والهشاشة ،وضعية الأشخاص في وضعية إعاقة والمهاجرين جنوب الصحراء. السيد المندوب الوزاري يمكنه أن يتحدث في عموميات ويخوض مطارحات حول فصل وحيد وصغير من المنظومة الحقوقية الكونية والشاملة مع فئة محصورة جدا من المواطنين، لكنه لن يتجرأ على الخوض في الاعاقات التي يسببها الفساد والجرائم المالية وغياب الشفافية والنزاهة في تدبير الشأن العام، ولا يمكنه ان يلامس واقع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية نظرا لمبلغ الخصاص الذي تعرفه ، وايضا بكون معالجة الانتهاكات الملازمة والمستدامة التي تطالها تستوجب تدخل إيجابي للدولة وتوفير الامكانيات المادية و التكلفة المالية والارادة السياسة للقطع مع الريع والامتيازات والفساد ، وهذا ما تعجز الدولة عليه ولا يمكن أن يسوقه المندوب الوزاري ،لان الشعب المحروم من أبسط الخدمات والحقوق الاجتماعية يعي جيدا "ان الهضرة ما تشري خضرة". ذات تاريخ صرح المندوب الوزاري الحالي خلال ندوة بمراكش حول التقرير النهائي لهيئة الإنصاف والمصالحة، بما مضمونه " ان ما وصلنا له يظهر نجاح التجربة ،وان الباقي يترك لحكم التاريخ" ، فعلا توصيات الهيئة في شقها المؤسساتي والتشريعي وخاصة الضمانات وعدم التكرار ،بقيت في حكم التاريخ ، واتوقع أن حتى ما قاله اليوم سيبقى لحكم التاريخ الذي يسجل ويراكم على المندوب الوزاري لحقوق الإنسان اخفاقاته ،و انه خلال 16 سنة الماضية بقي حبيس نظرة فوتت على بلادنا وضع مشروع مجتمعي حقيقي للانتقال الديمقراطي ، هذه النظرة الارتدادية وجدت التربة المناسبة لقضم المسافات للمزيد من الانتهاكات لحقوق الإنسان والابتعاد عن بناء أسس دولة الحق والقانون الحريات والحقوق. *عمر اربيب: مناضل حقوقي