دعونا نفكر قليلا في تساؤلات تطرح على عقولنا ....حول مامعنى السياسة في دولتنا ؟ هل هي علم لتدبير شؤون الدولة ؟ أم هي تصورات للأحزاب سياسية حول كيف ينبغي أن تكون دولة أو لا تكون ؟ هل هده الأحزاب هي جدير بممارسة السياسة ؟ هل نحن شعب سياسي أو شعب تختبر فيه السياسةفقط ليس له رأي و لا وعي بالسياسة ؟ هل من حقنا أن نحلم بأن نمارس السياسة ونكون سياسينكما حلم أفلاطون في شبابه ؟ هل يفرض علينا ذلك توجها إيديولوجيا معيننا ؟ أم أنه يدعونا إلى التحرر وتركيز الأمور على تدبير الدولة في نطاق العدالة السياسية ؟ في مجال العلوم السياسية يميز المتخصصون بين السياسي أي السلطة السياسية وحكومة الناخبينداخل المجال السياسي العام ، وهناك من يرىبأن المجال السياسي العام هو ملك عمومي لا يمكن الاستحواذ عليه باسم مبدأ أو شعار رنان و لا يمكن تقسيمه أو تجزئته ، يعطي هذا المعنى جوابا جزئيا عن تساؤلاتنا في كون أن السياسة ليست هي الأغلبية أو المعارضة أو هي رهينة بإيديولوجية علمانية أو إسلامية أو اشتراكية ، و إذا كانت كذلك فهي بدعة تجعل من الانتخابات وسيلة للوصول إلى الاستبداد الملون بشعارات ومبادئ موهومة تجعلنا نقتنع بأنها فن للممارسة السياسة . لكن الغريب في الأمر عندما نلاحظ كموطنين حزب سياسي معين ونحاول المشاركة معه في ممارسة حقوقنا ، سرعان ما نجد صراعات داخلية في الحزب نفسه حول مبادئ و إيديولوجيات مختلفة تحيل إلى صراعات أنانية داخلية متعددة ، وكأن السياسة هي تقتضي ذلك فنقول أن ممارسة السياسة تقتضي منا أن نكون ماكرين ومتصارعين ، ويحيلنا هذا الأمر أيضا إلى التشكيك في مسألة الاختلاف المعروفة في الأنظمة الديمقراطية، كمسألة طبيعية ينتج عنها تطور إيجابيا بين الرأي والأخر حول تدبير الحكم ، إلا أن ذلك يبقى بعيد عنا، فتكون الممارسة السياسية عندنا هي نموذج أمثل للعب السياسي الذي يفرغ المعنى الحقيقي للسياسة منممارستها، وبالتالي يمكن القول أننا بعيدين كل البعد عن السياسة وعن فن السياسة الذي تحدت عنه بن خلدون و الذي يهدف إلى تدبير الدولة بمنطق العدالة والمساواةبين الجميع و المصلحة لشعب لا للحزب أو لرئيسه. ويحيلنا ذلك أيضا على أننا نسير بمنطق التخلف السياسي الذي يجعل من أي تخطيط استراتجي معين مرحلة فاشلة تعكس الصراعات الداخلية التي تعيشها هذه الأحزاب ، وهذا يبعدنا عن المفهوم الحقيقي لسياسة ، فعوض الوحدة و الديمومة التي ينبغي أن تكون داخل الحزب نجد التفرقة والفوضى المنظمة، ومن حلبة صراع يتبارز فيها الفاعلون حول التدبير المعقلن للحكم الشعب إلى حلبة صراع يتبارز فيها الفاعلون على الإيديولوجيات و من هم التماسيح و العفاريت . ينتبني في بعض الأحيان نوعا من الشفقة على بعض النقاشات الفارغة التي تدور في اجتماعات الأحزاب السياسية، و التي تفرغ السياسة من معنها وتعطينا تناقضا واسع بين مفهوم السياسة كعلم وفن نخبوي يدرس في جامعات عريقةلاكتساب مهارات التفكير والتخطيط السياسي إلى ممارسة بعيدة عن ما يسمى السياسة ، تتحدث وتحصر نقاشاتها عن المرأة والشباب كأن ذلك هو الذي سيعطي معنى لسياستنا ، لاشك أن تلك المفاهيم التي أتى بها المتخصصون لم تعد محلا لنقاش لدى هؤلاء الأحزاب في عهد اللاسياسة ، وهو ما يفسر نقشاتها الفاشلة التي تبقى دائما مجرد هتفات ببغائية في الهواء الطلق،وكثيرا ما تؤرقني بعض الفرضيات التي تطرح في ذهني بين حين وأخر، منها تلك التي تعطني فرضا على حضور أفلاطون أو إبن خلدون أو ميكافلي أوعالم الأمريكي تالكون بارسونز إلى برلماننا لتأمل قليلا في ممارستنا لسياسة أو ليحاولو الإنخراط في حزب سياسي معين ، ليرو الفن الحقيقي لممارسة السياسة في دولتنا. لاشك أنهم بعد هذه التجربة سينتهي بهم المطاف إلى الجنون والإحباط حول مفاهيمهم ، وهذه القناعة تجعلني بعيد عن تلك الفكرة الرائجة حول ضرورة تشعيب السياسة من أجل فهم الشعب لأن ذلك لا يمكن تفسيره في ذلك السياق بقدر ما يمكن تفسيره في ضعف كفاءتهم في ممارسة السياسة ، فما دور الأحزاب السياسية إن لم تساهم في ترقية المواطن عبر تأطيره وإذكائه سياسيا و توعيته ثقافيا ورفعه اجتماعيا و اقتصاديا ، فكيف نريد شعبا يساهم في انتخابات وهو جاهل لسياسة أو يرى جهال يمارسنها . إن ذلك يؤرقني فكريا ويجعلني في حيرة من أمري لما نعيشه من أوهام في السياسة، ممنوع علينا أن نمارسها كما هي في الأحزاب السياسية الديمقراطية الحقة، التي لا تعترف بالجاه و العائلة و المال لكي يتم ترشيحك وإنما الكفائة و القيادة ورؤية الصحيحة لفن السياسة ، فالسياسة لا تنحصر في العائلة أو المال أو الإيديولوجية أو نسبة المرأة والشباب في الانخراط في الحياة السياسية ،لأن تلك تبقى هثفات ببغائيةمحفوظة لمن يهتف بها للهروب من فن ممارسة السياسة ،كعلم لا يمكن ممارسته دون اكتسابه ، فهي أكبر من ذلك بالكثير، وهذا ما يقنعني دائمابتأمل وتفكير في أصل السياسة كعلم وفن لنخبة متعلمة تعليما حقيقيا تمتاز بالتفكير والتنظيروتخطيط للممارسة ، كما جاءت في كتب علماء المتخصصين لأن ذلك هو المعنى الحقيقي لها ودون ذلك يبقى مجرد فتنة لوهم السياسة.