أدى النمو الديموغرافي و تزايد عدد ساكنة المدن إلى ظهور بوادر أزمة في السكن، و أصبحت الأسر تبحث عن سبل تملك عقارات بالمدن بعيدا عن الكراء السكني الذي يستنزف جيوب هذه الأسر، بالإضافة إلى ما ينتج عنه من منازعات و خلافات مع مالكي العقارات. و قد أدت كل هذه الظروف إلى تزايد الإقبال على اقتناء الشقق و العقارات من لدن شركات متخصصة في بناء العقارات و تجهيزها و تفويتها للعموم، في إطار ما يسمى بالإنعاش العقاري. و بما أن الطلب أصبح يفوق العرض بخصوص هذه الشقق، فإن الشركات التي تشرف على بناء و تجهيز العقارات أصبحت تتجه نحو بيع الشقق و العقارات قبل إنجازها (بيع العقار في طور الإنجاز)، و من هذا المنطلق فإن الزبون يتوجه للشركة و يتفق معها بشأن شقة معينة (يتم تحديد الإحداثيات و المساحة و الطابق و العمارة و التجزئة لتفادي الغلط في الشيء المبيع)، و بعد ذلك تبرم هذه الشركات مع الزبون عقدا يسمى "عقد الحجز" Contrat de réservation تلتزم من خلاله بحجز العقار المحدد للزبون و تفويته له مقابل أدائه ثمن العقار إما بشكل كامل أو على دفعات، و يوقع هذا العقد من الطرفين، و يستلم الزبون نسخة منه. و بالاطلاع على هذه العقود (عقود الحجز) يتبين أنها غير قانونية، و باطلة، و تتضمن تجاوزات قانونية غير مقبولة، على اعتبار أن أغلب هذه العقود تكون عرفية و لا تحرر من طرف موثق أو عدول أو محام مقبول للترافع لدى محكمة النقض، و لا تتضمن هذه العقود الشروط و البيانات الواجب توفرها بموجب القانون المنظم لبيع العقار في طور الإنجاز، و بالتالي يكون ضررها أكثر من نفعها، و تتسبب في كثير من الأحيان في منازعات قانونية بين الشركة البائعة للعقار و الزبون المشتري. و قبل التطرق للإشكالات التي تتسبب فيها عقود حجز العقار و أهم ما أنتجه القضاء من أحكام و قرارات في هذا الإطار، لابد أن نتناول الجانب القانوني لبيع العقار في طور الإنجاز و ما يفرضه القانون في هذا الإطار : طبقا لمقتضيات الفصل 2-618 من قانون الالتزامات و العقود فإن بيع العقارات في طور الإنجاز سواء كانت معدة للاستعمال المهني أو السكني أو التجاري يجب أن يتم وفق الإجراءات و الشكليات المنصوص عليها بموجب الفصول المنظمة لبيع العقار في طور الإنجاز (من الفصل 1-618 إلى الفصل 20-618 من قانون الالتزامات و العقود). و قد استوجب المشرع أن يتم تحرير العقد الابتدائي الخاص بالعقار في طور الإنجاز في محرر رسمي أو محرر ثابت التاريخ، و يحرر العقد من طرف الجهات و المهنيين المحددين بمقتضى الفصل 3-618 من قانون الالتزامات و العقود (إما موثق أو عدول أو محامي مقبول للترافع لدى محكمة النقض). و بالاطلاع على أغلب العقود المحررة من طرف الشركات و الزبائن الخاصة بالعقارات في طور الإنجاز يتبين أنها مخالفة للمقتضيات القانونية المنظمة لبيع العقار في طور الإنجاز، على اعتبار أنها تُفرغ في محرر عرفي غير موثق من طرف الجهات و المهنيين المخول لهم قانونا تحرير و توثيق التصرفات المتعلقة بالعقار في طور الإنجاز. و يترتب عن إفراغ عقد البيع الابتدائي بالنسبة للعقار في طور الإنجاز في عقد عرفي بطلان العقد، عملا بمقتضيات الفقرة الأولى من الفصل 3-618 من قانون الالتزامات و العقود التي جاء فيها : " يجب أن يرد عقد البيع الابتدائي للعقار في طور الإنجاز إما في محرر رسمي أو في محرر ثابت التاريخ يتم توثيقه من طرف مهني ينتمي إلى مهنة قانونية منظمة ويخول لها قانونها تحرير العقود، وذلك تحت طائلة البطلان ". و حيث إن العقد الباطل قانونا لا يمكن أن ينتج عنه أي أثر إلا استرداد المبالغ المالية المدفوعة من الأطراف تنفيذا له، طبقا لمقتضيات الفصل 306 من قانون الالتزامات و العقود الذي جاء فيه ما يلي : " الالتزام الباطل بقوة القانون لا يمكن أن ينتج أي أثر، إلا استرداد ما دفع بغير حق تنفيذا له ". و بالنسبة للمنازعات القضائية المثارة بشأن عقود حجز العقار فإن أغلبها يُثار من طرف الزبون الذي لا يتمكن من إبرام عقد بيع نهائي مع الشركة البائعة رغم أدائه لثمن العقار كاملا، و يجد نفسه أمام عقد حجز غير قانوني و لا يتضمن أي أجل بخصوص تسليم العقار للزبون أو إتمام بنائه و تجهيزه، و هو ما يدفعه للجوء للقضاء للطعن بالبطلان في العقد المبرم بين الطرفين، مع المطالبة باسترداد المبلغ المدفوع من طرفه للشركة. و بالاطلاع على العمل القضائي في هذا الجانب يتبين أن القضاء يتجه نحو الحكم ببطلان عقود الحجز كلما كانت مخالفة للمقتضيات القانونية المنظمة لبيع العقار في طور الإنجاز، مع إرجاع المبالغ المدفوعة من طرف الزبون للشركة، و هذا المقتضى نجده أمام كافة المحاكم باختلاف درجاتها من الابتدائية إلى الاستئناف وصولا إلى النقض. و نذكر في هذا الإطار ما جاء في قرار صادر عن محكمة الاستئناف التجارية بمراكش في سنة 2020 بخصوص نزاع قضائي يتعلق ببطلان عقد حجز مبرم بين شركة متخصصة في بيع و إنجاز العقارات و زبون لها، حيث جاء في تعليل المحكمة ما يلي : " حيث إنه لما كانت أحكام المادة 618-8 من ق.ل.ع تجعل كل طلب أو قبول لأي أداء كيفما كان قبل التوقيع على عقد البيع الابتدائي باطلا بصرف النظر عن الشكل أو الصيغة التي اتخذها هذا الأداء و كذا بصرف النظر عن مصدره الذي ارتضاه طرفا العقد طالما أن موضوعه يتعلق بعقار في طور الإنجاز و الذي يستفاد من طبيعة الحجز المنصب على الشقة في طور الإنجاز رقم … ، و أن أي إجراء اتخذ بهذا الشأن لا يغني عن تحرير عقد البيع الابتدائي وفقا لأحكام المادة 618-3 من نفس القانون … كما أن كل أداء حصل قبل تحرير عقد البيع الابتدائي يكون باطلا بدوره، و أنه طالما خالف طرفي النزاع هذه المقتضيات الآمرة و ارتضيا التعبير عن توافق إرادتهما وفقا لشكلية مخالفة لتلك المنصوص عليها في القانون و أنجزا عقدا للحجز موقع من الطرفين معا أدلي به بالملف و لم يكن محل منازعة من الطاعنة فإن مصيره هو البطلان بصرف النظر عن التكييف الذي ارتضاه لها طرفي النزاع و لأن الالتزام الباطل لا يمكن أن ينتج أي أثر إلا استرداد ما دفع نتيجة له فإن المستأنف عليه يبقى محقا في استرجاع مبلغ التسبيق " . و تأسيسا على كل ما سبق، يمكن أن نخلص أن إبرام عقود حجز العقار بين الشركات و زبائنها أضحى خلافا للمقتضيات المتعلقة ببيع العقار في طور الإنجاز يعتبر عملية غير قانونية يترتب عنها بطلان العقد ككل، مع ما يترتب عن ذلك من إرجاع للمبالغ المالية المدفوعة من الزبون. لهذا أصبح من اللازم على العموم و على الشركات الفاعلة في قطاع العقار أن يحترموا القانون، و أن يبرموا العقود المتعلقة بالعقار في طور الإنجاز طبقا للقانون و لدى الجهات المختصة بتوثيق هذا الصنف من العقود، تلافيا لأية منازعة بخصوص قانونية العقد و طبيعته .