اهتم علم الفلك منذ القديم بالمنازل والأبراج، وحاول يفسر سلوكات الناس وطباعهم بحسب حركات القمر ومنازل النجوم … وحتى وإن كانت هناك صعوبة في علمنة علاقة الأبراج بالأمزجة البشرية، فالدورة السنوية ورتابة الأنشطة الفلاحية وعلاقة الناس بالأحوال الطقس إضافة إلى تكرار نفس الأجواء في نفس الموعد من السنة جعل الفلاحين والعامة يقسمون السنة الفلاحية إلى منازل متفق عليها، وإن كان من يرتبها حسب تسلسل النشاط الفلاحي (إعداد الأرض، الحرث، خدمة المحروث (سقي، تنقية، علاج…) الحصاد فالدراس…) أو حسب التأريخ الزمني بداية برأس السنة الفلاحية 14 يناير (الناير)، وقد قسم الفلاحون السنة الفلاحية إلى 28 منزلة، كل منزلة تضم 13 يوما عدا منزلة الجبهة في فصل الصيف فتمتد 14 عشر يوما، ليكون عدد أيام تلك المنازل هو عدد أيام السنة 365 يوما مقسمة بالتساوي حسب الفصول كل فصل يضم سبع منازل هي : فصل الخريف (الصرفة العواء السماك الغفار الزبنان الإكليل القلب) فصل الشتاء (الشولة النعايم البلدة سعد الذابح سعد بلع سعد السعود سعد الأخبية ) فصل الربيع (فرع المقدم فرع المؤخر بطن الحوت النطح البطين الثريا الدبران ) فصل الصيف:( الهقعة الهنعة الذراع النثرة الطرفة الخرثان الجبهة) وقد تفاعلت الثقافة الشعبية مع تلك المنازل فنسجت أمثالا شعبية وحكايات واساطير تقدم فيها خلاصات وتجارب السنين، نظرا لكثر تلك المنازل (28 منزلة) سنكتفي في هذا المقال القصير بالوقوف على منازل فصل الشتاء الذي نعيشه اليوم على أمل الرجوع إلى منازل الفصول الأخرى، يبتدئ فصل الشتاء عادة من 22 دجنبر إلى 21 مارس ومازله هي : – يبدأ الفلاح في الاستعداد للشتاء مع منزلة منزلة النعايم (من 9 ألى 21 دجنبر) فيقول المغاربة (لي بغا يشري الزرع للبهايم يشريه في منزلة النعايم ) – منزلة "سعد البلدة" وتستمر من 22 دجنبر إلى 3 يناير ، ومعها يبدأ فصل الشتاء فتتغير الأجواء ويبدر الطقس، ويصبح الزمهرير يتسسل للأجساد لذلك يقول المغاربة (بَرْدْ البَلْدَة يُوصَلْ حْتَى للْكَبْدَة) ( البلدة ترد لعروسة جلدة ، والعدوزة قردة) ( إِذَا طَلَعَت الْبَلْدَة : حُمِّمَت الْجَعْدَة ، وَأُكِلَت الْقِشْدَة ، وقِيل لِلبَرْدِ : اهْدَه) – منزلة "سعد الدابح " من4 إلى 16 يناير وفيها يقول تشتد البرودة لدرجة تصبح الوجوه متشابهة، وحتى الكلاب تضطر للبحث عن الدفئ فينقطع نباحها ليلا، فيقول المغاربة : سَعْدْ الذَّابَح لا وُجُوه تَتْشَابَه لا كْلابْ تَتْنَابحْ ) ( الذَّابح، يقتل النعجة و يْخْلِّي اولادها تْتْضابْح) – منزلة سعد البولع : تمتد من 17 إلى 29 يناير وفي يحتاج الجسم إلى الطاقة أكثر لمجابهة برودة الجو لذلك يقول المغاربة ( في سعد البَوْلَع كُولْ وَبْلَع) ( سعد البلع وكلّو ما يشبع حدثو ما يسمع سخرو ما يجرع) ( في سعد البولع، يجمد الماء في روس القورع) وهذه المنازل الثلاثة هي التي تشكل ما يعرف عند المغاربة ب"الليالي" المعروفة ببرودتها الشديدة التي تمتد حوالي 40 يوما من 25 دجنبر إلى 2 فبراير وفيها يقول المغاربة (40 يوم هي الليالي بروحها و40 يوم بعدها حزم الغمرة ولوحها ) (إلا خرجت الليالي انقش افول وزيد حتى الدوالي ) (حرث الليالي كي الاول(البكري) كي التالي(المازوزي)) (إلى خرجت الليالي ،لا تشري ثوب غالي) (ماتعزل جديك من الجديان حتى تخرج الليالي حيان) ويميز المغاربة في الليالي بين أربعة أنواع هي (الليالي البيضة، الصوالح، الكوالح والليالي السود) وبخروجها يتنفس الفلاح الصعداء، ويبدأ نسغ الحياة يذب في الأجساد وفي النبات فيقول المغاربة (الليالي السود يتفتح فيها كل عود) منزلة سعد السعود من 30 يناير إلى 11 فبراير تبدأ الحياة في استرجاع دفئها وتخرج الحيوانات من سباتها فيقول المغاربة : (َسعْد السّْعُود تْخْرَج فِيه الحَيَّة والڮَنْفُود وَتْزَنْزَنْ النَّحْلَة في العُودْ) (إذا طلع سعد السعود، نضر العود، ولانت الجلود، وذاب كل مجمود، وكره الناسُ في الشمس القعود) وفي منزلة سعد الخبِيَة الممتدة من 12 إلى 24 فبراير يقول المغاربة (في الخبْيَة تُخْرج كل منْ هي مْخَفْيَة) (سعد الخبية تسرح كل من هي امخبية وتفرح كل من هي امربية) منزلة فرع المقدم من فبراير 25 إلى 9 مارس وفيها يشمر الفلاح على ساعدية ويخرج للحقول من أجل تنقية النباتات من الحشائش الضارة فيقول المغاربة (إذا طلع فرع المقدم، اخدم ولا تندم) ومباشرة بعدها تبدا أيام الحسوم يوم 10 مارس ممهدة لبداية فصل الربيع يوم 21 مارس هذا وقد استطاعت الثقافة الشعبية نسج حكايات وأساطير حول فصل الشتاء وبرودته فنسجت خيوط حكاية سعد التي تختزل سعود شهر يناير الباردة ، التي تحكي قصة شاب اسمه "سعد" قرر السفر بعيدا عن العائلة، و نصحه والده بأن يحمل معه ما يدفئ به نفسه من برودة يناير لكن عنت الشباب منعه من العمل بنصيحة والده. وفي طريق سفره تغير الجو فجأة وأصبح البرد قارساً فهطلت الأمطار الغزيرة والثلوج، ولم يجد أمامه سوى ذبح ناقته والاحتماء بأحشائها من شدة البرد. فكان "سعد الذابح من 4إلى 16 يناير " تحملَ البرد حتى كاد يهلكه الجوع فاضطر إلى الأكل من لحمها النيئ فكان (سعد البلع) من 17 إلى 29 وبعد أن انتهت العاصفة وأشرقت الشمس فرح سعد واحتفل بنجاته وسمي سعد السعود الذي يبدأ من 30 يناير 11 فبراير بعدها قام سعد وخوفاً من أن تتكرر العاصفة مرة أخرى، بصناعة معطف له من وبر الناقة، كما أخذ من لحمها وخبأه زادا لسفره فكان سعد الخبية من 12 إلى 24 فبراير كما تحكي الأسطورة الشعبية : حكاية تلك العجوز التي استهانت بقوى الطبيعة وتظاهرت بقوتها وصبرها وتحديها لقوة برد "يناير / الناير" مما أغضب الناير واقترض يوما من فبراير لينتقم من هذه العجوز فظل فبراير منقوصا دون غيره من الشهور، كما ظل المغاربة يحتاطون من انتقام هذا الشهر فيفضلون عدم الخروج للرعي مخافة أن تباغتهم عواصف ورعود يناير انتظرونا مع منازل فصل آخر وإليكم رابط فيديو يلخص هذه المنازل بطريقة بسيطة وما يقوله المغاربة بشأنها