هناك أصواتٌ فقهية سلفية تَجْهَرُ بحِرمة المظاهرات والوقفات الاحتجاجية مهما كانت سلميةً وذات أهداف نبيلة باعتبارها- في نظرهم- بدعةً ضلالةً لم تكنْ تُفْعل على عهد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. قلتُ: وهذا الفقهُ ضعيفٌ لاعتبارات متعددة، أقلّها خلطُه بين مفهومَيْ التحريم والابتداع. وأنّ التحريم لا يكون إلا بنصّ وهو ما لا يجدونه البتة في كتاب ولا في سنة. والحقّ أن التظاهر المعاصر للاحتجاج له حكمٌ باعتبار مقاصده، لا سيما وقد أصبح مظهراً من مظاهر الخيار الديموقراطي المعاصر في أنحاء الأرض… لذا بات معتاداً في النُّظُم الديموقراطية الترخيص للتظاهر المؤطر، حزبياً كان أو نقابياً أو غير ذلك… بما لا يشكّل أيَّ خطرٍ على النظام العام أو أيَّ إخلالٍ بالسلم الاجتماعي. وذلك للتعبير عن استياءٍ معيّن، أو إيصال صوت مطلبي لفئة متضررة إلى من يهمه الأمر. حكومةً أو شركةً أو قطاعاً… وما شابه. وهنا بالذات نقف على الحكم الشرعي حسب المقصد، وحسب الموازنة بين المصلحة والمفسدة. الخروج للتظاهر والاحتجاج من أجل إسقاط إجبارية التلقيح، خروجٌ حضاريّ ومتمدّن. والخروج للاحتجاج على غلاء المعيشة والزيادات في الأسعار… خروج أيضاً حضاري ومتمدّن يكفله الدستور. ولا أرى شخصياً ما يمنعه شرعاً. بل قد يكون واجباً ما دام الهدف هو المطالبة بالإنصاف وإيصال الحقوق ورفع الضرر والعَنَت. (لا ضررَ ولا ضِرار) والضرر يزول. ولا أظنّ الدولة غافلةً عن هذه الحقوق، ولا جاهلةً بمشروعيتها الدينية والقانونية. ولكن عندما يتسلّل مندسون ومتربصون بالأمن القومي، ويركبون على موجة الاحتجاج لتأجيج الفتنة وتهييجها؛ وعندما توظّف جارة السوء العدوة جحافل من الذباب الإلكتروني بأسماء مغربية، وعندما تريدُ جهاتٌ معلومةٌ الركوب على موجة المطالب الاجتماعية لتحويلها إلى مرامٍ سياسية تروم إلى الانفصال وتهديد السلم العامّ… هنا يصبحُ الواجب الشرعي قبل الواجب القانوني ملحّاً لوضع حدّ لهذه التظاهرات درْءاً لأيّ انفلات أمنيّ أو تفلّت لا تُحمدُ عقباه. إن هذا الوعي الأمني والحسّ الوطني يجب أن يتحلّى به المتظاهرون أنفسُهم قبل أن يكون من واجبات الدولة. كما يجب على الحكومة المسارعة إلى تلبية المطالب المعقولة للمتظاهرين بأريحية ودون تشنّج. وبهذا اليُسر ينعم المواطن بحقوقه ويظفر بمطالبه في حدود الإمكان، وتفوّت الدولة الفرصة على قوى الشرّ المتربصة بالوطن في كل مكان. *محمد الفزازي رئيس الجمعية المغربية للسلام والبلاغ.