انتهى المؤتمر التاسع لحزب العدالة والتنمية، وانتهت معه دورة حياتية لجيل التأسيس أو القيادة التاريخية للحزب، عبر خروجها من الأمانة العامة، وعدم اقتراحها من طرف الأمين العام الجديد/القديم عبد الإله ابن كيران. جيل التأسيس الذي ظل منذ 1997 في قمرة قيادة الحزب، أدار جميع محطات السياسية والتنظيمية، وعاش التحولات السياسية جميعها من فكرة ناشئة في السياسة، إلى أكبر حزب سياسي في البرلمان لولايتين متتاليتين. مع هذا الجيل مر الحزب بأوقات صعبة ودقيقة، كما أنه عاش معها لحظات فرح وحبور، عاش الانكسارات كما حقق الانتصارات، وقطع مسيرة من البدل والعطاء والصمود والثبات. للأسف الشديد النهاية لم تكن بمستوى البداية، جاءت مرحلة 2017 وما تلاها لتعكس عناصر نقص كامنة، وتظهر أعطابا بنيوية، بلغت ذروتها في انتخابات 2021، التي حصل فيها الحزب على نتائج وصفتها ذات القيادة بغير المفهومة وغير المتوقعة. في كلمته عقب انتخابه أمينًا عاما، تحدث ابن كيران عن حاجة الحزب الى مقاربة جديدة في نظرية الإصلاح التي ينطلق منها، خاصة في عدد من الملفات الإشكالية، والتي كانت سببا في ارتباكات متتالية، أوصلت العدالة والتنمية إلى هذه الحالة من شبه الانهيار. واحد من الملفات الآنية والعاجلة والضرورية، الواجب على القيادة الحالية معالجتها، بحث طرق إبداعية للاستفادة من جيل التأسيس وعدم التفريط فيه. لست هنا أدعو إلى مقاربة "إحسانية" للتعامل مع "متقاعدين" أو مع "شيوخ"، بل أناشد جميع من في الحزب وحوله إلى العمل الجاد على إبداع مقاربة ينشط فيها جيل التأسيس ويستفيد منها العمل الحزبي، وتربح منها الأجيال الجديدة. 10 سنوات من التدبير الحكومية، و25 سنة من الوجود في البرلمان، وأكبر منها في تدبير الجماعات الترابية، وما تعنيه من تراكم تجارب وخبرات، وتطوير كفاءات، واحتكاك قريب من الملفات الكبرى الشائكة والمصيرية، خارج دائرة العمل لأول مرة منذ عقود! هناك عشرات الكفاءات التي امتلكت خبرة في الجماعات الترابية، والعمل البرلماني، والتدبير الحكومي، وما يتبع هذه المناشط ويلحق بها ويدور حولها، كلها إضافات نوعية للحزب، ورصيد مادي ومعنوي، الحزب اليوم وغدا في حاجة إليها. ما أقصده من هذا الحديث، أن جيل التأسيس وإن كان اعترى تدبيره السياسي أخطاء، فإنه أيضا لا يعدم إمكانيات وقدرات وكفاءات وعلاقات تحتاجها الأجيال الشابة. لقد كان واحدا من المآخذ على العدالة والتنمية، انهماك كل قيادته وطاقاته وكفاءاته في التدبير الحزبي، بما يعنيه من انخراط يومي في قضايا الشأن العام، وهو ما كانت آثاره وخيمة على الأجيال الناشئة في الحزب، التي فقدت منذ 2002، أساتذة موجهين ومؤطرين ومكونين بل وحتى "مربين". لقد عانى العدالة والتنمية تصحرا في السنوات الماضية، كان أحد الأدلة على انسحاب جيل التوجيه، وترك الأعضاء بدون بوصلة، تجلت في قِشْرِية الانتماء للفكرةالإصلاحية، والالتزام بخطها الثقافي، ومستلزماتها الاجتماعية. ما أقترحه في هذه السطور، على الأمانة العامة الجديدة، ورئيسها ابن كيران، إنشاء هيئة ذات طبيعة استشارية من جهة، وذات وظائف تثقيفية وتأطيرية وتكوينية من جهة أخرى تضم هذا الجيل من المؤسسين، كما يمكن أن تنفتح على "الراغبين" الذين يملكون العناصر أعلاه، والذين سبقت لهم تجارب تدبيرية، كما لهم إرادة في نقل معارفهم إلى الأجيال القادمة. كما ينبغي التأكيد على أن هذه الهيئة لا ينبغي بحال من الأحوال أن يتداخل عملها بعمل مؤسسات أخرى قائمة من قبيل "مركز الدكتور الخطيب للفكر والدراسات"، فالحديث هنا عن مؤسسة أخرى بمهام أخرى، تقوم أساسا على فكرة الوفاءلجيل التأسيس، كما تربط بين أجيال الحزب المتعاقبة، توجيها وتكوينا وتثقيفا. إن الخروج "الكريم" لقيادة المرحلة السابقة، لا يعني فقط عدم محاسبتها في لحظة المؤتمر التاسع، بل ضمان مكانة لائقة بذوي الفضل والتاريخ والتجربة منها، يحفظ الرِّفعة، ويجسر العلاقات بين الأجيال، كما يؤسس للفرق بين اختلافات السياسة، وبين تقدير التجربة، وتكريم أهلالبدل والسابقة. عبد الصمد بنعباد صحافي، باحث في العلوم السياسية والتواصل السياسي