لا يمكن أن نقر بوجود ديمقراطية حقيقية في أي بلد، سواء على المستوى الوطني أو على المستوى المحلي، في غياب معارضة قوية للأغلبية التي تملك زمام اتخاذ القرارات خاصة إذا كانت تشكل أغلبية مطلقة. وإذا كان الأمر كذلك، فإنه ليس من باب اللغو أو التطبيل القول إن الجماعات بالمغرب تتوفر منذ 23 يوليوز 2015 على قانون تنظيمي يتضمن العديد من المقتضيات التي إن تم تفعيلها، بل إن تم فهمها بشكل سليم، يتقوى دور فريق المعارضة داخل مجلس أية جماعة. فما هو هذا الدور؟ إن قراءة متمعنة في المقتضيات التي ينص عليها القانون التنظيمي للجماعات( رقم 113.14) الخاصة بدور المعارضة داخل مجالس الجماعات، تمكننا من تحديد عنوانين كبيرين لملامسة ولو جزء يسير من معالم هذا الدور. العنوان الأول: دور المعارضة في الإعداد والتداول واتخاذ المقررات وتتبعها بداية، ينص القانون التنظيمي أعلاه في المادة 25 منه على أنه يحدث مجلس الجماعة خلال أول دورة يعقدها بعد مصادقته على نظامه الداخلي لجنتين دائمتين على الأقل وخمس على الأكثر يعهد إليها على التوالي بدراسة القضايا التالية: الميزانية والشؤون المالية والبرمجة.، والمرافق العمومية والخدمات. ويحدد النظام الداخلي عدد اللجان وتسمياتها وأغراضها وكيفيات تأليفها. وحسب المادة 27 من القانون ذاته، تخصص رئاسة إحدى اللجان الدائمة للمعارضة. ويحدد النظام الداخلي للمجلس كيفيات ممارسة هذه الحق. ولنا أن نتساءل أليست غاية المشرع من التنصيص القانوني في المادتين السالفتي الذكر (25 و 27) هي بجلاء، تقوية دور المعارضة داخل المجالس الجماعية من خلال التدبير المحكم لشؤون إحدى هاتين اللجنتين لما لهما معا من أهمية كبرى في حياة ساكنة تراب كل جماعة. فقيام فريق المعارضة بدوره كاملا إذا ما تحمل مسؤولية لجنة الميزانية والشؤون المالية والبرمجة، سيمكنه من المشاركة الفعالة في التدبير المالي للجماعة. وتحمل مسؤولية لجنة المرافق العمومية والخدمات يجعله يشارك بقدر كبير، في حالة جدية أعضائه، في إحداث وتدبير المرافق والتجهيزات العمومية اللازمة لتقديم خدمات القرب لساكنة تراب الجماعة في العديد من الميادين منها: توزيع الماء الصالح للشرب والكهرباء.، النقل العمومي الحضري.، الإنارة العمومية.، التطهير السائل والصلب ومحطات معالجة المياه العادمة.، السير والجولان وتشوير الطرق العمومية ووقوف العربات.، حفظ الصحة (…). وتنص المادة 28 من القانون التنظيمي للجماعات على أن كل لجنة دائمة، تجتمع بطلب من رئيسها أو من ثلث أعضائها لدراسة القضايا المعروضة عليها. وهو ما يمكن المعارضة المسؤولة والمتواصلة بشكل دائم مع رئيسها ومع الساكنة المحلية من تحديد القضايا والمشاكل الأساسية التي تعاني منها ساكنة تراب الجماعة، وعلى إثر دراستها تقوم بصياغة مقترحاتها وتوصياتها. وتقدمها بعد ذلك لرئيس المجلس قبل انعقاد أية دورة مقبلة وفق الشروط المحددة قانونيا. ولتمكين المعارضة داخل المجلس الجماعي من القيام بدورها كاملا، ينص القانون التنظيمي للجماعات في المادة 28 منه على إلزامية قيام الرئيس بتزويد اللجنة الدائمة التي تتحمل مسؤولياتها هذه المعارضة، مثل باقي اللجن الدائمة، بالمعلومات والوثائق الضرورية لمزاولة مهامها. وهنا إشارة قوية إلى أنه في حالة مخالفة الرئيس لهذا التنصيص القانوني، يمكن مساءلته من لدن المؤسسات والهيئات المعنية بذلك في حالة إثارة المعارضة لهذا الموضوع. ولتدقيق دراسة القضايا المعروضة على اللجنة الدائمة التي تتحمل مسؤوليتها المعارضة، يجوز لرئيس هذه اللجنة أن يستدعي بوساطة رئيس المجلس الجماعي الموظفين المزاولين مهامهم بمصالح الجماعة، للمشاركة في أشغال هذه اللجنة بصفة استشارية. ويمكنه كذلك أن يستدعي للغاية نفسها بوساطة رئيس المجلس وعن طريق عامل العمالة أو الإقليم أو من ينوب عنه، موظفي وأعوان الدولة أو المؤسسات العمومية أو المقاولات العمومية الذين يشمل اختصاصهم الدائرة الترابية للجماعة. ويعد رئيس اللجنة مقررا لأشغالها. ويدرك كل من مارس أو ساهم في تدبير الشأن المحلي، سواء كان عضوا في المجلس الجماعي أو إطارا جماعيا مساعدا للرئيس، الدور الكبير الذي يمكن أن تقوم به المعارضة القوية في سبيل تحسين التدبير العام لشؤون الجماعة وجلب الاستثمارات وهو ما يعود بالنفع على ساكنة الجماعة. وللقارئ الحق في التساؤل عن كيفية ذلك. وهو ما سنحاول توضيحه في بعض السطور، دون ادعاء بامتلاك الحقيقة. حسب المادة 33 من القانون التنظيمي للجماعات، تتكون الدورة من جلسة أو عدة جلسات. ويحدد لكل دورة جدولة زمنية للجلسة أو للجلسات والنقط التي سيتداول في شأنها المجلس خلال كل جلسة. وفي ذلك فرص قوية للمعارضة المسؤولة، الواعية بأن مقررات المجلس الجماعي بعد المصادقة عليها هي التي تشكل المشاريع والبرامج التنموية والتي حينما يتم تجسيدها على الأرض تعود على ساكنة الجماعة بالنفع اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، ولذلك يجب عليها أن تقدم مقترحات وتوصيات ودراسات جيدة يمكن صياغتها من طرف مكتب الرئيس في شكل نقط أساسية بجدول أعمال كل دورة. علاوة على ما تقدم، يزخر القانون التنظيمي بالعديد من المقتضيات التي تمكن المعارضة داخل كل مجلس من المشاركة الفعالة، والمشرفة، في تحسين تدبير شؤون الجماعة، وأداء الأمانة التي وضعها من صوتوا لفائدة كل مرشح وجد نفسه ينتمي لفريقها. العنوان الثاني: الدور الرقابي للمعارضة إذا كانت المادة 67 من القانون التنظيمي للجماعات تنص على إجبارية حضور أعضاء مجلس الجماعة دورات المجلس، فهي في الآن ذاته تبين بشكل مضمر أنه يمكن لفريق المعارضة داخل أي مجلس جماعي ممارسة فعل الرقابة على مدى تنفيذ الرئيس لمقررات المجلس ومداولاته. وهو ما تؤكده المادة 94 من القانون التنظيمي للجماعات التي تنص صراحة على أنه: " يقوم رئيس مجلس الجماعة بتنفيذ مداولات المجلس ومقرراته، ويتخذ جميع التدابير اللازمة لذلك (…)". وبرجوعنا إلى النظام الداخلي لكل جماعة الذي يشكل مرجعا بالنسبة لكل عضو جماعي، نجد أنه ينص – أو هكذا ينبغي – في بابه المتعلق بتنظيم مناقشات المجلس الجماعي على أن رئيس هذا المجلس يقدم عند بداية كل دورة عادية تقريرا إخباريا للمجلس حول الأعمال التي قام بها. والمقصود هنا، ليس فحسب تنفيذ مداولات ومقررات المجلس المصادق عليها، ولكن أيضا فحوى أهم الاجتماعات التي حضرها علاقة بتدبير شؤون الجماعة، والخطوات التي اتخذها لجلب الاستثمارات إن كان يتوفر على إمكانات ذلك (…). كما يطلع الرئيس وجوبا المجلس على كل الدعاوى التي تم رفعها خلال الدورة العادية أو الاستثنائية الموالية لتاريخ إقامتها، وذلك تطبيقا للمادة 264 من القانون التنظيمي للجماعات. وقبل انعقاد كل دورة عادية، ألزم المشرع طبقا للمادة 35 من القانون التنظيمي أعلاه رئيس المجلس الجماعي بإرفاق الإشعار المكتوب الموجه إلى أعضاء المجلس بالوثائق ذات الصلة بالنقط المدرجة بجدول الأعمال. وهي مناسبة كذلك، لممارسة فعل الرقابة عن مدى تمكين أعضاء فريق المعارضة، مثل باقي أعضاء الأغلبية، من كل المعلومات الضرورية للقيام بدراساتهم والتمكن من إعداد توصياتهم ومقترحاتهم لعرضها على أنظار المجلس في الدورة. كما أن النظام الداخلي للعديد من الجماعات ينص على ضرورة تلاوة ملخص محضر الدورة السابقة من لدن الرئيس قبل بداية الدورة التي تنعقد في ذلك اليوم، وهي مناسبة أخرى للمعارضة لممارسة فعل الرقابة على تنفيذ الرئيس لمداولات المجلس ومقرراته وكل ما يتعلق بدور المجلس الجماعي، خاصة إذا كان أعضاء المعارضة دائمي الحضور بتراب الجماعة التي ينتمون إليها. وفيما يتعلق بالتدبير المالي للجماعة، يمكن للمعارضة إذا كانت مسؤولة عن لجنة الميزانية والشؤون المالية والبرمجة ممارسة فعل الرقابة، وذلك من خلال دراسة الوثائق الضرورية التي يعرضها عليها رئيس المجلس وجوبا داخل أجل 10 أيام على الأقل قبل تاريخ افتتاح الدورة المتعلقة باعتماد الميزانية من قبل المجلس، وذلك تطبيقا للمادة 185 من القانون التنظيمي للجماعات. وهنا لا بد من الإشارة كذلك، إلى الدور الكبير الذي تؤديه المجالس الجهوية للحسابات وباقي الهيئات التي يخول لها المشرع مسؤولية مراقبة مالية الجماعات وعملياتها المالية والمحاسبية طبقا لمقتضيات المادة 214 من القانون التنظيمي للجماعات. كما أن المشرع، وبشكل غير مباشر، يمكن المعارضة من ممارسة فعل الرقابة على مالية الجماعات، حيث لا يمكن تنفيذ مجموعة من مقررات المجلس الجماعي إلا بعد تأشيرة عامل العمالة والإقليم أو من ينوب عنه. ومنها: المقرر المتعلق بالميزانية.، المقررات ذات الوقع المالي على النفقات والمداخيل ولا سيما الاقتراضات والضمانات وتحديد سعر الرسوم والأتاوى ومختلف الحقوق وتفويت أملاك الجماعة وتخصيصها (….). ولن تغض المعارضة الحقيقية الطرف عن الأفعال التي يمنعها المشرع من خلال مقتضيات المادة65 من القانون التنظيمي (رقم 113.14) والتي تنص على ما يلي: " يمنع على كل عضو من أعضاء مجلس الجماعة أن يربط مصالح خاصة مع الجماعة أو مع مؤسسات التعاون أو مع مجموعة الجماعات الترابية التي تكون الجماعة عضوا فيها (…) أو كل معاملة أخرى تهم أملاك الجماعة (…) أو أن يمارس بصفة عامة كل نشاط يؤدي إلى تنازع المصالح، سواء كان ذلك بصفة شخصية أو بصفته مساهما أو وكيلا عن غيره أو لفائدة زوجه أو أصوله أو فروعه (…)". ما تقدم وغيره كثير، يمكن المعارضة الحقيقية من ممارسة دورها طبقا لمقتضيات القانون التنظيمي للجماعات، ويمكنها كذلك من ممارسة فعل الرقابة على عمليات تنفيذ مقررات المجلس الجماعي ومداولاته وكل ما يتعلق بتدبير شؤون الجماعة التي ينتمون إليها. ونعتقد أن المعارضة القوية بمقترحاتها وبتوصياتها، وبدراساتها للقضايا المعروضة عليها، وبترافعاتها وبتفاوضاتها، تمكن من تحقيق أمرين ينشدهما المجتمع برمته: أولهما، التدبير الجيد لإدارة ومالية الجماعة، وهو ما يمكن بالنتيجة من تحقيق التقدم الملموس لدى ساكنة تراب كل جماعة والذي ينعكس على حياة أفرادها اقتصاديا واجتماعيا. وثانيهما، تحقيق الديمقراطية على مستوى تراب كل جماعة، إذ لا ديمقراطية في غياب معارضة قوية داخل مجلس كل منها. وختاما، نستنتج أن مما يؤشر على وجود معارضة حقيقية تؤدي أدوارها داخل أي مجلس جماعي هو: – توفر شرط الثقافة القانونية لدى كل عضو من أعضائها، وهنا المسؤولية المباشرة للأحزاب السياسية. – ممارستها للرقابة بناء على خلفيات اجتماعية ومواطنتية حقيقية، بعيدا عن ممارسة " البوليميك " المضلل للرأي العام المحلي خلال انعقاد الدورات العادية والاستثنائية في بعض الجماعات. وبعيدا عن الصراعات الفردية أو الجماعية التي لها أسباب انتخابية قبلية. – قدرتها على التفاوض والترافع عن التوصيات والمقترحات والدراسات التي تقدمها بمناسبة كل دورة عادية أو استثنائية، لأن ما تلمسه ساكنة كل جماعة هو ما ينجز أمام أعينها من مشاريع وبرامج تنموية، وما يستفيد منه كل فرد منها من دخول مادية، وتطبيب، وتعامل في الإدارة، وتعليم جيد لأبنائها في المدارس العمومية. *أحمد بلمختار منيرة/ إعلامي وباحث