المعارضة السياسية مصطلح قديم ارتبط بظهور الديموقراطية في المجتمعات القديمة، ويعني انتقاد ومعارضة فئة، أو جماعة، أو حزب من الأحزاب للقوى المتمسكة بزمام الأمور والسلطة، إما لأجل المشاركة معها في إدارة الحكم والتسيير بتوجيهها، وإصلاح أخطائها واعوجاجها مع تقديم البدائل في مختلف القضايا التي تهم المواطنين، وإما بهدف إقصائها والحلول مكانها بالطرق القانونية. لقد اهتم المشرع المغربي بالمعارضة البرلمانية، ومنح لها مكانة مهمة، لإثراء العمل البرلماني، والحياة السياسية بالبلاد، ويتضح ذلك من خلال حقوقها العديدة المضمونة خاصة في الفصل : 10 من دستور 2011 الذي متعها بحرية الرأي والتعبير، والإجتماع، والإستفادة من التمويل العمومي، وتخصيص حيز زمني لها في وسائل الإعلام العمومية، وضمن لها المشاركة الفعلية في مسطرة التشريع عن طريق تسجيل مقترحات قوانين بجدول أعمال مجلسي البرلمان ( مجلس النواب ومجلس المستشارين)، و تمثيلية ملائمة في أنشطتهما الداخلية، والمشاركة في مراقبة العمل الحكومي بالأسئلة الشفوية الموجهة للحكومة، واللجان النيابية لتقصي الحقائق، والمساهمة في اقتراح المرشحين، وفي انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية، وبتمثيلية ملائمة في الأنشطة الداخلية لمجلسي البرلمان، ورئاسة اللجان المكلفة بالتشريع بمجلس النواب، والمساهمة في الدبلوماسية البرلمانية للدفاع عن قضايا الوطن ومصالحه، وتأطير وتمثيل المواطنات والمواطنين من خلال الأحزاب المكونة لها. ونص الفصل: 66 من نفس الدستور على طلب عناصر المعارضة المشكلين لثلث مجلس النواب البرلمان لعقد دورة إستثنائية، وفي الفصل: 69 على رئاسة ( المعارضة) لجنة أو لجنتين دائمتين بمجلسي البرلمان، وفي الفصل: 100 على تخصيص بالأسبقية جلسة في كل أسبوع لأسئلة أعضاء مجلسي البرلمان من معارضة وأغلبية وأجوبة الحكومة، وفي الفصل : 132 على حق خمس أعضاء مجلس النواب، أو أربعين عضوا من مجلس المستشارين سواء من الأغلبية أو المعارضة في إحالة القوانين التنظيمية قبل إصدار الأمر بتنفيذها الى المحكمة الدستورية لتثبت في مطابقتها للدستور. لم يهمل المشرع المغربي المعارضة في مجالس الجماعات الحضرية والقروية، بل متعها بمجموعة من الحقوق ، لتفعيل دورها، ولتكون كقوة محلية نقدية واقتراحية ناجحة، ويتضح ذلك من خلال القانون 14 113 المنظم للجماعات الذي نص في المادة : 25 على إنشاء لجنتين دائمتين على الأقل، إحداها تتعلق بالميزانية والشؤون المالية والبرمجة، وأخرى تهم المرافق العمومية والخدمات، وفي المادة : 27 على تخصيص إحدى هذه اللجان للمعارضة، مما يعني أن هذه الأخيرة ستتكلف بدراسة قضايا اللجنة التي ترأسها، وتقدم آرائها، ومختلف الملاحظات بشأنها، ثم تعرضها في جدول أعمال المجلس لدراستها ونقاشها، ومن حقها استدعاء عن طريق رئيس المجلس الموظفين المزاولين مهامهم بالجماعة للمشاركة في أشغال اللجن بصفة إستشارية، أو إستدعاء عن طريق العامل أو من ينوب عنه، أو بواسطة رئيس المجلس أيضا موظفي وأعوان الدولة، أو المؤسسات العمومية الذين يشمل إختصاصهم دائرتها الترابية. ويتضح من خلال المادة: 36 من القانون المشار إليه، أنه من حق أعضاء المعارضة المشكلين لثلث أعضاء المجلس الجماعي مطالبة رئيس هذا الأخيربعقد دورة إستثنائية، وإذا رفض، عليه تعليل ذلك بقرار يبلغ الى المعنيين بالأمر داخل أجل أقصاه 10 أيام من تاريخ توصله بالطلب، وإذا قدم الطلب من الأغلبية المطلقة بالمجلس فتنعقد لزوما تلك الدورة على أساس جدول أعمال محدد خلال 15 يوما من تقديم الطلب، ولا تنعقد حسب المادة : 37 الا بحضور أكثر من نصف عدد الأعضاء المزاولين، وفي حالة عدم اكتمال هذا النصاب تؤجل الى اليوم الموالي من أيام العمل لتنعقد كيفما كان عدد الأعضاء الحاضرين، وأعطت المادة : 40 الحق للأعضاء المزاولين بالمجلس منهم المعارضة بمطالبة رئيسه كتابة بصفة فردية، أو عن طريق الفريق الذي ينتمون إليه بإدراج كل نقطة تدخل في صلاحيات المجلس في جدول أعماله، ويتعين أن يكون رفض إدراج أي نقطة مقترحة معللا، مع تبليغ ذلك الى مقدم أو مقدمي الطلب، ويلزم إدراج كل نقطة تدخل في صلاحية المجلس أيضا مقدمة من نصف أعضائه المزاولين مهامهم داخله، ويمكن للمجلس أن يخصص حسب المادة: 46 جلسة واحدة عن كل دورة تقدم فيها أجوبة عن الأسئلة المطروحة، وتنص المادة: 41 على أنه يمكن للمعارضة المسيرة لإحدى اللجن الدائمة التعرض على كل نقطة غير مدرجة في جدول أعمال الدورات، وكل خرق متعمد لها تعتبره المادة: 73 من الأفعال المخالفة للقوانين والأنظمة الجاري بها العمل، حيث يمكن لعامل العمالة أو الإقليم، أو من ينوب عنه، أن يقوم بمراسلة العضو المخالف للإدلاء بالإيضاحات حول الإفعال المنسوبة إليه داخل أجل لا يتعدى 10 أيام إبتداء من تاريخ التوصل، أو بمراسلة ( العامل أو من ينوب عنه) رئيس المجلس المخالف لتقديم إيضاحات كتابية حول المنسوب إليه داخل نفس الأجل ( 10 أيام) للقيام بإجراءات تأديبية بإحالة الأمر الى المحكمة الإدارية، وذلك قصد طلب عزل عضو المجلس المعني بالأمر من مجلس الجماعة، أو عزل الرئيس أو نوابه من عضوية المكتب أو المجلس. ولا تعتبر المادة: 42 مداولات المجلس الجماعي صحيحة الا بحضور أكثر من نصف عدد أعضائه عند افتتاح أي دورة، وكل تخلف للأعضاء عن حضور جلساتها، أو الإنسحاب منها لأي سبب من الأسباب عند انعقادها لا يؤثر على مشروعية النصاب الى حين إنتهائها، وحسب المادة:43 فإن مقررات المجلس الجماعي تتخذ بأغلبية الأصوات المعبرعنها في قضايا، وبأغلبية الأعضاء المزاولين مهامهم داخله في قضايا أخرى مثل: برنامج عمل الجماعة، وإحداث شركات التنمية المحلية، وطرق تدبير المرافق العمومية التابعة للجماعة، والشراكة مع القطاع الخاص … الخ، وفي حالة تعذر الحصول على الأغلبية المطلقة للأعضاء المزاولين تنعقد جلسة ثانية يتم التصويت عليها بالأغلبية المطلقة للأصوات المعبرعنها، وفي حالة تعادل الأصوات يرجح الجانب الذي يكون فيه الرئيس. وحسب المادة: 70 يجوز لثلثي أعضاء المجلس من المعارضة وغيرهم عند إنصرام ثلاث سنوات من إنتدابه ( انتداب المجلس) تقديم ملتمس مطالبة الرئيس بالإستقالة من منصبه، وفي حالة رفضه يجوز لثلاثة أرباع منهم أن يطلبوا بواسطة مقرر موجه الى عامل العمالة أو الإقليم أو من ينوب عنه بإحالة الأمر الى المحكمة الإدارية التي تبث في الطلب داخل أجل 30 يوما من تاريخ توصلها بالإحالة. تعتبر المعارضة مكون أساسي من مجلس جماعة الدريوش الحالي، وتجربة فريدة من نوعها بالريف، حيث سعت منذ البداية الى وضع القطيعة مع الماضي، ومواجهة بشجاعة خصومها السياسيين بالمكتب المسير، وعارضت مخططاتهم، و قراراتهم، ومشاريعهم التي تراها غير مناسبة، أو من المستحيل تحقيقها على أرض الواقع، واتهمت رئيس المجلس في عدة مناسبات بالتعنت، وتصلب مواقفه الخارقة للقانون، والمعرقلة للتنمية ، مع تعمد إقصائها من المشاركة في تدبير شؤون الجماعة… ، مما ترتب عنه ظهور ” بلوكاج سياسي” خاصة بعد تعزيز صفها بانضمام عضوين من المكتب المسير إليها ، وهذا يقودنا الى طرح سؤال، هل” البلوكاج” المذكور يصب في مصلحة هذه المعارضة أم ضدها ؟ إن تحول المعارضة بمجلس الدريوش الى أغلبية بفارق صوت واحد عن الأقلية التقليدية المسيرة، وما نتج عنه من سوء تفاهم، وصراع وخلاف بين الطرفين يجعل من المستحيل التوافق بينهما لتمريرمختلف القرارات والمشاريع المبرمجة بمدينة الدريوش التي تعاني الآن من شلل شبه تام، وتوقف عجلة التنمية بترابها، وتضرر سكانها الذين اختلفت آرائهم حول هذه القضية، وقسمتهم الى ثلاث فئات: فئة : تطالب برحيل كل أعضاء المجلس، وتدعو الى تعويضهم بنخب جديدة،لأنهم تنكروا لوعود الحملة الإنتخابية، وتعتبر ما يحدث مهزلة حقيقية، وتعسف، وعبث لا يخدم مصالحها، ولا مصالح باقي المواطنين. فئة : تصطف بجانب المعارضة، وتؤيد مواقفها، وامتناعها عن تمريرقرارات ومشاريع الأقلية المسيرة التي ترى بأنها ساهمت لمدة غير قصيرة في التدهور الإقتصادي والإجتماعي والبيئي… بالدريوش. فئة: تقف بجانب الأقلية المسيرة، وتلوم المعارضة، وتتهمها بتعمد فرملة، وعرقلة مقررات ومخططات ومشاريع التنمية لحسابات سياسية وشخصية. يمكن اعتبار” البلوكاج” المشار إليه أعلاه بمثابة سلاح ذو حدين، فقد قوى المعارضة التي لم تعد حاليا ظاهرة هامشية في المشهد السياسي بالدريوش، بل أصبحت ذات ثقل، ووزن متميز، وكطرف ثان ثابت لا يستهان به، لأنها نجحت في التصدي لخصومها السياسيين، وانتقدت طريقة تسييرهم، وكشفت للرأي العام المحلي والوطني عن بعض الخروقات، والتجاوزات، والإختلالات التي تهم خاصة التعمير، والتهيئة الحضرية، واستغلال الملك العام، والصفقات العمومية…، وبررت أسباب رفضها التصويت لصالح القرارات والمشاريع التي لا تطبق على أرض الواقع، أو أنها تنجز بطرق ملتوية ومغشوشة مخالفة للقانون، وفي المقابل ساهم ( البلوكاج) في تذمر الكثير من المواطنين الذين عبروا عن استيائهم من أداء جميع أعضاء مجلس جماعتهم من معارضة وأقلية مسيرة الذين لم ينفذوا وعودهم الإنتخابية، بسبب التطاحن السياسي بينهم، وعدم توافقهم لتجاوز الخلافات العميقة، ونادوا بضرورة تدخل المسؤول الأول في الإقليم لتطبيق القانون، وحل مجلس الدريوش، وانتخاب مجلس جديد قوي قادرعلى قيادة مدينتهم نحو الطريق السليم و التنمية المستدامة، مما يعني أن” البلوكاج” في هذه الحالة لا يخدم الطرفين المتنافسين معا. إن المتتبع لشؤون مدينة الدريوش يرى بأن النخب التقليدية المسيرة لمجلسها ترفض خصومها، ولا تقبل كالعادة المنافسة السياسية، لأنها تعتبر ذلك طعنا في شرعيتها التي اكتسبتها منذ عقود، ولكي تحافظ المعارضة بنفس المجلس على بريقها وسمعتها، ورصيدها الشعبي الذي ستحتاجه في الإستحقاقات المصيرية المقبلة، لا بد لها أن تبرهن بأنها معارضة بناءة، وليست هدامة كما يعتقد بعض منتقديها، تمارس الرقابة على المكتب المسير، وتصحح هفواته، وتطرح المشاريع التنموية البديلة التي تخدم مصالح مجتمعها ومدينتها، مع المساهمة في إثراء النقاش أثناء جلسات الدورات العادية والإستثنائية، وتقديم الحلول الممكنة في مختلف القضايا التي تشغل بال الساكنة، والتوافق مع خصومها في الأمور التي تحقق المنفعة العامة، ولا تتقاعس عن التحرك لتوعية المواطنين من أنصارها وغيرهم، وشرح أسباب عرقلة، وفرملة بعض القرارات والمشاريع التنموية …، والكشف عن نماذج من قضايا الفساد والخروقات…، وعرضها على الجهات الوصية عن الجماعات، والرأي العام المحلي والوطني، بالمراسلات، والبيانات، وعقد لقاءات مفتوحة، واستغلال مختلف وسائل التعبير والإتصال الحديثة المتطورة. عبد المالك مروان