في كثير من الدول الديموقراطية المتقدمة، يعتبر قانون المالية هو المحدد لكل أوراش التنمية الإقتصادية، كما أنه يترجم فعليا المشاريع الحكومية والوعود السياسية من الناحية العملية، بل أنه يعتبر بمثابة تصريح حكومي إقتصادي مكمل للتصريح الحكومي السياسي، أثناء تشكيل الحكومات في بدايتها، وهناك توجه حقوقي جديد يعتبر القوانين المالية هي جزء من الآليات الديمقراطية التي تسمح بتطبيق العدالة الإقتصادية والإجتماعية، وإستكمالا للعملية الديموقراطية، وإذا كانت الإنتخابات قد مرت في شهر 8 سبتمبر الماضي في ظروف جيدة ، وتميزت بالمشاركة المكثفة، وحضيت بتزكية الجميع في الداخل والخارج، فإن هذه العملية هي فقط بداية لعملية ديمقراطية مستمرة طول الولاية، فيها مراحل مختلفة، وعناصر مختلفة، أهم هذه العناصر هو قانون المالية السنوي الذي يصادق عليه البرلمان سنويا، وفي هذا الإطار وطبقا لأحكام الفصل 49 من الدستور، قدمت السيدة نادية العلوي وزيرة الاقتصاد والمالية عرضا أمام جلالة الملك، في إجتماع المجلس الوزاري الذي انعقد بفاس يوم الأحد 17 أكتوبر الحالي عرضا حول الخطوط العريضة لمشروع قانون المالية لسنة 2022. حيث ركزت الوزيرة على ثلاثة منطلقات أساسية: .إعتماد التوجيهات الملكية السامية . إستخلاص الدروس والعبر من الأزمة الوبائية، . تنزيل النموذج التنموي فعليا، باعتباره مسؤولية وطنية، . تنفيذ البرنامج الحكومي كتعهد أمام جلالة الملك وأمام البرلمان، وقد تضمن العرض الخطوط العريضة العامة لمشروع قانون المالية لسنة 2022،وشمل المحاور التالية: . أولا: تقوية أسس إنتعاش الإقتصاد الوطني، وهذه العملية شملت مجموعة من المجالات والقطاعات التي ستشمل عملية الإقلاع بالاقتصاد الوطني، وهي تتجلى في الإجراءات التالية: .النهوض بالقطاعات الإنتاجية للحفاظ على مناصب الشغل وخلق فرص عمل جديدة، وهذا مطلب الجميع. . مواصلة تنفيذ خطة الإنعاش الإقتصادي من خلال تفعيل صندوق محمد السادس للاستثمار، وإخراج ميثاق الاستثمار، وتحسين مناخ الأعمال، . تفعيل القانون الإطار المتعلق بالإصلاح الضريبي في أسرع وقت، من أجل الحصول على موارد إضافية للخزينة العامة، وهذه الإجراءات كلها مركزة وهي من صميم البرنامج الحكومي الذي قدمه رئيس الحكومة السيد عزيز أخنوس هذا الأسبوع، ثانيا: مواصلة تنفيذ عملية تعميم الحماية الإجتماعية، الذي هو مشروع ملكي بإمتياز، خرج من قلب جائحة كورونا من أجل تعميم التغطية الصحية الإجبارية لفائدة العاملين غير الأجراء وتوسيع قاعدة المستفيدين لتشمل الفئات الهشة والفقيرة،وإصلاح عميق لمنظمومة الصحة حتى تلبي حاجيات المواطنين، ثالثا: تأهيل الرأسمال البشري وهو ثروة يحب تفعيلها، وذلك بتمكين المدرسة العمومية من القيام بدورها الوطني في تربية وتعليم أبناء المغرب، عبر تفعيل إصلاح منظومة التربية والتعليم وتكوين وتأهيل الأساتذة في جميع مراحل التعليم، رابعا: إصلاح القطاع العام، وتعزيز آليات الحكامة، وهو إصلاح جوهري في المقام الأول، لمحاربة الفساد الإداري والهدر المالي الممنهج الذي ينخر القطاعات الحكومية، حيث أشارت السيدة الوزيرة إلى أن الإصلاح الإداري سيتم من خلال تنزيل ورش الجهوية المتقدمة، وتطبيق القانون المتعلق بإصلاح المؤسسات والمقاولات العمومية، وإقامة الوكالة الوطنية للتدبير الاستراتيجي لمساهمات الدولة، لأن إصلاح هذه المؤسسات العمومية يعتبر مدخلا أساسيا للتدبير الإستراتجي للدولة بعيدا عن كل التغيرات السياسية وغيرها، وهي الضامن للحفاظ على كل التوازنات المالية والإستراتيجية. من خلال تقديم الخطوط العريضة لقانون المالية 2022، في قراءة أولية يبدو أنه طموح ويخضع لمنهجية محددة ومركزه، فسرت كثير من الأشياء التي جاءت في التصريح الحكومي، بل تفوقت على التصريح الحكومي في المنهجية والتركيز، وهذا يعطي مؤشرا إيجابيا لمستقبل هذه الحكومة، التي نتمنى لها النجاح ونساندها، ونعطي لها وقتا كافيا للعمل، لأن نجاحها يهم الجميع، وبالرغم من أن التصريح الحكومي جاء مبشرا بالعديد من البرامج الحكومية، إلى أن الدارسين والباحثين والمهتمين بالشأن العام، وكذلك المواطنين، طرحوا تساؤلات حول مصادر تمويل البرامج الحكومية، وخصوصا أن الجميع يعرف مخلفات وباء كورونا المستمرة إقتصاديا وإجتماعيا، وإرتباط النمو بسقوط الأمطار، وإنعاش السياحة، وإنتعاش الصادرات، وتطور الإستثمارات، لكن نستبشر خيرا لمضامين قانون المالية لسنة 2022، لأنه أول قانون يعرض بعد التصريح الحكومي، كما أن تطبيق التصريح الحكومي مرتبط بالقوانين التي تعرض على كل سنة على البرلمان، د. الحسن عبيابة وزير سابق وأستاذ التعليم العالي