دعى حزب العدالة والتنمية من مرشحيه الثلاث، الذين فازوا في انتخابات مجلس المستشارين يوم اقتراع الخامس من شهر اكتوبر الجاري لتقديم استقالتهم من عضوية المجلس وفق المسطرة القانونية الجاري بها العمل، وذلك بحجة أن تلك المقاعد غير مستحقة،لكون الأصوات التي حصلوا عليها " تتجاوز بشكل كبير وغريب وغير مقبول الأصوات التي تعود لحزب العدالة والتنمية أو التي من الممكن أن تؤول له من خلال تنسيقه مع حزب التقدم والاشتراكية محليا،ولا تتناسب مع مع النتائج المعلن عنها في اقتراع 8 شتنبر التي سبق للحزب أن عبر عن موقفه منها،وتستهجن الأمانة العامة في هذا السياق الممارسات غير المقبولة التي أدت لحصول لوائح مرشحي الحزب على ذلك العدد من الأصوات". أشار البيان أيضا أن الحزب اتخذ هذا الموقف إسهامًا في تحصين الديمقراطية والحفاظ على مصداقية العمل السياسي ببلادنا. من القراءة الأولى يبدو وكأن هذا الحزب ديمقراطي، ويسعى ليكون نموذجا في ذلك، وقد نجح في هذا الأمر إلى درجة أن حتى بعض اليساريين فوجئوا بمحتوى هذا البيان ورفعوا القبعة للحزب، بل هناك من بين هؤلاء اليساريين من اعتبر ذلك درسا في الديمقراطية، غير أن الأمر ليس كذلك، فالبيان يحمل العديد من المغالطات، وعلى رأس ذلك التشكيك في نزاهة تلك الانتخابات، وهو ما يعني ضرب كل المجهودات التي حصلت بهذا الشأن ببلادنا، وحتى يبدو الأمر دفاعا عن الديمقراطية، فقد قارنت ماء العينين ما حصل لهؤلاء بما حصل في انتخابات 97 للاشتراكي حفيظ حينما رفض المقعد البرلماني معتبرا إياه مقعدا مزورا، والحقيقة لا مجال للمقارنة بين الحدثين،لأن السياقين مختلفين تماما، ولا تقارب في الشبه بينهما، فما وقع لحفيظ هو نزع مقعد لمترشح ومنحه لأخر، وذلك كما يعرف الجميع حدث أيام إدريس البصري، يوم كانت النتائج تحسم في دواليب الداخلية،أما ما حدث في الخامس من الشهر الجاري يختلف تماما في كل شيئ، وإذا كان الحزب يؤكد أن المقاد المحصل عليها غير مستحقة، فعليه أن يكون واضحا في ذلك مع نفسه أولا ثم مع المواطنين وقول الحقيقة كاملة، والتي هي أن أحزابا أخرى صوتت للمرشحين الثلاث، إما ضدا في أحزابهم لأغراض شخصية، أو أنهم صوتوا للأشخاص وليس لحزب العدالة والتنمية، كما عبر عن ذلك أحد هؤلاء وهو سعيد شاكر ابن اقليمتاونات برفض الاستقالة بطلب من حزبه وذلك حسب ما صرح به: سعيد شاكر الفائز بعضوية مجلس المستشارين عن حزب العدالة والتنمية يرفض تقديم استقالته من مجلس المستشارين، ويصرح لموقع " اليوم 24″ أن الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية لم تستمع له لتعرف حقيقة الأصوات الكبيرة، التي حصل عليها، والتي جاءت كرد الجميل من بعض الأحزاب التي قدم لها الحزب خدمات في مناطق أخرى، كما فسر هذا التصويت بأن الأعضاء صوتوا له هو كشخص وكإطار وطني سيخدم الوطن، ولم يصوتوا للعدالة والتنمية. ولعل ما يوضح ما ذهبنا إليه، أي أن الحزب لا يعني الديمقراطية والحفاظ عليها، بقدر ما يذهب إلى ضربها، هو ما جاء في افتتاحية غير موقعة تحدث فيها محررها (أو محرروها) عن إمكانية عودة الاحتجاجات الى الشارع: " واهم من يعتقد أن القوس الذي فتح في هذا البلد ذات حراك قد تم إغلاقه بإحكام وإلى الأبد"، ولا ننسى هناك تصريحات بعض قيادي هذا الحزب يوم انعقاد الأمانة العامة للحزب مباشرة بعد اعلان النتائج النهائية ليوم ثامن شتنبر، حيث كان الكل مصدوما متفاجئ بالنتيجة الكارثية التي لم يكن ينتظرها أحد، حتى أكثرهم تشاؤما! نعلم جميعا أن الاحزاب التي تستخدم الدين في السياسة، لا تعترف بالديمقراطية، ولا تخدم شعوبها بقدر ما تخدم أجندات أخرى لا علاقة لها بالشعوب والبلاد، فحزب العدالة والتنمية ضيع على المغرب كثيرا من الفرص، طيلة العشر سنوات الماضية، وظل يقف باستمرار في وجه الحداثة، كما أغرق البلاد في الديون، وانتهج سياسة تفقير الفئات المستضعفة وحتى الطبقة المتوسطة، بينما مكن منتسبيه من الاغتناء غير المبرر باعتراف كبيرهم الذي استحوذ على تقاعد ضخم لم يساهم فيه يوما! المغرب اليوم، في حاجة من أي وقت مضى، إلى إعادة بناء يسار قوي ومتماسك، للوقوف في وجه كل من يعتقد أنه قادر على المس بما حققته بلادنا في المجال الديمقراطي، خصوصا وأن المتربصين به ينتظرون الفرصة ومستعدون لتقديم كل المساعدات من أجل ما يسعى إليه أعداء الديمقراطية ببلادنا، فعلى كل الديمقراطيين الشرفاء والنزهاء الالتحام وترك الخلافات الهامشية والتماسك والتكتل من أجل البلاد، خصوصا حزبا الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وحزب التقدم والاشتراكية، كما على حزب الاستقلال، وبتواجده في الحكومة الحالية أن يكون العين الحريصة على مصلحة الوطن، وأن لا يتحول إلى حزب إداري، يرعى المصالح الضيقة قبل مصالح الوطن الكبرى، كل الفئات المستضعفة اليوم تضع أمالها على حزب الاستقلال، وهي تدرك أن مصلحة البلاد اليوم تقتضي ذلك، فكل من ينظر الى هذا الحزب بعين عدم الرضى نرجو منه أن يترك المصلحة الحزبية الضيقة جانبا الى حين، ويقف بجانب الحزب حتى يؤدي المهمة الموضوعة على كتفه، ويؤدي الأمانة كاملة.