الانسان مخلوق كوني من كوكب الارض، التي يستمد منها الحياة من مدار يومي وسنوي، من فضائها الذي يحيي الارض من مدارها الضوئي والفضائي . عبر مواسم تنبت منها وتثمر، من الزراعة الموسمية التي تتوقف على المدار السنوي كزراعة الحبوب المغذية، وكذا الزراعة السقوية التي تحتاج إلى عمل يومي . زراعة الحبوب البرية : هي زراعة أولية تعتمد على الأيدي البشرية، وترتبط بالظروف الموسمية، تبتدئ بالنصف الشمالي من خط الاستواء، بدءا من دورة الزراعة الخريفية، والتي ينتهي نضجها الموسمي مع بداية فصل الصيف . بينما في النصف الجنوبي من خط الاستواء، تبتدئ الزراعة الموسمية، حيث تنضج الزراعة الخريفية من الشمال، حيث يحل المدار الفضائي بالجنوب بعد نهاية فترته من الشمال، وغياب المدار الشمسي من الجنوب نحو الشمال . ومن ثمة كانت الزراعة البرية الموسمية، تقوم على التناوب الطبيعي بين جهتي الاستواء، من مدار القطب دورة فضائية من الجهتين، ومدار اليابسة دورة استوائية من المدارين . إنتاج المغرب من الحبوب : تخضع زراعة الحبوب الموسمية التي ينتجها المغرب، إلى الدورة الخريفية، وكان يتقدمها من عهود أولى منتوج الشعير، لطبيعة الارض من المناخ الشبه الجاف، وتطور في السنوات الخصبة نحو الزرع اللين : la farine، ثم القمح الصلب : le blé ، وفي المناطق الرطبة تنتشر زراعة الذرى : le maïs من الدورة الربيعية، إذ مناخ المغرب يعتمد على مدار خريفي، ومدار ربيعي . وكانت الحبوب تشكل الغذاء الاساسي للساكنة، في شكل طعام الكسكس، أو خبز العجائن اليدوية، منه الفطائر الطرية من غير خمائر، ومنه مخمرات الأفران . وعهد تطور الانتاج الفلاحي من زراعة موسمية تقليدية، نحو السقوية والمكننة الفلاحية وانفتاح المنتوج على السوق الدولية، تنوع الانتاج، وانتقلت التغذية بالمناطق القروية من الخبز والشاي بالمناطق الجافة، إلى التغذية على الخضر والغلال الموسمية . وفي إطار هذا التحول ارتفع عدد السكان في ظل التنظيم العائلي من 12 مليون نسمة، أوائل الاستقلال، إلى 36 مليون عبر جيلين اجتماعيين، وارتفعت الاراضي السقوية من 350 ألف هكتار، إلى ما يفوق مليون هكتار، كما ارتفعت نسبة التمدن بالمجتمع إلى ما يزيد عن 60% من الساكنة. وواكب هذا التحول في الانتاج والحياة الاجتماعية تطور في المجال الصحي . الصحة العمومية : بعد التحول في الانتاج والتركيبة السكانية، تطور النظام المعيشي للعموم، من انتاجية الحبوب الموسمية والتغذية بالخبز والشاي، إلى وجبات من الخضر والفواكه الطرية، مما أدى إلى تحسن في التغذية العامة . ومنه سهرت الصحة العمومية، على متابعة الاحوال الصحية الاجتماعية، ومن بينها الاهتمام بالتغذية السليمة للأطفال، عن طريق تقديم وجبات شربة من الخضر للأطفال، الذين يعانون من نقص في التغذية بالمستوصفات الحضرية، فضلا عن ارشادات غذائية تقدم للأمهات، ونهج سياسة التلقيح للأطفال حديثي الولادة . وظهر نتيجة ذلك تطور في حياة الساكنة، من معاناة سوء التغذية، إلى ظهور أمراض ناتجة عن وفرة الغذاء، كالسكري، وارتفاع نسبة الدهون في الدم، وعسر الهضم الناتج عن استهلاك الدقيق الرطب، الذي يقلص حركة الامعاء . ومن هذا التحول صار الطبيب يوجه العموم نحو التغذية الصحية، التي تعتمد على وجبات الخضر الطرية، وتجنب المعلبات التجارية، وشرب الماء بكميات تحافظ على طراوة الجسم، وحركة المشي على الاقدام لتنشيط المستقيم، ممن فاتهم سن الرياضة، والتقليل خلال الوجبة من مادة الخبز اللين، أو استهلاك خبز القمح الصلب بدل اللين . وقد نتج عن التنوع الغذائي ووفرته من البيوت، إلقاء كميات من العجائن والخبز من حاويات النظافة، بل وخلق سوق تجارية نحو الاسواق القروية لتحويلها علفا للماشية، من حظائر التسمين المعدة لإنتاج اللحوم . وهكذا نرى أن تطور الانتاج في مجال الحبوب، كان يساير تطور النمو السكاني، وأن الصحة كانت تقوم أولا، على تحسين ظروف المعيشية الصحية للسكان، ثم أخيرا، على تنظيم التغذية السليمة قصد الحفاظ على الصحة العامة . ومن ثمة تنسجم الرؤية الاجتماعية من التغذية والصحة، مع الرأي الصائب الغذاء منه الحمية ومنه الدواء .