ستبقى المدرسة وعبر التاريخ، المعيار الحقيقي الذي تقاس به جهود الأمم والشعوب. وحده التعليم الذي أثبت، وحتى خلال الجائحة، كيف أنه هو المعول عليه لجعل المجتمعات الإنسانية، تحقق العديد من القيم والتقدم العلمي المرغوب فيه ومن هنا يتم افهام المتعلم، ومنذ أن فتحت أول مدرسة للتعلم في هذا العالم، كيف أن العلم سلم مفتوح للجميع من أجل الصعود. كل وطبيعة رغبته في التحصيل والترقي العلمي. من منا اليوم وكلما تقدم به السن، من لا يستحضر صورة معلميه ومدرسته وكل المحطات التعليمية التعلمية التي قضى من خلالها أجمل فترات العمر. في المدرسة بنينا العديد من الأحلام. فيها تعلمنا العديد من التعلمات المفيدة. ربطنا فيها أجمل العلاقات وأنبل الأحاسيس. وجوه عديدة حفرت في ذاكرتنا. انتبهنا، والشيب يزحف على خريطة أجسامنا، حلاوة الساحة وضجيج/إيقاعات صياحنا ونحن نلهو ونلعب ونمرح بعد فترة تعلم جميلة. تقاسمنا قطعة خبز محشوة بقطعة سكر، التهمناها بسرعة لتنعش كل أعضاء جسمنا، بل وأعدنا مضغ وهضم تلك الحبيبات العالقة في جوانب اللسان ونحن نستعد للدخول مرة أخرى لأقسامنا. قبضنا، على كل سعادة العالم، ونحن ننتشي بتعلمنا كتابة الحروف والأرقام والقدرة على القراءة. أحسسنا بكوننا نملك العالم كله ونحن نكتب بعض الأجوبة على السبورة. هذه بعض الأحاسيس التي لا زالت عالقة في ذاكرتي، وأنا اليوم أقضي ما تبقى من العمر، في مهنة أشعر بأنها من أجمل مهن هذا العالم. إنها مهنة التدريس والتكوين والبحث، الخ، والتي لن تجعلنا في يوم من الأيام نملك بها أسهما ما في شركة ما أو ندخل بها إلى دائرة أغنياء هذا العالم. لكنها مهنة انسانية عريقة ومجيدة ولذيذة كالمربى، وتساهم في صناعة الأدمغة التي تربح الأسهم وتكسب المال وغيره. مهنة، التدريس، مهنة خالدة في قلوب الناس. أسماء المعلمين، تبقى حية تتداول في كل الجلسات العائلية وغيرها. هم أحياء دوما حتى وإن ماتوا وانتقلوا إلى دار البقاء. يكفي أننا دوما ندعو لمن علمنا ولازلنا وإلى يومنا هذا نقبل رؤوس من علمنا ونكتب عنهم ونكرمهم ونعترف لهم بفضلهم الذي لا ينسى. إذن، ألا تستحق المدرسة التي كانت ولا تزال، هي المكان/ الفضاء الجميل للتعلم، كل الاهتمام المجتمعي؟. ألا تستحق المدرسة أن تكون علامة منيرة في كل حي وفي كل قرية وفي كل مدينة؟. ألا تستحق أن يلتفت إليها الجميع، أي كل مكونات المجتمع في أفق أن تبقى دوما هي بيتنا الجماعي الذي عليه أن يكون جميلا وأنيقا وجذابا؟. القانون الإطار 51.17، والذي هو اليوم وثيقة مجتمعية تعاقدية إلى حدود سنة 2035، يجعل من "تعزيز تعبئة الفاعلين والشركاء" آلية أساسية لتحقيق أهداف المشروع رقم 17 الوارد في هذا القانون، وفي أفق تفاعل كل مكونات المجتمع المغربي من أجل تحقيق ما سطر في هذا القانون الإطار الملزم اليوم للجميع والهادف إلى اصلاح حقيقي للمدرسة المغربية وربح رهان تطويرها وتجديدها وفق حاجيات المتعلم المتجددة دوما. يبدو، أن الجميع اليوم مطالب بأن "ينغمس" و"يتلبس" بحبه/عشقه لهذا المكان الذي كان وعليه أن يبقى دوما، فاعلا في بناء أحلام الجميع. لا شيء يعوض المعلم وتعلماته في القسم، حتى ولو اجتمع كل مهندسي هذا العالم لبناء قاعة افتراضية تكنولوجية مصممة بأرقى الإبداعات التكنولوجية. صحيح أيضا أن التعلم عن بعد هو عنصر مكمل وله قيمته التربوية المهمة، لكن أن يجلس متعلم في قسم وأمامه معلم وبجانبه وخلفه وأمامه متعلمون، رفاق الدرب والحياة، فعل سيبقى دوما له أثره وبعده الإنساني الذي لا يعوض. الانشغال بهذا الشعار الرامي إلى جعل المدرسة مسؤولية الجميع، هو شرط لابد منه لتحقيق نهضة علمية حقيقية في كل المجتمعات النامية الهادفة إلى البحث عن مكانة ما في خريطة الدول المتقدمة. من منا اليوم سيمنع جمعية تشكيلية تتطوع، ووفق الضوابط القانونية والتربوية، الخ، للمساهمة في تجميل الشكل الخارجي للمؤسسة وجعل هذا التصور يأخذ بعين الاعتبار ذوق المتعلم الصغير صاحب المدرسة كمثال؟. من منا اليوم سيمنع إن أراد التطوع لتقديم عمل مسرحي أو سينمائي، يراعي حاجيات المتعلم وطبيعة عمره، الخ؟. العديد من النوافذ والأبواب، فتحت، أمام المجتمع المدني وبقوة القانون للمساهمة في تطوير ركب التعلم وجعل المدرسة في قلب كل اهتماماتنا… المدرسة كانت وستبقى دوما ذلك المكان/الفضاء الذي تصنع فيه حكايات السعادة الطفولية. فيها وبها يحقق المرء ما يسعى إليه في هذه الحياة من رغبة في التعلم والفوز بلحظات نجاح عديدة تهزه من الأعماق وتجعل أسرته ومحيطه العائلي يزغرد وهو يقرأ اسمه ضمن الناجحين والفائزين بشهادة التعليم الابتدائي أو الإعدادي أو الفوز بشهادة البكالوريا، الخ. نشوة لا تقاوم ووحده من فاز بها من يدرك قيمتها. من لم يعشها اكتوى بنارها ولعل ذلك ندركه حينما نرى رجلا سبعيني العمر وهو يجتاز امتحانا ما للفوز بشهادة ما، ضمن نظام التعليم الحر الذي هو نافذة جميلة مفتوحة دوما لمن يرغب في تلذذ النجاح بمعزل عما في جيبنا من مال أو عن طبيعة تجارتنا التي نمارسها، الخ. مدرستنا بيتنا الدافئ في فصل الشتاء والبارد في فصل الصيف. بها نعيد خلق توازن مناخي ونفسي يتساير وطبيعة أحلامنا داخل المدرسة. يكفي اليوم أن نستحضر كيف أن اسم مدرسة ابتدائية أو اعدادية أو ثانوية، الخ، هي التي تجمع الناس في الفضاء الأزرق (شبكة التواصل الاجتماعي مثلا) وتخلق الحكايات من جديد بين الجميع. متى نستوعب الدرس، وننظر إلى النصف المملوء للكأس، لنفرح بهذه الكأس، وفي الوقت نفسه نتجند لنفرح بالنصف الثاني الفارغ للكأس، ومن موقع أن الكل مسؤول، ومن هنا خلخلة العديد من التصورات التي تربط كل شيء بالآخر في حين أن مواقع وامكانات رحبة مفتوحة للمساهمة في جعل مدرستنا في صلب اهتماماتنا؟. عديدة هي الجمعيات، على سبيل التمثيل لا الحصر، التي ساهمت وربحت رهانات عديدة في جعل المتعلم يربح بدوره رهان تعلمه ونجاحه. جمعيات بعضها يشتغل في المجال الاجتماعي وأخرى في المجال الفني، الخ. لكن كل هذا غير كاف، لاسيما، إذا استوعبنا الدرس وأدركنا ما يتربص بالمتعلم من مخاطر زمنية تكنولوجية "جذابة" تمارس "سلطتها" على المتعلم وتجعله يقضي العديد من الساعات وهو يتأمل محتويات معرقلة لتعلمه، بل، كيف من الممكن هنا ربح رهان جعل هذا الهاتف المحمول مثلا وسيلة ديداكتيكية فعالة ومساعدة للمتعلم في فهم العديد من المحتويات البيداغوجية المسطرة ضمن مقرراته الدراسية وبالتالي يتحقق هنا ربط الواجب بالترفيه . وتبقى المدرسة، دين في عنق الجميع الذي عليه أن يدافع عنها ويجعل منها هدفا له أينما كان موقعه ومهما كانت رتبته في المجتمع. ففيها بنيت أحلام أجيال عديدة، وعليها أن تبقى دوما مكانا/فضاء خصبا للتربية على القيم والفرح والاعتزاز بالذات وهي تتعلم وتتربى وتتقوى لفهم أفضل للآخر والعالم والكون ككل.
د. الحبيب ناصري أستاذ باحث بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين الدار البيضاء