ما من شك، ونحن بصدد الحديث عن كورونا في الوقت الحالي، فإننا نتحدث عن وباء دولي، أصاب الجميع ولم يسلم منه أحد، حيث فرض على الجميع "الاختباء" من منطلق تطبيق المقتضيات المرتبطة بالحجر الصحي، وبهذا يكون الوضع الصحي قد تربع على الواجهة مادام الأمر يتعلق بفيروس قاتل، وقد استتبعته مجموع الجوانب والاعتبارات "بالانكماش" وتأثرت هي الأخرى بهذا الحدث الكبير في إشارة إلى الأبعاد الاقتصادية، الاجتماعية والخدماتية ووو.. ما من شك في أن هذا الخطب والإكراه كان وما يزال كبيرا، لكن "الذكي" بحسبنا هو من لم يبقى حبيس ترديد وتكرار عبارات ومشاهد وقسوة هذا الحدث رغم ضراوته، وعوض البقاء حبيس هذه النظرة، قد يبدو قلب المعادلة وتجريب الجواب عن السؤال المؤرق "ما الممكن الذي يمكن فعله والحالة هاته ?"، مفيدا بشكل كبير في أمثال هذه النوازل، لأنه في التقييم، "تقييم الحصيلة"، قد نجد الدول والشركات والأفراد الذين اجتهدوا في إيجاد الحلول والبحث عن مخارج، هم من سيخرجون "من منطق تقليل الخسائر" أكثر ربحية، وأكثر مناعة في التصدي للصدمات واللكمات، وأكثر مرونة وتطورا. أفلم نسمع بأن المحن والأزمات والصدمات بطبيعتها تقوي، "واللي عاندو طريق وحدة الله يسدها عليه"، في إشارة إلى أنه بالإمكان دائما التفكير في فعل أشياء بديلة للخروج من الأزمة وتغيير واقع الحال نحو الأفضل، وأن المحن، وفي أحيان كثيرة ربما يكون بين ثناياها "بعضا من المنح"، باختصار، جميل جدا أن يجتهد المرء ليطور في نفسه نظرات وميكانيزمات التفاؤل بدل البقاء والاستسلام للغة التشاؤم، التي شئنا أم أبينا، تجعل المرء يدور في حلقة مفرغة وقد تذهب بالجمل بما حمل. ومع الإقرار بداية بأن الأمر يتطلب شجاعة كبيرة وليس بالأمر السهل والهين كما يمكن أن يعتقد البعض، إلا أن اعتماد مقاربة "تحويل الإكراهات إلى فرص" ليست وصفة قد أثبتت نجاعتها بالنسبة للأفراد فقط، بقدر ما أنها قد أبانت على جدواها وفعاليتها على مستوى الشركات والمقاولات والدول حتى، كلنا يتذكر كيف تمكنت بعض المقاولات المغربية استجابة لتحدي ظرفية كورونا من تغيير وجهة إنتاجيتها إلى تصنيع الكمامات لوضع حد للركود الذي لحق بمنتجاتها الأصلية، فتصنيع الكمامات وبأعداد وفيرة كان بمثابة مخرج مكنها من وضع حد لحالة الركود والسكون الخانق الذي كان يمكن لا قدر الله أن يلحقها بالعديد من المقاولات التي كان مآلها الإغلاق بحكم قوة الرياح العاتية لكورونا. نتذكر أيضا كيف تفطنت بعض الجماعات المحلية وفي العديد من مناطق المغرب إلى أهمية استثمار واقع الفراغ، فراغ المواصلات وتحركات السيارات، وفي وقت الحجر الصحي تحديدا لتحريك آلة الحفر وبناء بعض القناطر أو الأنفاق لوضع حد للاكتظاظ سيما في بعض أوقات الدروة لمرور السيارات، زمن الحجر "ورغم إكراهاته" في تقديرنا كان أحسن توقيت أمكن الاتكال عليه لتشييد أمثال هذه المنشآت التي كان يصعب تشييدها في غير أمثال هذه المناسبات، وهي مناسبة لتوجيه الشكر إلى الأشخاص والكوادر التي انتبهت إلى القيام بهكذا مبادرات في أمثال هذه الأوقات العصيبة. وقد نكون منصفين من حيث الإشادة بقيمة المبادرة التي رعاها ملك البلد حفظه الله والرامية إلى تعميم مشروع التغطية الصحية والحماية الاجتماعية لجزء غير يسير من المغاربة، شئنا أم أبينا ذلك، فقد كان لكورونا دور كبير في الإعلاء من قيمة هذا المشروع المجتمعي الكبير الذي ولسنوات كان يتم التلويح بمعالجته غير أنه للأسف لم يكن يعطى حجمه في الأجندات الحكومية، بفعل المعاناة التي خلفتها كورونا للعديد من الفئات العاملة سواء في القطاع غير المهيكل أو بالنسبة للمقاولات والقطاعات التي توقفت عن الاشتغال، ومع الرغبة في التعويض والتخفيف من حدة هذه المعاناة، فقد تبين بأن الدولة قد وجدت نفسها في "حيص بيص" وهي تحاول جاهدة إعادة بناء ذلك السجل المسمى "السجل الاجتماعي الموحد" والذي لو كان جاهزا لكان قد قدم إسهاما كبيرا في حل هذه النازلة، المهم أن كورونا كان لها نوعا من الإسهام في تسريع إخراج هذا السجل من "عنق الزجاجة" حيث أن إرهاصاته قد بدأت عمليا في رؤية النور من خلال توقيع العديد اتفاقيات الشراكة في الموضوع ومن البنود التي بدأت تظهر في قانون المالية الجاري لسنة 2021. إكراه كورونا هيأ للبلد فرصا أخرى في الجانب المرتبط بتمدرس أبنائنا والمساحة التي اكتسحها البعد الرقمي عموما، إذ الواضح بأن البلد "كان كثير الكلام على هذا البعد، قليل الفعل والمبادرة"، حتى جاءت كورونا التي فرضت إيقاعها ومنطقها على هذا الأمر، فترة الحجر وفرت إمكانيات كبيرة للبلد فيما يخص الأشياء "اللاسلكية" التي تطورت بشكل كبير وأسدت خدمات جمة للبلد في مثل تلكم الأوقات العصيبة، فلقد اقترب جزء كبير من المغاربة صغيرهم وكبيرهم من ثنائية "عن قرب وعن بعد"، حيث وصل ذلك أيضا إلى منطق اشتغال الإدارات العمومية والقطاع الخاص الذي تبين بأنها قد خطت خطوات كبيرة على هذا المستوى واقتربت حقا وحقيقة من دخول نادي ما كان يسمى دوما "بعالم الإدارة الإلكترونية"، وهو المطلب الذي بقي "حبيس المتمنيات" إلى أن جاءت "كورونا المشؤومة" التي حملت معها بعضا من نقاط الضوء التي أردنا أن نركز على جزء منها وأن نبرزها في هذه المحاولة، وأن نركز عبرها على الدرس البليغ القائل بوجوب التحلي بالنظرة التفاؤلية الدافعة إلى تغيير اتجاه الإكراهات ودفعها دفعا نحو تحويلها إلى فرص.