لقد قامت مؤخرا، "وكالة المخابرات المركزية الأمريكية" (CIA)، بإعداد تقرير حول الوضع في الجزائر، سلمته إلى الرئيس (جو بايدن). وقد قام بإعداد هذا التقرير خبراء مختصون في الشأن الجزائري، كما استغرق وضعه سنة كاملة. وقد رسم هذا التقرير إلى صورة سوداء حول الأوضاع في الجزائر. يرى واضعو هذا التقرير أن الجنرال "سعيد شنقريحة" قد بسط هيمنته على الجيش، حيث كرس جهوده لتفكيك المنظومة العسكرية التي بناها سلفه "الجنرال القايد صالح" بين سنة 2015 و2019، حيث وضع المقربون منه في كل المناصب الحساسة بالمؤسسة العسكرية، الأمر الذي يعكس عقلية العسكر في الجزائر. ولما خلفه "سعيد شنقريحة"، قام بتخريب ما بناه سلفه، وغير السياسة التي كانت تنهض عليها المؤسسة العسكرية، كما قام بتنحية رجال "القايد صالح"، ونصب رجاله مكانهم. ويبدو لي أن هذه الملاحظة تدل على أن ثقافة الجنرالات ترفض منطق المؤسسة وتشتغل بمنطق العصابة، ما يعني أنه ليست هناك مؤسسة، وإنما هناك عصابة تقتسم الغنائم فيما بينها. كما ورد في هذا التقرير أن " الرئيس عبد المجيد تبون" لا شعبية له، حيث وصل إلى منصب "الرئاسة بطريقة لم يقبلها الشعب الجزائري، وأنه لا يتمتع بهيبة، بل إنه كذاب، لأنه عندما سقط مريضا، تم نقله للعلاج بألمانيا، ما جعله يناقض نفسه، لأنه قال قبل ذلك إن الجزائر تتوفر على أفضل منظومة صحية في المغرب الكبير وفي أفريقيا كلها، ما اعتبره الجزائريون إهانة لهم، لأنهم وجدوا أنفسهم أمام رئيس مريض كما كان الأمر مع سلفه "عبد العزيز بوتفليقة". وأشار التقرير إلى أن هذا "الرئيس" ضعيف، ما جعل الجنرالات معجبين به، لأن وضعه هذا مكنهم من التحكم في كل شيء في البلاد. أضف إلى ذلك، أنه توجد صراعات قوية بين مستشاري الرئاسة، حيث إن كل واحد منهم تابع لجناح عسكري معين، ما أدخلهم في صراعات حادة مع بعضهم البعض، الأمر الذي يعكس الصراعات القائمة بين مختلف أجنحة الجنرالات التي يسعى كل واحد منها إلى التأثير أكثر من غيره في قرارات "تبون". وأكد هذا التقرير أن السفارات الأجنبية في الجزائر لا تفهم أي شيء مما يحدث في هذه البلاد، لأن مؤسساتها لا تلعب أدوارها المفترضة، وأن الغموض يطغى على عمل الحكومة، بل هو أسلوب الحكم. وعندما انتشرت "جائحة كرونا" تبين العجز الكبير للمنظومة الصحية الجزائرية، حيث لم يوفر المسؤولون الجزائريون كمامات، ولا أدوية، ولا معدات تقنية، ولا شروطا لمواجهة هذه الجائحة وما تقتضيه من شروط السلامة الصحية، ما جعل الأطقم الطبية وأطقم التمريض والجزائريين يحتجون علنا أمام أعين الرأي العام المحلي والدولي. وأضاف واضعو هذا التقرير أن الأزمة في الجزائر لا تقتصر على القطاع الصحي، وإنما تشمل كافة القطاعات، حيث تنعدم السيولة النقدية، كما أن هناك ندرك كبيرة في المواد الغذائية التي لا يتوفر المواطنون على ما يكفي من النقود لاقتنائها، لأن الأسعار ليست في متناولهم، حيث إن الجنرالات يتحكمون في السوق، لأنهم يحتكرون رخص الاستيراد كلها، ما مكنهم من فرض ما يحلو لهم من أسعار، إذ لا يهمهم الشعب الجزائري، وإنما صار شغلهم الشاغل هو مراكمة الأموال وتكديسها، ليتم، في نهاية المطاف، تهريبها إلى الخارج، ويفسر هذا التقرير هذه الأزمة بطغيان النزعة المركزية على تسيير البلاد وتطرق هذا التقرير أيضا إلى الإجراءات الأخيرة التي اتخذها "تبون" بإملاء من الجنرالات، حيث أكد أن انعكاساتها على الشعب كانت سلبية، فصار الجزائريون لا ينتظرون أي شيء من الطبقة السياسية الحالية، لأنهم فقدوا الثقة تماما في الحكام، حيث يرفضون كل المؤسسات وعلى رأسها العسكر؛ فهم مقتنعون بأن العسكر سرقوا منهم "ثورتهم، الأمر الذي أكده دبلوماسي غربي في تعليقه على هذا التقرير. كما أكد بعض الملاحظين الغربيين أنه من الصعب أن تستمر الأمور في الجزائر على أحوالها حتى بلوغ شهر رمضان. وأمام هذه الوضعية، فقد أغمض جنرالات الجزائر أعينهم وأصموا آذانهم، لأن النظام العسكري يكره النقد، ما جعله مصرا على عناده. ونتيجة ذلك، فإن الأوضاع في الجزائر تنذر بالانفجار. بناء على ما سبق، يبدو لي أن مختلف تقارير الأجهزة الأمنية الجزائرية تؤكد ما ورد في هذا التقرير الأمريكي، بل تكاد تتطابق معه في كل استنتاجاتها.