طرح موضوع التعديلات على القوانين الانتخابية عددا من الاسئلة حول طبيعتها هل تساهم في تكريس الديموقراطية أم تعتبر تراجعا عن مسار دمقرطة العمليات الانتخابية؟ للاجابة عن التساؤل أعلاه لا بد من مراجعة المسار التاريخي لتدبير الدولة المغربية من خلال وزارة الداخلية للمشهد السياسي والحزبي عموما والانتخابي على وجه الخصوص. منذ الاستقلال والقوى السياسية الوطنية والديموقراطية تؤكد على الدولة تتحكم في هندسة الحقل الحزبي عبر أدوات ناعمة وأخرى صلبة ولاسيما الضبط القانوني لمخرجات صناديق الاقتراع سواء خلال الانتخابات العامة أو تشكيل أغلبيات الحكومات أو المجالس المتتخبة. استمر المغرب في اعتماد النظام الانتخابي الأحادي الإسمي منذ بداية الاستقلال الى غاية بداية الألفية الثانية، ولعل المتتبع للسياسة بالمغرب يعلم كيف تتم الانتخابات بهذا النمط حيث يغيب التنافس البرامجي والالتزام الحزبي ويسيطر الاعيان وذوو النفوذ المدعومين من لوبيات معينة أو السلطة معزما يرافق ذلك من استغلال لمعاناة المواطنين واستعمال المال الحرام و وسائل الدولة بالاضافة إلى التوجيه الذي يتعرض له الناخبون خلال الانتخابات أو المنتخبون عند تشكيل الحكومة أو مكاتب المجالس الترابية. هذا المسار عرف اخترافين تاريخين اثنين، أولها خلال حكومة الأستاذ عبد الرحمن اليوسفي رحمه الله حيث تم اعتماد نظام اللائحة لتحقيق التمثيل النسبي مع اعتماد قاسم انتخابي على أساس الأصوات المعبر عنها واعتماد عتبة 6%، هذا الاختراق الذي كانت أحزاب الكتلة ومعها باقي الاحزاب الوطنية والديموقراطية تعتبره منقوصا لأن لا يرقي للمعايير الديقراطية المتعارف عليها دوليا حيث استمر المغرب في اعتماد النظام الفردي في أغلب الجماعات القروية كما أن طبيعة التقطيع واللوائح الانتخابية التي ظلت تطالب بمراجعتها بشكل شامل واعتماد التسجيل على أساس البطاقة الوطنية، ضلت كلها تجر وراءها صنعة ادريس البصري وزير الدولة في الداخلية خلال سنوات الرصاص، مما جعل النظام الانتخابي المغربي يوصف من طرف المراقبين بالنظام السياسي الهجين، اي انه رغم بعض معاييره الديموقراطية مثل انتظام اجراء الانتخابات وتعدديتها فهو يبقى متحكما فيه عبر مجموعة ما آليات الضبط القبلي والتدخل التحكمي والحياد السلبي للدولة. ثاني اختراق تمثل في الاجراءات التي جاء بها دستور 2011 بالتنصيص على ترأس الحكومة من طرف الحزب السياسي المتصدر لنتائج الانتخابات، بالاضافة للمقتضيات المتضمنة في القوانين التنظيمية للمجالس الترابية خلال تشكيل مكاتب المجالس الترابية وضمان استقرارها. وهكذا بقي النظام الانتخابي بالمغرب باعطابه البنوية التي لا تمكن من تصدر قوة سياسية بقوة للمشهد الحزبي الى غاية الدينامية التي خلقها سياق الربيع الديموقراطي حيث استطاع حزب العدالة والتنمية بقيادة أمينه العام السابق في ترويض أدوات الضبط القبلي القانونية والادارية والسياسية الانتخابات حيث حقق نتائج غير مسبوقة في التاريخ الانتخابي بالمغرب. وإذا كان أمل الديمقراطيين بالمغرب أن يتجه البلد إلى تطوير نظامه الإنتخابي وإنهاء مسار الإنتقال الديموقراطي ودخول نادي الانظمة الديموقراطية، طلع علينا من جديد مارد التحكم في نتائج الانتخابات عبر باب اقرار معايير غير ديموقراطية لتحجيم نتائج حزب العدالة والتنمية وازاحته من رئاسه الحكومة التي استمر فيها لولايتين متتالين في سابقة في تاريخ الاحزاب المغربية وكان متجها إلى الولاية الثالثة. 1. تعديل الدستور ودون الخوض الدفوعات القانونية والدستورية والسياسية التي تبرز أن اعتماد قاسم انتخابي على أساس المسجلين إلغاء العتبة والعودة لنظام الفردي النسبي كلها مكانيزمات لا تمكن من اسباغ صفة الديموقراطية على النظام الإنتخابي بالمغرب، كان يمكن للقوى السياسية المدافعة عن هذا الطرح وهي التي تمثل الأغلبية في المشهد الحزبي بينما يبقى حزب العدالة والتنمية الأقلية المتصدرة، أن تتجه رأسا لإصلاح العطب الدستوري في المادة 47 من الدستور، هذا الاخير الذي يتيح لثلثي أعضاء مجلس النواب التقدم بمقترح تعديل دستوري، والذي سيمكن من ترأس الحكومة من طرف الحزب الثاني إذا تعذر على الحوب الأول تشكيل أغلبية حكومية. 2. تعديل النظام الانتخابي بالاضافة للمسلك الدستوري، كان الأجدر أن تتوجه الأغلبية البرلمانية الجديدة لاعتماد مخارج قانونية أخرى في الانظمة الانتخابية المقارنة من قبيل النظام اللائحي المفتوح أو مزج الاصوات أو التصويت التفاضلي أو الفردي من دورتين أو اللائحة الوطنية الفريدة. 3. تعديل قانون الأحزاب: يمكن أن يتم تجنب التعديل الدستوري للمادة 47 أو تشويه النظام الانتخابي عبر تعديل قانون الاحزاب بالتنصيص على اعتبار تحالف أو إتحاد الأحزاب المشارك في الانتخابات التشريعية بلوائح مشتركة كحزب وتمتيعه بهذه الصفة مما سيمكنه من ترؤس الحكومة إذا تصدر الانتخابات. ختاما، إن الخاسر في معركة القاسم الإنتخابي ليس هو حزب العدالة والتنمية، الذي يمكن أن يتراجع في النتائج أو الترتيب، بل هو التجربة المغربية في الانتقال الديموقراطي التي سيأتي هذا الاجراء في حال اعتماده نهائيا على ما تحقق طيلة مسار طويل ومتذبذب طيلة عقود من الإستقلال إلى اليوم.