التنسيقية ضربت بعيدا في المجال العمومي، و لم تعد أبدا كيانا يمكن خنقه في سياق معين، فالمعنى قامت ببنائه، و صار بيدها، و أصبحت هي من تصنع السياق الخاص بها. المقصود من هذا، أن شروط اللعبة قد أضحت خارج سيطرة من يملك الوسائل السلطوية داخل المجال العمومي، حيث تحول الطرف الذي يأخذ الشرعية في ملف التعاقد هي التنسيقية، فهي من صارت المرجع الذي يصنع الخطاب هنا. لا يمكن للمقاربة الأمنية أن تقضي على مثل هذا السياق، لأنه ليس مجرد أشخاص مجموعة في بقعة أرضية متقلصة يمكن إعتقال قيادتهم ليتلاشى الجسد، فالتنسيقية، تنتشر في كل مكان، حتى أن قيادتها أو مجلسها القراري ليس ثابتا، ليست أشخاصا، ليست إيديولوجية، و ليسا برنامجا إنتخابيا، أو مصلحة معقود بعبارة يمكن إختزالها في قيمة قابل للتبادل، إنها "نسيج"، يعطي المعنى للعلاقات القائمة داخله، ولعناصره العضوية. الأمر، هو أن الدولة، على ما أعتقد، ذكية و لا أظن أنها تعتمد على المقاربة الأمنية هنا للقضاء على "النسيج" و إنما، تعتمد عليها لإمتصاص طاقة النسيج، حتى تفتر العلاقات بين عناصره، فالعامل الأساسي هنا لنجاح هذا هو، "العامل الزمني"، أي أن المقاربة التي تتكئ عليها الدولة للقضاء على التنسيقية هي "المقاربة الزمنية"، كلما توالت الأيام و السنوات بالقمع و العنف، سيقود الأمر إلى تلاشي العلاقات بين عناصر التنسيقية، مما يُعرضها للفتور. لكن، ما لم تلحظه الدولة على ما أظن، أن التنسيقية كما قلت، أضحت تخلق "السياق"، أي أنها هي من تتحكم في النتيجة الآن، فأية نتيجة ستقع بفعل المقاربة الأمنية أو أية مقاربة، ستكون هي النتيجة التي ترغب فيها التنسيقية، إنها الآن "مهندسة المسرح أخيرا". بالفعل، هي من تخلق سياق المسرحة، مما يعني أنها هي من تخلق الأدوار، و هي من تنتظر النتيجة التي تنتظرها لكي تحدث، فتحدث، لقد صارت الدولة جزءا من شخصيات مسرحة التنسيقية. لست أتحدث هنا، كلاما هلاميا، بل أحاول إعطاء الصورة العميقة للأحداث، التي استطاعت التنسيقية بصمودها أن تخلقها. لقد أنتجت "سياقا" يحاول الشعب المغربي أن يفهم مضمونه، و بما أن احتكار المرجع لتحديد المعنى هنا، بيد التنسيقية، لأن الدولة لا تريد أن تتحدث عنه إلا بغموض، وهذا يعني أن المعنى الوحيد الذي سيتم تداوله، هو المعنى الذي "ستُوزِّعه" التنسيقية، فقد خلقت "السلطة الخامسة" الخاصة بها لإنتاج "العلامات". إذن، التنسيقية هي من تضع النتائج، قبل ظهور الفاعلين التي سيدخلون في اللعبة، إنها تتحكم في رقعة الشطرنج، و قد تبين لنا، في الخطوات النضالية الأخيرة أنها خلقت ضجة "السيطرة". * محمد أمزيل / طالب جامعي وباحث