(المسرح لدى اي شعب، ينمو ويتطور في ظل عاداته، وهمومه ونوازعه، واضطرباته، أو تطوراته…) خالد محيي الدين عردوكي. (إن التعريفات الدرامية لا يجب أن تتحول إلى قضايا مطلقة تصبح بالتالي، عراقيل معوقة للتطور العضوي بالقياس إلى التجربة والابتكار والاشكال الجديدة.) مارتن إسلن. * إن ما يثير الانتباه، في تجربة الفنان المبدع الطيب الصديقي، هو ذلك الارتباط الوثيق بين سيرته الذاتية، من حيث هي حياة خاصة، وتجربته المسرحية، باعتبارها تجربة تنتمي لحقل ابداعي له ضوابطه وقوانينه العامة، وتعبيرا فنيا يصدر عن وعي جمعي مشروط بواقع وظروف تجد مبررها فيما يصوغ المجتمع من شروط، وضمن هذا الإنتماء للإبداع؛ حيث يكون المبدع مبلورا لتجزبة فنية تتميز بالفرادة، الا ان هذه التجربة من حيث علاقة الإنتماء تلك – تبقى حالة تعبير الفردى عن الجمعي، انطلاقا من فعل التخيل الذي هو فعل سيكولوجي يدل على الفرد ويعينه على انه تجل من تجليات المتخيل في اللاوعي، وهنا يتم الالتقاء والانتماء للجماعة من خلال الفرد وهي العلاقة نفسها التي يعبر بها ما هو خاص عما هو عام. * نستحضر هذا الترابط في العلاقة بين الذاتي والموضوعي، كلما جرى الحديث عن مسرح الطيب الصديقي، الذي ليس مسرحا خاصا، كما قد يتبادر إلى الذهن، بل إن علاقة النسب هاته ليست إلا نتيجة لعلاقة الترابط بين السيرة الذاتية والمسرح، وقانونا عاما لمسار مسرح الطيب الصديقي، الذي نعتناه بمسرح المثيل Le Théâtre même حيث يتحدد نسب الاسم للمسرح تمييزا لهذه التجربة، ومعنى التمييز هنا ليس إلا خصوصية مسرحية، أعني خصوصية المغرب في تعدده وتنوعه حيث فيه الامازيغ الأفارقة العرب المسلمون الخ، هذه الخصوصية التي اراد لها، صاحب التجربة الصديقي أن تعبر عن جذورها المتمثلة في ساحة جامع الفنا، بوصفها مسرحا وطنيا شعبيا. بهذا التحديد نتعرف مفهوم المسرح في تجربة الطيب الصديقي، وهو مفهوم لا يخرج عن القوانين العامة لهذا الفن، إلا أن هذا الاعتبار لا يمكنه أن يصبح كذلك إلا عندما يمتلئ بما هو محلي وخاص للتعبير عن الوطني ثم القومي من خلال الفردي الذي هو حالة التخيل. وهنا، يكون مسعى البحث والدراسة مركزا على ما يمنح المسرح معناه الأقصى ويدل على جوهره أو انتمائه إلى العصر الذي يوجد فيه وهذا لا يتم إلا بالإنصات إلى كل ما يحقق ماهيته ويصوغها. وفي عملية الانصات هاته، يأتي الافتتان بالمسرح الذي هو افتتان المأخوذ اليس المسرح طقسا؟ ثم أليس المسرح معايشة للموتى؟. وما يستدعي دخول المسرح هو هذا التهيؤ الذي يشبه لحظة الانفلات والانجذاب إلى واقع الطقس وتحسس نبضاته، حيث يرفد مخزون الذاكرة/اللاوعي الذي ليس في المحصلة الأخيرة إلا لحظة الإشراق، وانفتاح الخيال على التجربة الانسانية وما المسرح الا واحد من تجليات هذه التجربة. * هذه الاشارات تؤدي بنا إلى محاولة صياغة أسئلة التجربة المسرحية للطيب الصديقي، ومجرد صياغة هذه الاسئلة يعتبر في حد ذاته أحد الممكنات التي تنضوي عليها خاصة واننا قد اشرنا إلى انها تجربة الاندغام والافتتان والتماهي بالمسرح، حيث يكون الافتتان عتبة من عتبات الدخول إلى حياة خاصة هي سيرة صاحب التجربة نفسه ولا تعني السيرة هنا "سيرة غيرية" بل هي سيرة ذلتية تتم روايتها بعفوية وطلاقة كأنها وشم إذ تجد تفاصيل هذه السيرة نفسها في التجربة المسرحية للطيب الصديقي، وهذا ما يؤكد علاقة الارتباط والاندغام بين "الحياتي" والمعيشي من حيث هو تجربة شخصية ذاتية ترتبط بالمبدع الذي يصبح هنا علامة مسرحية ضمن تأسيس التجربة المسرحية نفسها، إن لم نقل انها مقوم من مقوماتها ومن جهة ثانية الاعلان عن المسرح بوصفه تجربة ترتبط بالانسان المبدع وتعبر تعبيرا خاصا عن ذاته، وفي هذا الافق تأتي السمة التجريبية للمسرح ونفهم معنى المسرح الذي يعبر عن التجربة الانسانية التي لا تلغي عنه تاريخيته واشتراطاتها بالواقع الذي ينتج التجربة مادام الانسان المعبر عن تجربة هو صانعها وهو المؤثر فيها والمتأثر بها، باعتبار هذه التجربة نفسها اساسا حدثا اجتماعيا لأنه يحياها وفي حدود هذه العلاقة بالذات نحاول مقاربة تجربة مسرح الطيب الصديقي مقاربة سيرية. وهنا نفهم لماذا تكون السيرة الذاتية اقرب إلى التأثير الدرامي. فكيف انبتت هذه التجربة؟ ثم ما الذي يتحكم في بلورة هذه التجربة وصياغتها واخيرا ما الذي يكون ماهية التجربة؟ * ما سوف نقوم به لمقاربة تجربة الطيب الصديقي المسرحية، هو التأويل لمقتطعات من حوارات واستجوابات ونصوص صادرة عنه، حيث تمثل هذه المقتطعات السيرة الذاتية المفترضة للصديقي في هذه المقاربة لأنها تتضمن في اجوبتها فعلا جزءا وشفرات من سيرته الذاتية، وهذا التجزئ والشذر هو ما يعطينا حق اعتبارها افتراضا لسيرة ذاتية وبذلك فهي ممثلة كذلك لمسرح "المثيل" الذي هو سياق انبناء التجربة المسرحية للطيب الصديقي. وبالمناسبة فان الطيب الصديقي مفتون ببناء العرض المسرحي والعرض المسرحي هنا استعارة للحياة عامة. o المقتطع الأول من مداخلة بعنوان: "المورورث الشعبي في الفنون الاحتفالية" منشور بمجلة "الاداب" البيروتية العدد 1/2 السنة 35 بتاريخ يناير مارس1987. ص79 يقول الطيب الصديقي: "أتذكر طفلا ولد في شبه جزيرة في مدينة صغيرة على المحيط الأطلسي ولكتشف وهو لم يتجاوز السادسة من عمره في افتتان هذا العالم العجيب أتذكر أنه اقسم ان يصبح في يوم ما جزءا من هذه الشخصيات التي تحترف الخيال هذا الطفل يسمى…"(1) * المقتطع الثاني عبارة عن جواب للإذاعة الوطنية ليلة الجمعة 13 اغسطس 1993 لبرنامج "الريشة والقناع" الذي يشرف عليه محمد البوكيلي والجواب نفسه كان قد ادلى به الطيب الصديقي للكاتب المغربي محمد خراف الذي ضمنه دراسته المنشورة بمجلة"الاقلام" العراقية العدد 6 سنة 1980 ص7و8، حيث جاء فيه: "ولد الطيب بن محمد بن سعيد الصديقي سنة 1937 بالصويرة من أب عالم وفقيه ومفتى كما أنه صاحب كتاب "ايقاظ السريرة في تاريخ الصويرة" رحل إلى الدارالبيضاء والتحق باحدى مدارسها الثانوية الاسلامية وبقي فيها إلى أن بلغ السادسة عشرة من عمره حيث اغراه المسؤولون في الثانوية/الفرنسيون انذاك بمنحه للذهاب إلى فرنسا ليقضي سنوات ثلاثا للتدريب في التكوين المهني ليتخرج فيها بمهمة العمل في اللاسلكي بالبريد، لكن بعد استشارة والده في هذا الشأن نصحه ان يتوقف عن الدراسة على الأقل سنة ليرتاح ويثقف نفسه وتاتي الصدف المواتية باعلان في الجرائد المغربية، بأن هناك تدريبا على الفنون المسرحية ومن ضمنها فن الهندسة المسرحية فاختارها هي بالذات، وإن لم يكن يعرف ذلك الفن الهندسي بوضوح ولا المسرح وكان أول تدريب نظمته الشبيبة والرياضة سنة 1954، ليلتقى فيه بعناصر مهمة في المسرح المغربي احمد الطيب العلج ومحمد عفيفي… ولم يكن من بينهم من كان يحسن اللغتين العربية والفرنسية إلا الصديقي فاختاره الاستاذ الفرنسي اندري فوزان بمساعدة نوك لترجمة بعض الدروس النظرية في المسرح…) في اول تدريب لفن الدارما في المعمورة(2) بعدما تكونت اول فرقة محترفة(…) قام بدور حجا عوض الممثل العربي الدغمي الذي تخلى عنه(3) بسبب المرض بعدما كان الدور المسند للطيب الصديقي دورا ثانويا… استدعى لتدريب في فرنسا بعدما نوهت به الصحافة الفرنسية كأحسن ممثل من طرف HUBERT GIGNOUX هوبير جينيو بمدينة "رين" اذ لم يكن ذهابه لدراسة المسرح كتشخيص بل لدراسة تقنيات المسرح حيث قدمه HUBERT GIGNOUX لجان فيلار Jeau Vilar والذي كان مديرا للمسرح الوطني الشعبي بفرنساN.P. * يقول الطيب الصديقي: "جامع الفنا مسرح يتجاوب مع حاجيات جمهور شعبي تلقائي حي هذا المسرح أو لنقل هذه المسارح ساهمت وتساهم باستمرار في خلق أو اعادة خلق مسرح وطني فكل ابحاثنا من سنة 1965 مرتبطة بجامع الفنا منذ مسرحية ديوان سيدي عبد الرحمن المجذوب" سنة 1965 إلى الملحمة التاريخية "نحن" التي اعددناها خلال صيف 1986 كل ابحاثنا حول النص او في موضوع لعب الممثلين أو بصدد الاخراج أو الديكور أو الملابس أو التوابع يزكيها جامع الفنا منبعها الأصلي ونعتبر هذه العناصر أساسية لأي عملية ابداعية تريد ان ترتوي من جذور شعبية كمنطلق لكل تجربة تهدف إلى ان تجعل من المسرح وسيلة للقاء بالناس.." (مجلة الاداب البيروتية مرجع سابق، ص78). * تقتضي القراءة التأويلية التي نحن بصددها، الوقوف أولا على بعض الملاحظات التوضيحية حيث تتعلق هذه الملاحظات بطبيعة المقاطع التي نعتمدها كمدونة السيرة الذاتية المفترضة للطيب الصديقي من خلال مسار تجربته المسرحية على أساس أن هذه السيرة هي مسرح الطيب الصديقي الذي وسمناه ب" مسرح المثيل" بمعنى أن السيرة ليست إلا التاريخ الشخصي الذي يتقاطع مع تواريخ أخرى هي هنا تاريخ المغرب إن لم نقل تاريخ الثقافة المغربية المعبر عنها بالإبداع المسرحي الذي هو وسيط شكلي استطاع من خلاله الفنان الطيب الصديقي ان يحول تجربته الوجودية إلى معطى ثابت وهذا التثبيت هو ما يجعل تلقى هذه التجربة مفتوحا للأجيال القادمة ويجعله عملية متكررة. ثانيا: هذه المقاطع هي مقاطع مروية مما يجعلها من منظور علم السرد المروى تمثل محتوى السرد. ثالثا: طريقة ايصال المروي وهو الذي يهمنا هنا من حيث المحتوى يأتينا بواسطة راو اخر وهذه التقنية في الرواية هي نفسها التي نصادفها في مقامات بديع الزمان الهمذاني والحريري، حيث يتحدث ابو الفتح عن عيسى ابن هشام وابو زيد عن ابي دلف مما يجعل هذه السيرة تكتسي صفة التخفي أو كما يقول فيليب لوجون انا المتكلم هو ضمير الاخر وهذه التقنية هي ما يعني امكان التشخيص ولعل هذه التقنية في الحكى هي ما جعل الطيب الصديقي لا يتوجه إلى دراسة التشخيص في معاهد الغرب بل يتوجه إلى ساحة جامع الفنا بمراكش على أنه مكتبة وطنية وجعله يتمثل المقامات بوصفها موروثا موحيا. رابعا: المقاطع المكتوبة، وهي المقطع الأول والثالث من هذه السلسلة تتراوح بين الحكى المتخفي وراء ضمير الغائب أي المتحدث عنه خاصة المقطع الأول والأمر هنا يتعلق بصاحب السيرة. أما المقطع الثالث وهو الأخير في هذه السيرة فإنه يتم بضمير المتكلم لأن المحتوى هو البرنامج المسرحي في مشروع السيرة والتي هي سيرة مسرح المثيل أي مسرح الطيب الصديقي. أي أنه يتحدث عن الوجه الثاني من السيرة، أي عما تحيل إليه، لأنه هو موجد السيرة نفسها: المسرح الوطني الشعبي: أي العرض المسرحي الممتلئ بمقومات ما اختزن في الذاكرة/التراث. التراث من أجل الحاضر أي إعادة الحاضر بما يعني بمعنى آخر العرض Representation. والمسكوت عنه في هذا المقطع هو صاحب السيرة. * بعد هذه الملاحظات التوضيحية في كيفية رواية السيرة الذاتية للطيب الصديقي نتقدم في قراءتنا التأويلية من الافتراضات التالية: o نفترض أن العلاقة المشار إليها في السيرة الذاتية لمبدع ولتجربته المسرحية حيث نكون أمام "مسرح المثيل" "قائمة على الوجود الانساني المشروط بلحظة تاريخية معينة، وباطار اجتماعي يحدد شروط هذا الوجود وآفاقه" حيث لا تكون هناك أية أولوية مسبقة في عملية المعرفة لأن كلا من الذاتي والموضوعي يكون في حالة علاقة جدلية محكومة بالشروط الموضوعية المادية والتاريخية التي تتم فيها المماسرة وهذه الممارسة وهذه الممارسة هنا هي المعرفة لهذا نستطيع تلمس هذه العلاقة بين السيرة الذاتية والتجربة المسرحية للطيب الصديقي وبالتالي تعديل تصورنا لطبيعة هذه التجربة التي تنتمي للفن من حيث هو معرفة وادراك. o نفترض أننا في هذه المقاطع التي هي مقاطع من سيرة ذاتية امام مروي، وقد رأينا أنه محتوى السيرة حيث لاحظنا أنه يروي عن طريق راو آخر وهذا اسلوب يتضمن المزيد من الاثارة والتشويق، إلا أنه يعطي امكانية اكثر لقابلية التشخيص وهذا ما سبقت الاشارة إليه بقرب السيرة الذاتية من التأثير الدرامي إلا أن السيرة الذاتية المروية هنا هي إحالة، في المقام الأول للاجابة عن سؤال يتعلق بموضوع التجربة المسرحية للطيب الصديقي، كانه يرى او يستلهم هذا الجواب من سيرته الذاتية. 1. 2. o ربط سبب الاهتمام بالمسرح والافتتان به بالمصادفة وهي مصادفة تحيلنا كذلك إلى نوع من الانفلات من النية والقصد بل هي مصادفة تحيل إلى تلبية نداء وكأنه واجب وكأن هذا النداء يلح في الوفاء بالنذر ونعود هنا لذلك الطفل الذي كان في سن السادسة، وأقسم أن يصبح في يوم ما جزءا من شخصيات ساحة جامع الفنا التي هي المسرح الوطني. المصادفة إذن هي حالة التباس بين الرغبة والمنع الرغبة من حيث هي طموح ذاتي ونذر يقتضيه الواجب العلوي للوطن وهنا تحضر الإرادة العلوية بوصفها مصادفة لتلبية الدعوة على شكل استسلام وهو استسلام مزدوج يأتي متدرجا من الاب للإبن والعائلة كلها ويصبح المسرح هنا ليس مسرح المثيل بل هو شجرة النسب، نلاحظ هنا أن شجرة النسب تمس كل أفراد أسرة الصديقي من الأب صاحب إيقاظ السريرة إلى الإخوة والأخت.حيث تعطي للمسرح بعده الثقافي باعتباره قيمة ثقافية وحضارية وقد سبقت الاشارة في ادراجه كنوع من المعرفة في عملية الادراك أما الاستسلام فهو اعلان للدخول في التجربة المسرحية رغم وجود ما يبدو أنه يحول دون ذلك مانع الأب، الذي هو فقيه عالم وصاحب كتاب (ايقاظ السريرة) حيث يكون سبب هذا المنع هو معارضة ثقافة الاخر، الذي هو المستعمر. ونلاحظ في جدل الرغبة والمنع هذا لحظتين من عمر صاحب السيرة النذر في سن السادسة والاستشارة في سن السادسة عشرة ومن هذا الجدل يأتي مبرر المغامرة الذي هو كذلك وليد الصدفة: كما أن هذا التمرحل يحضر في سيرة الطيب الصديقي المسرحية من مسرح المعمورة إلى المسرح العمالي تم المسرح البلدي وأخيرا مسرح الناس وكل هذا مختصر في مسرح موكادور أي حضور الخاص في الإطار العام. اعلان الجرائد عن تدريب في فنون المسرح، وفي فترة اتخذت للراحة، وهي سنة التثقيف والتكوين الذاتيين، كأنها فسحة للقفز خطوة باتجاه الوفاء بالنذر الذي ليس إلا الرغبة الجموح. وهنا نلاحظ ان هذه الخطوة تتم بمنطق التثقيف والتكوين نفسه حيث يكون الاختيار هو الهندسة المسرحية وما يمكن أن يوحيه مصطلح "هندسة" من معاني البناء، بناء العرض كموقع للمتخيل. وعملية البناء دلالة صريحة على معانيها التي تؤخد في شرطها التاريخي مشارف الاستقلال استقلال المغرب(5) إذ تكون تلبية الدعوة هي استسلام لواجب تفرضه المرحلة التي سيدخلها المغرب، هي مرحلة البناء وإعادة البناء وهنا يلتقى استسلام الأب الممانع واستسلام الإبن للوفاء بالنذر وهو التقاء بين الديني والوطني اليس الأب فقيها وعالما حيث تكون الصيغة الملائمة لهذا الإلتقاء هي السلفية الوطنية ثم اليس المسرح قيمة ثقافية وحضارية مما يجعله أقرب إلى عالم الأب؟ والعثور على العلامة المميزة لمسرح الصديقي هي التراث العربي الإسلامي المقامات ابو حيان التوحيدي، انطلاقا من الفن بحيث تصبح هذه المرجعيات علامات تكرارية وأصلة. * هذا الافتراض يرجع بنا إلى الافتراض السابق وهو شرط الضمانة للدخول في التجربة حيث لا يتم الاستسلام الذي يمثل الوفاء بالنذر، اضافة إلى كونه يرقى لدى الأب إلى حد الواجب إلا من باب التسليم بالأمر الواقع، بل لامتلاك أمر هذا الدخول الذي هو هنا مفتاحه، فضلا عن الرغبة في ذلك اذ يكون هذا الامتلاك هو لغة الداعي وتصبح اللغة هنا إطارا للعيش في الراهن، بمعنى الحاضر وإعادة بنائه بمعنى من معاني العرض المسرحي/الفرجة. أي "مسكنه" على حد تعبير هيدجر، بدءا من لحظة وعي الانسان الذي يحقق وجوده، من خلال فهم التاريخ والفن حسب هذا الوعي، بما هو وعي جمالي، كما أن اللغة هي سكننا في الوجود! وفي هذا الإطار الواضح، نجد الصدفة مرة اخرى تلعب دورها، والمفهوم الذي نعطيه للصدفة هنا هو كونها حالة من حالات الفهم، البشري للظواهر** والظاهرة التي امامنا هي تجربة المبدع الطيب الصديقي وقد راينا انها لاتخرج عن كونها تجربة حياة الصديقي وقد رأينا انها لا تخرج عن كونها تجربة حياة وفي المثال التالي سيتضح دور الصدفة: "في اول تدريب لفن الدراما بالمعمورة بعد ما تكونت اول فرقة محترفة قام بدور حجا والذي كان يقوم به الممثل العربي الدغمي، حيث جاء هذا التعويض بعد مرض هذا الأخير…". وفي المقطع الثاني نجد دور الصدفة متمثلا في كونه الوحيد الذي كان يحسن اللغتين العربية والفرنسية وفي المقطع نفسه نجد أن صدفة كانت من وراء لعب دور جحا، وصدفة كونه الوحيد فيمن يحسن اللغة الفرنسية ستكون سببا في تقديمه من طرف هوبير HEBERT لجان فيلار مدير المسرح الوطني الشعبي بفرنسا. والذي يفتح له آفاق المسرح الشعبي في المغرب ساحة جامع الفنا حيث كان ذلك الطفل. إذن النذر والممانعة والصدفة لعبت جميعها دورها الأساسي في صوغ هذه التجربة المسرحية، بل هي أدوار التجربة ومراحلها التي أتت كعتبات لدخول رحاب المقدس الذي هو المسرح والمسرح بمعناه العام، حيث سنركز على الخشبة؛ بيت إلتقاء الأرواح في "العشاء الأخير"(6) ألا ننسى ان جان جونيه اشار إلى أننا في المسرح نكون مع الموتى وهو نفس ما ركز عليه ناودوش كانتور في مسرحه الموسوم بمسرح الموت. أي أننا نكون نقيم قداسا بمعنى من معاني الاحتفال عنذ أرابال، انطلاقا من نقطة بشبه جزيرة على المحيط الأطلسي(7) ما يهمنا في هذه النقطة التي على المحيط هو اسمها الأمازيغي تاصورت أي المدينة المطوقة بفضائها وأرواحها مرورا بساحة جامع الفنا بمراكشوفاس واسطنبول وتمبكتو، رجوعا الى نقطة شبه جزيرة موكادور أنها دائرة التجربة ومسار حياة متواصل(8). وكل هذه الترتيبات جاءت مفصلة في عرض مسرحية الشامات السبع وكأنها إعادة لتركيب السيرة الذاتية لمسرح المثيل الذي هو مسرح الطيب الصديقي. * نعود إلى ممانعة الأب: التي تصبح بعد تبين النذر والصدفة بوصفهما لحظتين فاصلتين وحاسمتين، مؤثرا في خوض التجربة التي هي حياة صبى: في السادسة من عمره يحسم في لحظة انبهار بنذر نفسه للخيال وفتى يافع في سن السادسة عشرة يحظى بما تمن عليه الصدفة كلحظة إشراق لإبراز الظاهرة رغم الممانعة التي هي ذريعة لحمل الأب للانفتاح أو الإيقاظ على ثقافة الآخر، والتي ستصبح هي ثقافة المثيل. والأب هنا ليس الا ذلك الفقيه والعالم صاحب كتاب "الإيقاظ" والإيقاظ يتعلق بالسريرة التي يرتبط بها معنى الاستشارة التي لم يمهلها النذر، والسريرة هنا هي ما خفي فيما تمتلئ به النفس ومكنون من مكنوناتها بل عجل بها وعجل في الوقت نفسه بوجود مسرح المثيل، الذي هو مسرح الطيب الصديقي الذي سيرتبط بالتوجيه العام للثقافة المغربية والا ما معنى ان تظل ثمانية قرون من التمرين اليومي لخمسة وعشرين مسرحا في ساحة جامع الفنا(9) وهي مكان النذر الول، وهذا الارتباط بين وجود مسرح المثيل وذريعة الاب التي نجدها في التقاء ممانعة هذا الفقيه السفلي، بما ارتبطت به السلفية المغربية بوصفها تيارا في الحركة الوطنية، حيث باركت هذه الحركة المسرح وانخرطت فيه، ونشير هنا لإشادة علماء المغرب بالحركة المسرحية في فترة العشرينات والثلاثينات والأربعينات من القرن الماضي من أمثال محمد القري المهدي المنيعي علال الفاسي المختار السوسي سيدي عبدالله كنون والمكي الناصري انتهاء بباحنيني، وهذا على الأقل ما يطلعنا عليه تاريخ المسرح المغربي في ارتباطه بمدارس النهضة وهي مدارس انشأتها الحركة الوطنية وفي ارتباطه بمحاولة محو كل ما يتم تعلمه في الغرب/ فرنسا حيث يكون التعلم/ التكوين ذا بعد تقني محض، وليس التشخيص المرتبط بالجسد والكيان المسكون بشطح دائم، ثم أليس الجسد هو مكان العبادة، بامتياز الوضوء الركوع السجود؟ كما اننا لا نعدم من أمثال ذلك في مواقع الاسلام الشعبي. وعملية المحو ونسيان ما تعلمه، هي وصية جان فيلار الأخيرة للطيب الصديقي إلا أن الطيب الصديقي يفضل أن يرويها لنا بلسان علم آخر من أعلام المسرح الفرنسي هو جاك كوبو الذي يعتبر المسرح قائما على الراوي، ويدعم قوله هذا بالاحالة إلى الفنان دى لاكروا، الذي سبق له أن رسم لوحات لوجوه مغربية وجزائرية وتونسية في زيارة لشمال افريقيا. ولعل هذه الاحالة تريد ابراز الاكتشاف السابق لفرجات جامع الفنا، واهمية الشخصية الوطنية التي لم ننتبه لها نحن ابناءها وهي حاضرة في النسق الثقافي العام بالمغرب. * الافتراض الاخير نصل فيه إلى تأويل فتوى الاب بتخصيص سنة للراحة، للتأمل ثم للتكوين والتثقيف اي الامتلاء، ثم وصية جان فيلار في لحظة وداعه الطيب الصديقي بعد انتهاء فترة التكوين التي جاءت بعد سنوات من سنة التأمل والتكوين والامتلاء، وهذا ما دعت إليه فتوى الأب بعد سنوات الدراسة في الثانوية الإسلامية. أليست هذه الدعوات إلى الإلتفات لما يجري حولنا؟ وهنا تحضرني حكاية الحكيم الصيني مع أبنائه الثلاثة واعتبرها مرتبة اخرى في تأويل مسرح المثيل. 1. o + تقول الحكاية: كان لحكيم صيني ثلاثة ابناء ذكور، واراد اختبارهم أيهم أصلح لائتمانه على اسرار المهنة فناداهم كل واحد على حدة، حيث كان يعرض عليه جرة، ويطلب منه صيانتها والاعتناء بها مدة اسبوع وفي نهاية الاسبوع يرجع اليه الجرة احسن مما اعطاها له الاب، حتى كان دور الابن الثالث الذي ما إن تسلم الجرة واستمع لشروط الاب، حتى نظر اليها جيدا فوجدها هي الجرة نفسها التي تسلمها اخواه، فرفعها إلى أعلى ورماها فانكسرت عندها ابتسم الأب وقال أنت من سألقنه أسرار الحكمة أي البدء من حيث يجب أن يكون البدء الفعلي. o نفترض ان المدة التي استغرقها الطيب الصديقي في التكوين والتأمل والتي هي فترة "التربص" حيث يستغرب بطريقة مسرحية من استعماله هذه اللفظة (الحوار الإذاعي(10)) ومعنى التربص فيه تحين الفرص بعد الاستعداد والتهيؤ وقد راينا انه تهيؤ ينطوي على نوع من الهيبة والخشوع للدخول في تجربة وهي لحظة شبيهة بلحظة المريد، وهذا ما يجعل الدهشة والتعجب يتبادران إلى الذهن كلما نطق بلفظ "التربص" إذ هو لفظ دال على حالة شعورية لما هو مقبل عليه بعد هذا التداعي في لاستطراد. نعود إلى الفترة التي استغرقها الطيب الصديقي في التهيؤ، وهي عشر سنوات من 1954 إلى 1964 باعتبار ان مسرح المثيل لم يكن الا في حدود سنة 1965، علما بأن كل اشتغالات الطيب الصديقي المسرحية السابقة لم تكن كل بلغته بل داخلة في صلب تهيؤه. وهنا نعود إلى المقطع الثالث من السيرة الذاتية وهذا المقطع فيما نرى حافل بما اعتبرناه نذرا وهذه التجربة هي تجربة المسرح الوطني الشعبي حيث سنلاحظ ان ما سيليها هو مجرد تنويع للتشخيص المغربي، والديكور والملابس وطريقة الالقاء كما ان سنة1964. هي سنة تكسير جرة جان فيلار بكل تبعاتها وهنا يلتقي ذو اللسانين – أو كما ينعته عبد الكبير الخطيبي في كتابه "عشق اللسانين amour billingue أو عاشق اللسانين" بلحظتي الممانعة والرغبة إذ ينتفي أي معنى للفرانكوفونية فيما يبدعه الطيب الصديقي بل هو انفلات من اللغة التي رأينا انها هي التجلي للعالم على حد قول هيدجر حيث تكون اللغة هي التي تتكلم من خلال الانسان وبذلك ينفتح الانسان على العالم خلال اللغة وبها، وهذا على الاقل ما تحمله مسرحية خلقنا لنتفاهم(11). اللغة بمعناها الواسع حيث ستلاحظ هنا كل منتقيات الصديقي في تأثيث العرض المسرحي هي من مفردات التراث الملابس الحركة والحروف والأسماء كإجابة عن الحاضر في محاورة الآخر. o وفي معنى تكسير الجرة نعود إلى اعلان الجرائد الوطنية سنة 1954 عن تدريب الفنون المسرحية وخصوصا فن الهندسة المسرحية، وقد كان هذا التدريب تحث اشراف اندري فوزان andre voisin الذي نجده في دراسة بعنوان "تجارب المسرح الشعبي في المغرب" يقترح نموذجا مخالفا للهندسة المسرحية والكتابة المسرحية، بما يساير تجارب المسرح الشعبي بالمغرب، وهو لا يوعز التجارب معه إلى مشكلة اللغة بل يربطه بتصور المغاربة للمسرح الذي يحمل اليهم(12) وإصرارهم على الإفصاح عن مسرحهم الذي يسكن وجدانهم الشعبي وينطق به. وهنا نستحضر تجربة مسرح البساط القائم على الحكمة مادام مسرحا فارقا بين مسرحيين على الأقل سيدي الكتفي ومسرح الكرنفال. o وتعليقا على هذا الاستشهاد نسوق تصريحا للطيب الصديقي يبرز فيه معنى النسيان والمحو، والتوجه نحو الامتلاك كما ان هذا التصريح يظهر طريقة اشتغاله المسرحي وكيف يتصور قيام مسرح وطني اذ لن تكون هذه الوطنية الا منطلقا نحو القومية وبالتالي العالمية الشيء الذي يجعل المسرح بالفعل مرتبطا بالتجربة الإنسانية وفي هذا الصدد يقول الطيب الصديقي: "نريد ان نؤسس تجمعا مسرحيا يعيش من اجل المسرح مستقيا طاقته الحيوية من اتصالانه الشعبية في الثقافة للمنشطين والشباب الذين تجمعهم هموم خدمة ثقافة الوطن وارادة التضحية روحا وجسدا من اجل المسرح حيث يتم تكوينهم على جميع المستويات بانتظام ولهذا الغرض لابد من منظورين هما الغوص في التقاليد الشعبية والانفتاح على التبادل مع الخارج… ولا يمكن للمغرب ان يكون بلدا مستوردا للثقافة فقط إذ من المحتم عليه ان يظهر ويفرض ثقافته في كل مكان حيث تتصادم الثقافات الوطنية على أن يتم ذلك بوسائله الخاصة(13). واخر تصريح للطيب الصديقي اشار فيه إلى السبق بالمعرفة المسرحية للعرب من خلال المقامات. اذن، اذا كان اندري فوزان قد اثبت تجربة المسرح الشعبي بالمغرب واعتباره مرجعا لكل المعايير المسرحية الأخرى، فإن الطيب الصديقي ذهب بعيدا في ترسيخ هذا المسرح واعطائه محتواه الوطني والقومي والانساني العام من تاريخ التجربة الثقافية بالمغرب ولم يتأت هذا الا بوازعين كما اسلفنا القول: وازع الأب الممانع في رغبة وطموح، وحمل الابن على اكتشاف المسارح الوطنية الشعبية بساحة جامع الفنا، ووازع الصدفة التي لعبت دورها في اثبات مسار تجربة مسرحية هي اخر الامر مسار سيرة ذاتية حيث كان مفعول تأثيرها الدرامي لصاحب السيرة الذي حددناه ب "مسرح المثيل". * بعد هذا التحديد نتساءل مرة اخرى عن علاقة الطيب الصديقي بساحة جامع الفنا، هذه العلاقة التي تنعكس على أعماله المسرحية كأنها وشم على جسده بما هو جسد مسرح المثيل وفي هذا المنحى نجده يؤكد هذه العلاقة مرة أخرى(14) وبالضبط في تقديمه لمسرحية (الشامات السبع)(15) حيث يعتبر هذا التقديم بمثابة سيرته الذاتية المتمثلة في شخصية يونس الرواية وهذا الاسم ينحث بقدسية تامة ارتباطه بنبي الله يونس من جهة وبما تمثله هذه الشخصية المقدسة في المتخيل الشعبي (قصته مع الحوت والبحر) الشيء الذي يضفي عليه بعدا اسطوريا. كما أن الوجدان الشعبي يضيف إلى هذه القصة الكثير ولعل هذا الترابط بين القدسية والأسطورية، جزء مما يفرضه الدور الذي تلعبه الأساطير في العالم اذ دونها سيصبح العالم في ضجر(16) وملل وما يحركنا في المسرح هو مقاومة هذا الملل. فكيف يتحقق ذلك؟ هذا ما سنحاول الاقتراب من جوابه فيما أنجزته دراماتورجيا متخيل "مسرح المثيل" في عرض مسرحية "الشامات السبع". ثانيا: دراماتورجيا المتخيل: الحكاية في المسرح. {الشامات السبع نموذجا، لبناء العرض المسرحي أو من السيرة الذاتية للطيب الصديقي إلى العرض} * يندمج الحاكي بالحكاية، وتندمج الحكاية بالحاكي..هكذا يتقدم عرض مسرحية الشامات السبع وبهذا يكون الطيب الصديقي قد أعلن عودة المسرح بكل قوة، لأن العرض المقدم يبرز مدى تمكن الطيب من ادواته خاصة فن الحكي، وفي هذا الصدد يعتبر الطيب الصديقي ان الراوي هو منطلق نشأة المسرح(17)، وهنا يمكننا اعتبار أن تناسل الحكي يأتي وفق سلسلة مشهدية عبر المحكي والمتخيل بما هما روح المسرح وفي جوهره، اذ يتجلى هذا بوضوح في عرض مسرحية الشامات السبع انطلاقا من الراهن راهن الواقع كلحظة تجعلنا في اطار العصر الذي نعيشه ونصادفه، علما بأن الطيب الصديقي ينزع في توجهه هذا من قولة مأثورة لجاك كوبو الذي ينظر إلى الراوي/ الحاكي ويعمل على الكشف والبحث عن المسرح داخل كل خباياه مع افراغه من كل بهرجة لمعرفة اكثر ولقاء امكن لفن الخشبة(18)، كما ان المسرح فسحة للخيال الذي يتداعى بايعاز من لحظة الراهن لبث لواعج اللحظة ذاتها (ما أنا إلا راو)(19) وبهذه العبارة يعلن الطيب الصديقي عن مسرحه والذي هو المسرح نفسه(20) وكأن هذا الاعلان هو بيان المسرح وصيغته التي تشمل العرض المقدم: يرحل يونس الراوي ويروي يونس الرحالة…: حكاية تتناسل من حكاية، سفر يؤدي إلى سفر، وفي كل سفرة تولد حكاية تحكي لتعاود ذاتها في الحكي وليس يونس الا راوية لما يرى ويعيش ومن ثمة يستأنف رحلته، والتي هي رحلة الحكي ليعيش، وبذلك تعود الليلة ليال للحكي بحيث لا تنتهي مادامت صاحبة الشامات السبع تتخفى وكأن اختفاؤها هو اختفاء لا يمكن الكشف عن اسراره الا بالحكي الشيء الذي يستدعي توالي الليالي وكأنه توال لعملية المحو، وكيف لليل ان ينمحي وطقوس الحكي لا تطاوعنا الا في الليل؟ ذلك ما علمتنا اياه شهرزاد التي اسعفها الحكي على الحياة، ومنحها نبضه لتستمر، ونفس الشيء يقوم به يونس الراوية، الذي يتعب من الحكي ولا يتعب مما تحمله اليه الاسفار، وكأن الرحلة هي الحياة نفسها مستأنفة بالحكي ومؤجلة للموت، مادام (مبدا الحكي الاسمى هو ارجاء الموت الخلاص)(21) هذا ما يجعلنا عرض الخالات السبع او البذور السبع للجمال نستحضره مادام يونس الراوي هو الذي يقوم بفعل الاستحضار هذا بدءا من ساحة جامع الفنا بمراكش حيث يغادر موقعه بحثا عن دنيا وربما قد تكون دنيا زاد أو شهرزاد أسماء تتنوع لأنثى ذات شامات سبع وفي هذا العدد يحضر التعداد والتنوع لدنيا، والتي تتحدد اكثر في صيغة النداء والتأوه: يا دنيا يا غرامي(22) وهو تعلق بالحنين النابع من لواعج القلب وبتكرار النداء ويافطته في دوران دائم وكأنه دوران الزمان في توالي الاسفار فيما يتستقبل من رحلات، الشيء الذي يترادف معه الحكي وكأن الرواية لا تكتمل إلا بالقدر الذي تمتلئ به راحة اليد لارتشاف المزيد من الجرعات من ماء نهر الغانج(23) وبهذا التوالي ندرك أن الحكايات التي يحملها العرض المسرحي تدل على أنها حكاية واحدة، مادامت الحكاية في أصلها وحدة وجوهرية إلا أنها وحدة خاضعة للتكرار وقابلة له(24) اضافة إلى كون رمزي في جوهره والرمز والشبه هو رسالة التكرار نفسه. ان الاختلاف يكون متضمنا في التكرار عبر التنكر ونظام الرمز(25) كما ان الحكاية لا تتأسس إلا عبر عود أبدي للذاكرة الأصلية للحكاية(26). وهذا ما يدفع الطيب الصديقي للاعتقاد به خاصة انه يؤشر عن بدء حكاياته وأساطيره بساحة جامع الفنا بمراكش بحثا عن دنيا الشامات السبع من فاس إلى اسطمبول، مرورا بالجزائر وتونس ومصر والعربية السعودية وبلدان الشرق الاوسط(27) انها اعلام جغرافية لمدن ذات ساحات عمومية حيث يكون منشأ الحكاية ومنطلقه للحكي، اذ يشابه عمل الطيب الصديقي هذا عمل الحريري في المقامات، ويتبع في ذلك الرحالة والجغرافيين العرب(28) وهذا البعد هو ما يعطي للحكاية قوة فعل التأسيس ويجعلها قضية وجود(29) أننا عندما شبهنا دنيا بشهرزاد لم نقم إلا بما يحمله عنصر الشبه القائم بين الشخصيتين في حكايات الشامات السبع والف ليلة وليلة وباستدعائهما للحكي كوسيلة للخلاص وبذلك ترتبط حياتهما بالوجود كقضية بواسطة الحكي المستعاد والذي هو وجود للحياة ذاتها اذ تقوم الحكاية كرمز، مادامت دلالة المراة هنا قائمة كدلالة للحياة، أما عنصر التنكر في هذا النظام فيؤول للرجل بدل المرأة اذ يحضر يونس الراوي الذي يجد ذريعة استبداله بشخص دنيا وهو المتعلق بهذا الاسم الخفي ويحمل مواصفاتها لنداء الغرام والحنين اللذان هما زاد الرحلة والسفر بحثا عن الخلاص والذي هو خلاص من الموت أو ما يقوم مقامه: النسيان والذي لا يكون إلا بالكلام وايجاد مقاماته والتي هي هنا مقامات المسرح وتاطيرات تسلسله وتسلسل هذه المقامات بتسلسل الحكايات وتوالدها وبذلك لا تكون الحكايات المقدمة شبيهة لبعضها البعض رغم تشابه الطريقة والأدوات المساعدة في تقديمها: الطبل العكازة وكأنها عصا التجوال والتي تدل على الحيوية والنشاط لما يستقبل من مشاق وهذه المستلزمات هي ما نجده مؤثثان في الحلقة باعتبارها مساحة فارغة لقول الحكاية اذ ترتبط الحلقة كمسرح الفرجة خاصة الساحات العمومية وهي هنا ساحة جامع الفنا وهذا التحديد هو الذي نجد الطيب الصديقي يعتمده عندما يصنف شخصيات هذه المسرحية، وهكذا يعتبر باقي الشخصيات الأخرى يشكلون حلقة صغيرة على أساس انهم متفرجون يتكونون من خيط الفرجة المقدم في العرض كما انهم يشاركون كممثلين ومغنيين وراقصين ووجوه مصورة لما يجرى من أحداث(30). * * * إذن يتأسس نص العرض المسرحي عند الطيب الصديقي من نص أصلي مكتوب يحمل في طياته كل تقنيات الاشتغال التي يعول عليها في بناء العرض المسرحي فضلا عن الاقتراح الدراماتورجي الذي يتضمنه النص الأصلي بحيث لا يطرح كاقتراح بل كبرنامج للعمل وهذه الخاصية في الاشتغال المسرحي هي التي تعطي قوة لكل العروض التي يتقدمها الطيب الصديقي، هذه الموضحات الإخراجية هي التي تجعلنا نكتشف سلطة الكاتب وصوته باعتبار أنه يرتب كل ادواته يشكل مساوق لتفكيره في الكتابة المسرحية ولا تأتي مسعفة بما يحمله النص الدرامي فقط لأنه هو الكاتب والممثل والمخرج أي أنه دراماتورج بكل ما تحمله الكلمة من معنى، رغم أن عملية الانتقاء من النص الأصلي أو ما يمكن أن ننعته بإعادة الكتابة، والتركيب المحتمل في التحديدات الدارماتورجية في بناء العروض المسرحية وهو ما يمارسه الطيب الصديقي في عمله هذا والذي يتجلى في عدم تقديم الأسفار الثمانية عشر الموجودة في النص الأصلي المكتوب، بل ركز فقط على ما يحمل عرضه ويجعله قابلا للمسرحة والتقديم، باعتباران النص المسرحي يتضمن عناصر كثيرة غير ادبية كما أنها ليست أدبا يمكن الاستمتاع به، الشيء الذي يفرض في الاشتغال الدراماتورجي عدم الاهتمام بالعناصر الأدبية إلا بالقدر الذي تسمح به استخراجات التأثيث ومعطيات الفضاء الدرامي وتحويل كل تلك المبثوتات لتصبح مرئية وهذا ما تقتضيه سينوغرافيا العرض وفضاؤه الذي هو فضاء اللعب متوخيا المتعة المسرحية في العرض وبما أن الطيب الصديقي هو المؤلف والمخرج في نفس الآن، فإن اشتغاله يتوزع إلى منحيين: منحى التأليف أي ما يحمل النص المرئي نصا دراميا ومنحى دراماتورجيا يثبت فيه عناصر الرؤية المسرحية، انطلاقا من الفضاء الدرامي والذي هو فضاء غير مرئي بناء على معطى فضاءات الخشبة والسينوغرافيا واللعب وهنا موقع المشاهدة وليس السماع فقط والذي ينفتح على محور القول المسرحي كقول للحكاية وحكاية للقول وهنا تشتغل عملية الانصات في حاسة السمع مادام العرض المقدم وهو عرض مستمد من نص مسرحي أصلي ينبني على اساطير وحكايات من المغرب ومن خلال ثمانية عشرة سفرة والتي هي كل ما يتضمنه النص الأصلي المكتوب ولم يحمل لنا العرض المسرحي المقدم إلا ثلاث عشرة سفرة منها وهي كل متن العرض ونصه. * * * * أول أداة للعرض المسرحي هي الراوي أو الراوية والذي يحدده الطيب الصديقي في شخصية يونس الراوي ثم مجموعة من الممثلين يتولون القيام بعدة ادوار ترتبط بالتعليق والتمثيل والغناء والرقص وملء الفضاء الذي هو الحلقة التي تتكون من خيط الفرجة بحيث تعتبر الحلقة الصغيرة منطلقا للعرض المسرحي باتجاه الحلقة الكبرى والتي لن تكون بالضرورة مكونة من جمهور القاعة او الخيمة في صيغة مسرح الناس أو المسرح الجوال للطيب الصديقي ولكن بما توحي به مرجعيتها الأساسية والمتمثلة في ساحة جامع الفنا التي تحدد المسرح الذي يمارسه الطيب الصديقي وبذلك فهو مدين لهذه الساحة التي كونت وتكون في مدرستها عددا من الممثلين والمنشطين(32). بالاضافة للسفر الذي هو ذريعة لقول الحكاية حيث يكون محمول الرحلة هو الحكايات والاساطير لأن(ما نتعلمه في السفر يصدر في جوهره عن الماضي)(33)، مما يتحول معه يونس الراوي إلى سندباد جوال يبحث عن المعرفة او يتصيدها من خلال الاسفار على حد قول عبد الفتاح كيليطو(34) وكل محمول هذا السندباد العكازة والطبل وعربة التجوال وكأن هذه العربة تقوم مقام الجراب بما هو الزاد أو صندوق العجب وهنا نرجع لاستعمالات السفر كما هي مستعارة من بديع الزمان الهمداني باعتباره (السفر) حفر عن كنوز الماضي كملاحظة حاضر العالم(35) وهذا ما يقوم به الطيب الصديقي بحيث أداة الطبل أداة للاعلان عن الحدث والدخول فيه وكأننا أمام طقس كناوي أبناء بمبارا الكويو في افتتاح الرحبة والذي هو مكان الليلة التي ستحتضن الحدث وتأثيثها بما يلزم من طقوس العادة مادامت كل حكاية تحددها سفرة من الاسفار الثلاث عشرة وهو ما يعني البحث عن فسحة وحيز مكاني لقول الحكاية، فيما يتحدد عنصر الزمان في السفر ذاته كمسافة وهذا ما جاء في تحديدات البدء والمنتهى من مراكش إلى الصويرة دون إغفال الشخصيات التي تستلزمها الوقائع والأحداث وهذه الشخصيات لا تحضر إلا من خلال تلفظات الحوار وبما يحمله منطوق النص المسرحي، الذي يفرض تسلسل مشاهده وكيفية انبنائها حيث يحضر التشخيص والتمثيل كفعل انجاز لحمولات الحوار وهذا ما يعطي للراوي قوة قول الحكاية وفي نفس الوقت يعطي للحكاية مستهل روايتها على لسان الراوي ولفظ الرواية هنا يعني واقعة تتلخص في ان ما يروي شيئا ما اذ يقصد بذلك عملية السرد نفسها(36) وهذا هو مبرر وجود المسرح وتحديدا عرض مسرحية الشامات السبع أو ما يمكن نعته بمسرح الطيب الصديقي والذي يريد من مسرحية الشامات السبع أو ما يمكن نعته بمسرح الطيب الصديقي والذي يريد من النص الحكائي المقدم الرواية التي تدل على تعاقب الوقائع حقيقية أو وهمية لتضمنها علاقات شتى تختص بالترابط والتقابل والتكرار(37) وفي هذا الصدد يقول الطيب الصديقي أن الفرجة هي التي يقدمها الراوي(38) والراوي الذي يقصد هو الراوي الشاعر لأنه من مجموع الرواة الشعراء الذين ينطلقون من ثقافة شعبية شفاهية جد واسعة(39) وهو يختار يونس الراوي للقيام بهذا الدور وهو دوره ويمثله الطيب الصديقي كما سبقت الاشارة مادامت صيغة الاخبار هي المجموعة المقدمة الينا في هذه الحكايات والأساطير التي تروى بذريعة أنها كل ما تقدمه الاسفار باعتبارها اكتشافات جديدة او ما أسفر عنه الحفر في الماضي لاكتشاف حاضر العالم ويستخدم الراوي صيغة الاخبار فهو يتكلم باسمه الشخصي ويغلب على كلامه طابع الموضوعية(40) وفي هذا الإطار يقول تودوروف أن كل محكي يركب عدة رؤى مرة واحدة كما توجد من ناحية اخرى عدة اشكال وسيطة ان الشخصية تناور مع نفسها وهي تروي(41) والشكل الوسيط الموظف في عرض مسرحية الشامات السبع هو الحلقة ومن يملأ هذه الحلقة الراوي وهذا الأخير هو ضمير المتكلم أنا والتي لا تعني الا الطيب الصديقي نفسه، وقد سبق لنا أن رأينا هذا في "مسرح المثيل" والحلقة هي المكان المفضل لإقامة المتخيل وتثبيته كانفتاح على العالم والواقع(42). بهذه الأدوات المسرحية يشتغل الطيب الصديقي ويبني دراماتورجيا متخيلة المسرحي انطلاقا من الفضاء الدرامي الذي يحمله النص المكتوب وكذلك في العرض المسرحي المقدم بناء على هذا الفضاء وانطلاقا منه، الشيء الذي جعله يعود إلى مبدا الحكي مما يجعلنا في صلب الخيال وكأنه الواقع حيث يتم تخيل اماكن واحداث من أجل اقامة وترتيب ليلة الحكي، وهذا ما تدل عليه عبارة "كان يا مكان" مما يفسح المجال للإبتعاد عن العالم الحاضر والملموس علما بأن هذه العبارة تدل على أن ما يحكى ليس من الواقع الذي نعرف ونعيش في شيء بل أنه سيأخذنا بعيدا عن الحاضر مثلما يقع لنا في السفر والذي هو قبل كل شيء حركة في الفضاء(43) لذلك تنتهي الحكايات بعبارة ثابتة أو حركات طقوسية تدل بشكل واضح على أن الخيال قد انتهى ونترك "المركبة" السحرية لنعود إلى العالم الحاضر(44) كما ان تأصيل هذه الأدوات في التجربة المسرحية للطيب الصديقي يرجع فيها إلى ساحة جامع الفنا بمراكش والتي اتسم مسرحه فيها بميسم المسرح الشعبي منذ سنة 1965 في مسرحية ديوان سيدي عبد الرحمن المجذوب اذ يؤكد بأن كل ابحاثنا حول النص او في موضوع لعب الممثلين أو بصدد الاخراج أو الديكور والملابس والتوابع يزكيها جامع الفنا منبعها الأصلي(45) وبارتباط هذه العناصر الاساسية لأي عملية ابداعية بالحكاية والراوي يتأسس مسرح الطيب الصديقي الذي هو مسرح (اللقاء بالناس) وقد سمح لنا عرض مسرحية الشامات السبع التعرف على هذه العناصر والتي نعتناها بالادوات المسرحية في اشتغالات الطيب الصديقي والتي هي ادوات (ترتوي من جذور شعبية) كما راينا وكما يصرح بذلك هو نفسه فضلا عما سمح لنا به النص المكتوب، والذي لم يكن منطلقنا في القراءة المقدمة، بقدر ما يساعدنا كوثيقة متبقية من العرض المسرحي وتدل على أثره وهي الأثر المتبقي منه بعد نفاذ العرض المسرحي كمشاهدة لحظية وفرجة مسرحية وما فضل بعد هو الخيال وانفتاحاته على الذاكرة كما ان النص لا يعني إلا تلك الحبكة Textuee أي تشابك خيوط… مما يدعوه التحليل النفسي بتشكيلات اللاوعي (الاحلام، الاساطير، الهوس، العقد… ويعطيها شكلا)(46) علما بأن مسألة الاعداد في الحكاية الشعبية(يستند فيها… على مجموعة من المعتقدات والتصورات التي يرجع بعضها إلى اصول بدائية قديمة)(47) وهذا ما يوضحه الطيب الصديقي في كتابته لهذا النص وكيفية بنائه كعرض مسرحي من خلال علاقات مع اشخاص عديدين من حيث استمع إلى مئات من الحكايات كما قرا حكايات اخرى وتشرب بحكيات وأساطير من ماء نهر الغانج)(48). * o دلالات العرض: إن أول دلالة هي العرض نفسه إذ يعتبر في مفهومه هو المتخيل الذي يتداعى فيه الخيال باستقطابات الفرجة وأدواتها والتي أشرنا إلى عناصرها المعتمدة في اشتغالات الطيب الصديقي الدرامية وكيف يفكر فيها انطلاقا من جذور شعبية مدعمة بتقنيات المسرح وانظمته العامة حيث لا يعني مفهوم العرض إلا اعادة الحاضر بتحديدات المصطلح الفرنسي Représentation وكأن الطيب الصديقي يهتدي في اعتباره هذا من التفكيك الذي يقوم به جاك ديريدا لنفس المصطلح غير ان الطيب الصديقي يعمق توجهه هذا بتراث الخيال العربي الاسلامي وكل رموزه، وهنا يحضر دائما الجاحظ كخلاصة لأربعة قرون من الثقافة العربية الاسلامية وكذلك يحضر ابو حيان التوحيدي في امتاعه ومؤاناساته والتي هي امتاع الليالي العربية مثلما تذهب إلى ذلك شهرزاد في الف ليلة وليلة ولعل هذا التوجه هو ما اعطى الالتفات لرسالة الغفران كما استوحاها عزالدين المدني وبنفس العمق والانشداد لهذا الخيال يحضر جلال الدين الرومي والبسطامي وابن عربي كنفس اخير في السفرة الثامنة عشرة للشامات السبع وعملية استرجاع الحاضر واعادة تقديمه كفرجة مسرحية تعيدنا لمفهوم الدراما في دلالتها الارسطية والتي لا تعني إلا الواقع وتماهيه بقدر ما هي استحضار لذات إلهية بمثابة بصيص الأمل لحقيقة الوظيفة التي أملت رقم سبعة والتي رأينا أنها تشير إلى دورة الحياة ومعنى التكامل وكأنه تكامل في اعادة بناء الحاضر بدءا من بناء العرض المسرحي، الذي رأينا أنه لا يعني إلا هذه الدلالة وبذلك يمكن أن نطابق بين العرض المسرحي مادام المسرح استعارة للحياة والوجود وهي نفس الدلالة التي تعطي للحكاية كقضية ووجود وهنا يحمل العرض معنى إعادة تشكيل الكون لياتي في حقيقته وهنا نعود لمعنى البناء النصي للعرض المسرحي بما يعني انه نسيج من نصوص أخرى والتي هي الحكاية التي تروى باعتبارها ليست لعبا بالكلمات بقدرما هي قضية وجود(49) إذ تأخذ معانيها باستعارات متولدة حسبما توحي به رموز ودلالات هذا العمل علما بأن الأرقام دلالتها الفردية والشخصية التي تحدد علاقتها من الجزء إلى الكل بشكل متداخل وفي تناغم هارموني(50) أي أنها تدل على الكيان والهوية الذاتية للاشخاص والطبيعة وما يمكن ان يتم بينها فضلا عن الدلالة المقدسة للرقم، لانها تكون بمثابة القوة الماسكة للاستمرارية الابدية للكون، كما ان الارقام قد ترتبط بالاشخاص ولكل منا رقم يرتبط باسمه او باسم عائلته رقم 1 يطابق الأحرف SJA ويمكننا ان نؤول بهذا الاعتبار علاقة يونس الراوي وبحسب التعبير الفرنسي حيث يتم التدليل على ذلك في ملفوظ العرض ومنطوق النص المسرحي للشامات السبع Jonas بالمؤلف المخرج الصديقي Saddiki ويمكننا باعتار اخر أن نأخذ اختفاء اسم المؤلف وراء الراوي يونس حسب التعبير الفرنسي younes(51) بالرقم سبعة كرقم يدل على السر الخفي وهو ما ينطبق على صفة دنيا أو ذات الشامات السبع ككناية عن الحسن والجمال حيث يطابق هذا الرقم حرف y(52) إن الغنى الدلالي للعرض المسرحي للشمات السبع يجعلنا لا نقف إلا على بعض المعاني التي يحملها هذا العرض وما يمكننا ادراكه في توالي سلسلته المشهدية إذ لا نقوم إلا بقراءة من موقع المشاهد العادي لهذا العرض وهذا ما يفرض علينا الانتقاء والعود المستمر للأثر المكتوب بالاضافة للأثر الذي تحدثه طبيعة الفرجة ومرجعياتها بما في ذلك موقع القارئ/ المشاهد في تلقائية وتداعي الذاكرة. * o دلالة الاسم: إن هذه الدلالة تكمن في عملية الاخفاء وكأنها بوح محظور ما دامت تدل على شخص كائن معين، وهو ما لاحظناه في تقنية الحكي والتي تقتضي التتابع والبناء الشيء الذي جعلها تتوارد في العرض المسرحي كما في النص مرتبطة بالسفر باعتباره(حركة في الفضاء) وهو ما أعطى لشخصية الراوي صفة السندباد، كما أن هذه الذريعة ترتبط بفترة زمانية هي تعاقب الليل والنهار في حكايات شهرزاد مع الف ليلة وليلة، ومع أبي حيان التوحيدي في الامتاع والمؤانسة ومن خلال تغيير المواقع وهي اماكن الحل والترحال، المدن مع بديع الزمان الهمداني في المقامات، ومع ابي العلا المعري في رسالة الغفران في الزمان مما يدفع للإعتقاد بأن الراوي يبحث عن مساحة لملئها بمحمول كلامه الذي الذي هو محمول الحكاية وبذلك يتم بناء هذه الحكايات المندمجة بالزمان والمكان من خلال ترهينات المسافة وهي كل الزمن المستغرق في تقديم العرض المسرحي الشيء الذي يجعل الحكاية تتكون أو تتناسل من حكيات أخرى رديفة تكمل ما سيلي من تفاصيل الحكاية وهو ما نعتناه باللغة الواصفة في النص والعرض وكذلك بما يصطلح عليه بالكرنوتوب وهو هنا كرونوتوب مغلق لأنه ينتهي من حيث يبدأ ويبدأ من حيث انتهى باعتبار أن كل نص/حكاية يتكون كوحدة اندماجية لعدد محدود من العناصر وهو ما يجعل حضور التكرار فيه شيء لا يمكن تفاديه(53) وضمن هذه اللعبة في الحكي والتي هي لعبة فرجوية أساسا اخفاء الاسم والذي هو اسم يدل فقط على قيام مبدا الحكي وتسلمه من الاخر الذي كان يحكي بدوره ويعيد تفاصيل الاحداث والوقائع ولا تكتمل خفائية الاسم إلا فيما يمكننا الاستدلال عليه ببعض المؤشرات التي يحملها العرض المسرحي الشامات السبع كعلامات وأولها صفة الشخص الذي هو ذات الحسن تعني الواقع وتماهيه بقدرها هي استحضار لاثاره، كما أن السفر كتقنية في السرد هو ذريعة للحفر عن كنوز الماضي لملاحظة الحاضر كما سبق واشرنا اضافة لكوننا في الادب العربي عامة لم نتجاوز بعد تراثنا(54) ودلالة السفر هنا واضحة كحفر أو كغاية لتصيد المعرفة خاصة وان هذه المعرفة يعبر عنها الطيب الصديقي بتمكنه من هذا الأدب نقصد التراث مادام هذا التمكن لا ينفصل عن الالفة مع النصوص وشخصيات. * أو ما يختصره النص والعرض في الشامات السبع، ولكن ككناية بحيث تقوم هذه الكناية مقام الاسم والذي رأينا الرقمين سبعة وواحد يدلان على مدى ارتباطه بالمتكلم المفترض في هذا العرض وهو افتراض مستوحى من توقعات الحكي ذاته مثلما كنا نتوقع من العرض ان يحمل توقيع صاحبه فإذا به يتقدم في اختفاء تام لسر تفصح عنه ذات الشامات السبع كدنيا للغرام، الذي لا يملأ هذه الدنيا فقط بل يجعلنا ننشد إليه بغرام اخر تحمله شاعرية اللغة، وكأن اللغة في هذا العرض هي الساحرة بغرامها في صيغة النداء. إذن الاسم يختفي وننتظر أن يأتي حسب ما يوحي به المنادي والذي هو يونس الراوي وكأن الشاعر هنا وبما هو راو يصير مناديا لكن المنادى عليه لا يأتي بل نذهب اليه وبهذه الكيفية يكون علينا التأهب للسفر، لأن ما كنا نتوقعه كأفق انتظار قد خاب وما تبقى لنا بعد ذلك إلا هذا التسلسل المشهدي وتعاقب الحكي الذي يحل محل المنادى عليه والذي يظل سجين غياهب ليالي الحكي وبين ثنايا طيات السفر ومقيدا بأدواته وبأدوات الحكي في آن واحد: العكازة والطبل مما يعطي لعجلات عربة الرواي دورانها الذي لا يتوقف إلا بتوقف استدارة الحلقة وهي الشكل المسرحي المقترح في هذه الفرجة، وكأن الطيب الصديقي يريد ان يذكرنا بفكرة تطور سلالة الاشكال المسرحية بما هي فكرة غير صائبة مادام الأمر يفترض تطور الأشكال التعبيرية مما يجعل عملية التطور هاته تنفتح على الجذور الشعبية في المسرح وهو ما تنبني عليه كل دارماتورجيات الطيب الصديقي والتي اشرنا اليها بدراماتورجيا المتخيل المسرحي ولعل هذه الصيغة المقترحة تساعد على التعبير عن واقع روحاني وثقافي مختلف عما هو معروف ومتداول في سلالة المسرح المغربي وبهذا التقدير تحضر دلالة الاسم في مسرح الطيب الصديقي والذي هو مسرح مغربي عربي بقوة السند التراثي الذي ينهل منه لبلوغ متخيل هذه الدراماتورحيا والذي يعيد في نظرنا تلك اللحمة الاجتماعية التي ينبغي أن تتأزر من خلال حدثها الاجتماعي ودلالتها التاريخية مادامت معبرة عن وعي أو لا وعي هذا الشعب، والذي يقرر شرعية مثل هذه الفرجات من خلال موافقاته ومصادقته على هذا المسرح وعلى هذا الواقع الوهمي الذي يجسده. الهوامش: 1. مجلة الآداب البيروتية العدد1/2 السنة 35 بتاريخ يناير مارس 1987، ص9. 2. مجلة أقلام العراقية العدد6 سنة 1980، ص7و8. 3. العربي الدغمي من الممثلين المسرحيين الأوائل بالمغرب وقد توفي (رحمه الله) سنة 1994 بالرباط. 4. جان فيلار، بالإضافة إلى كونه مديرا للمسرح الوطني الشعبي الفرنسي، فإنه من مؤسسي مهرجان آفينيون المسرحي، كما ان له مساهمة كبير الجمهور بالمسرح في فرنسا، الشيء الذي ساعده على تقديم نموذج عملي ومتقدم للجماعات المحلية بفرنسا وللمقاولات المسرحية التي تسعى الممثلين المسرحين المحترفين حيث افادت هذه الخبرة في نوعية العروض المسرحية المقدمة، وذلك تبعا النوعية الجمهور الفرنسي، الذي لم يعد ذا اعتاد ارتياد الفرجات العامة ويتمثل هذا الاجراء في تسعيرة العروض المسرحية ونوعية التعاقدات بين الشركات المسرحية والجماعات المحلية المسارح. وتتويجا لهذا المجهود كان السعي إلى التفكير في اقامة مهرجان افينيون بضواحي حي باريس. 5. وتتمثل تجربة الطيب الصديقي في مضمار استقطاب الجمهور للمسرح، في بداية ادارته للمسرح العمالي التابع للإتحاد المغربي للشغل، بعدها اذ بالدارالبيضاء. كانت تشرف عليه الجماعة الحضرية الجماعة الحضرية لهذه المدينة انذاك (…….. إلى ……….) وخلال هذه الفترة، كان مشروع مسرح… خيمة منتقلة لتقديم عروض مسرحية في الواسم والأسواق حيث كان التفكير كذلك في تنظيم المهرجان المسرحي الجزيرة بمدينة الصويرة. 6. تم استقلال المغرب سنة 1952 7. مسرحية (حفل عشاءle diner de gal'a) للطيب الصديقي وفيها يحكي عن هدم المسرح البلدي بالدارالبيضاء. 8. مسرحية الشامات السبع هي عبارة عن سيرة ذاتية للطيب الصديقي والمتمثلة في شخصية يونس الراوية ويعتمد في كتابة هذه المسرحة على ثمانية يقدم منها إلا ثلاثة عشر سطرا. 9. يمكننا اعتبار مسرحية الشامات السبع سيرة ذاتية للطيب الصديقي. 10. مساحة جامع الفنا ساحة عمومية توجد وسط مدينة مراكش وتعرف بوجود مجموعة من الحلقات الحلاقي تقدم بها فرجات مختلفة بحيث فرجة تنتمي لاحدى القبائل المغربية ويبلغ عدد الحلقات في اليوم اكثر من عشرين فرجة تقدم في مسار الطلق. وهذه الاستعارة التي يستوحيها الطيب الصديقي في حديثة عن هذه الساحة، حيث يسميها في تقديمه لمسرحية الشامات السبع. 11. حوار اذاعي في برنامج الريشة والقناع بثته الاذاعة الوطنية بالرباط ليلة الجمعة 15 اغسطس 1993. 12. مسرحية خلقنا لنتفاهم للطيب الصديقي قدمها سنة 1993 باللغة الفرنسية 13. اندري فوازان تجارب المسرح الشعبي في المغرب ص 49 14. الطيب الصديقي مجلة الزمان المغربي عدد السنة الثالثة ربيع سنة 15. المرة الأولى كانت في الاجابات التي قدمها عن اسئلة محاورية وهذه المرة قدمها على انها معلومات في تقديم مسرحية الشامات السبع 16. انظر مسرحية الشامات السبع للطيب الصديقي ص وما يعدها 17. نصر حامد ابو زيد اشكاليات القراءة واليات التأويل 18. تعتبر كل الأعمال التي قدمها الطيب الصديقي منذ سنة 1954 إلى سنة 1964 اعمالا مقتبسة أو مترجمة حيث عمل فيها أولا ممثلا أو ولم يستقل بتجربته المسرحية بوصفه مؤلفا ومخرجا وممثلا وسينوغرافيا الا بعد ان اصبح مديرا للمسرح البلدي بالدارالبيضاء سنة 1965 وهي الفترة بفنرة البحث في التمثيل والاداء والديكور والملابس والفضاء المسرحي الذي يستمد مقوماته من التقاليد الشعبية في فنون الفرجة الموسموة عنده بفنون إلا غرار ما ذهب اليه يوسف في الفرافير وعبد الرحمن عرنوس على مستوى اخر. 19. الطيب الصديقي مجلة البيروتية عدد 1/3 السنة الخامسة والثلاثون سنة 1987 ص 77. 20. الطيب الصديقي مسرحية الشامات السبع منشورات ايديف يوليوز 1991 21. سالم اكويندي الطيب الصديقي او مسرح المثيل مجلة فصول المجلد 14 العدد الأول ربيع 1995 ص 313. 22. فريد الزاهي المتخيل والحكاية ص 18 الطعة الأولى افريقيا الشرق سنة 1984 الدارالبيضاء. 23. الطيب الصديقي مسرحية الشامات السبع. 24. فريد الزاهي مرجع سابق ص 19. 25. عن فريد الزاهي. 26. الطيب الصديقي مرجع سابق. 27. عبد الفتاح كيلليطو المقامات ترجمة عبد الكبير الشرقاوي دار توبقال ط 1 الدارالبيضاء سنة 1993. 28. فريد الزاهي مرجع سابق. 29. الطيب الصديقي مرجع سابق. 30. الطيب الصديقي مقدمة النص المسرحي مرجع سابق ص 78. 31. عبد الفتاح كيليطو: المقامات ترجمة عبد الكبير الشرقاوي دار توبقال الطبعة الأولى: سنة 1993 الدارالبيضاء ص 15. 32. المرجع السابق ص 16. 33. إن ما يقدمه الطيب الصديقي في مسرحيته هاته يشبه إلى حد بعيد ما يقوم به بديع الزمان الهمداني، وكأنفس شخصيات المقامات أو بالاحرى ادوارها فالطيب هو ابو الفتح الذي ينيب عنه عيسى بن هشام، إلا أن الطيب ينيب عنه يونس الراوي الشخصية المتخيلة لحمل قول ضمير المتكلم انا، ونفس الملاحظة في لعب الادوار هاته نجده في ذكر المدن وهنا ابو الفتح يذكر مدينته الاسكندرية كما يذكر مدينته الاسكندرية كما يذكر الطيب مدينته الاسكندرية، كما يذكر الطيب مدينته الصويرة، بحيث يأتي ذكر هذه المدينة من قبل يونس الراوي وهو نفس الشيء معبديع الزمان الهمداني خاصة في رحلة العودة وكأنها حنين لمسقط الراس هذا والذي هو بمثابة الرحم الاول على حد تعبيرع كليطو.مرجع سابق ص 15. 34. عزة اغاملك تركيب المضمون الروائي الوحدات الروائية مجلة الفكر العربي المعاصر عدد 42 سنة 1986 ص 77. 35. الطيب الصديقي مجلة الادب البيروتية مرجع سابق ص 76. 36. الطيب الصديقي مقدمة مسرحية الشامات السبع. 37. تودورف شعرية النثر ترجمة احمد المديني. 38. سالم اكويندي مسرح المثيل مجلة المجلد 14 الأول ربيع 1995ص 313. 39. الطيب الصديقي مقدمة مسرحية الشامات السبع. 40. عبد الفتاح كيليطو المقامات مرجع سابق 11. 41. الطيب الصديقي مجلة الأداب البيروتية مرجع سابق ص 78 كل ما هو موضوع بين قوسين(مأخوذ من المرجع السابق). 42. ماري زيادة التحليل النفسي والخطاب الأدبي مجلة الفكر العربي المعاصر عدد 42 سنة 1986 ص 90. 43. محمد عمر الطالب اثر البيئة في الحكاية الشعبية العراقية الموسوعة الصغيرة ص 45 سنة 1981 44. الطيب الصديقي مقدمة مسرحية الشامات السبع مرجع سابق. 45. انظر عبد الفتاح كيليطو المقامات ص 16 مرجع سابق. 46. ص 71. 47. عبد الفتاح كيليطو المقامات مرجع سابق ص 16. 48. ص 363. 49. الطيب الصديقي مسرحية الشامات السبع مرجع سابق ص 94. 50. محمد عمر الطالب مرجع سابق ص 46. 51. فريد الزاهي مرجع سابق ص 24. 52. بياركافافاجيو معجم الخرافات مرجع سابق. 53. الطيب الصديقي المسرحية مرجع سابق ص 17. 54. بيار كافا فاجيو مرجع سابق ص 196