أثناء تنصيب الرئيس الأمريكي جو بايدن تحدث في خطابه قائلا "الديمقراطية شيء جميل لكنه أمر هش"، أكيد أننا جميعنا نحب الديمقراطية ومخرجاتها إذا كنا نؤمن فعلا بقيم العدالة والإنصاف والمساواة بين الجميع. لكن التحدي الأساسي الذي تواجهه الديمقراطية هي مدى التأثير والتأثر لدى الفئات الواسعة من المواطنين والشعوب في ممارستها ومفهوم الإرادة السليمة لها، وكيف يمكن أن نجعل الديمقراطية تعبيرا حقيقيا عن الإرادة الذاتية وليست تبريرا لإرادة غير ذاتية خاضعة لإكراهات قد تجعلك تتخلى عن مبادئ وأخلاق جامعة بسبب هشاشتها، وكما قال الفيلسوف جون جاك روسو "رصيد الديمقراطية الحقيقي ليس في صناديق الانتخابات فحسب, بل في وعي الناس". فهل يمكن أن تكون سلطة الديمقراطية أسمى من سلطة الأخلاق والقيم؟ ومن يصنع الآخر؛ هل الديمقراطية من تصنع الأخلاق والقيم؟ أم أن الأخلاق والقيم هي من تصنع الديمقراطية؟ وهل يمكن لهذه الأخلاق والقيم أن تخضع لرحمة الديمقراطية؟ والأكثر من ذلك أن مجالات الممارسة في الحياة السياسية تتخللها تداخلات وتباينات تفرض التمييز بينها، كأن نقول مثلا أن السياسة لا تخضع للأخلاق، أو أن القانون هو جاء لينظم أحوال البشر لا أن يحمي الأخلاق، وغيرها من المقولات التي تناقش بأبعاد جدلية في الأنساق الاجتماعية التي بنت منظومتها على الدين أو الأخلاق والقيم وتطارحت فيها الفلسلفة. فيمكن القول أن الديمقراطية ليست هدفا في حد ذاتها بل هي وسيلة وأداة لتحقيق هدف ما، وربما قد لا يكون هذا الهدف أخلاقيا بالضرورة لكن من الممكن أن يجمع عليه الأغلبية بتأثير غير مباشر من أقلية، وقد يؤثر شخص واحد في الأغلبية بسبب موقف أو كلام أو سلوك أو أن الجماعة هي في الأصل لا تؤمن إلا بسلطة الديمقراطية البراغماتية. كما أن الديمقراطية قد تجبرك أيضا على سماع أي شيء ومن أي أحد حتى المجنون أو الأحمق باعتبار الحرية التي يكفلها إذا استلهمنا روح هذه القيمة، كما أنها قد تجبرك أيضا على التزامها ليس فقط في لحظات الانتصار لكن أيضا في لحظات الهزائم. نقطة الانعطاف في هذا وذاك وهو كيف لنا أن نحتج إذا تم خرق قيمة من القيم أو خلق من الأخلاق في ظل ممارسة ديمقراطية سليمة؟ فهل ستتحول هذه الممارسة إلى مقدس يجب ألا ندنسه حتى ولو تدنست الأصول الصالحة التي ننتمي إليها، لتتحول إلى أصل تجاري فاسد؟ لذلك يجب أن نجعل للديمقراطية أسسا وأركانا لا يمكن تشكلها إلا بها حتى نسمي ما يمكن ممارسته بها ويستقيم الفعل عندنا بأنه ديمقراطي، فلا يمكن أن نسمي القرارات التي تكون خاضعة لضغوط خارجية أو غير نابعة من إرادة ذاتية أنها إفرازات ديمقراطية، بل يمكن وسمها بالسلبقراطية، كونها أولا مسلوبة الإرادة ولا تملك قرارها الفعلي بل إن قرارها من جهة ثانية مسلوب أيضا، فلا يمكنها الإقرار ولا يمكنها الرفض بل مفروض عليها أن تبرر ما لا يخضع لميزان التبرير والذي كان في مرتبة المقدس في حالة الإرادة الذاتية السليمة.