يشكل الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على صحرائه حدثا سياسيا واستراتجيا مهما ،وانتصارا ديبلوماسيا عظيما ،لكونه سيحلحل مسار قضية وحدتنا الترابية، ويخرجها من حالة التراخي الذي عرفته زهاء ثلاثة عقود ، في دهاليز الأممالمتحدة وأدخلها في حالة الجمود لاسيما بعد استقالة المبعوث الأممي الأخير. والجدير بالذكر أن الدبلوماسية المغربية المحنكة والرشيدة هيئت لهذا القرار السياسي الكبير من خلال اشتغلها بطريقة متوازية على محاور مختلفة: – المحور الافريقي لاسيما بعد العودة التاريخية للمغرب إلى أحضان الاتحاد الافريقي ، ونسج علاقات صداقة تقوم على التبادلية في المصالح بين دول جنوب / جنوب ،أسفر عن فتح العديد من القنصليات الافريقية بالأقاليم الجنوبية. – المحور الأمريكي اللاثنيني: حيث تنشط بقوة الجبهة الانفصالية للبوليساريو، نظرا لوجود دول كانت تابعة للمعسكر الشرقي سابقا إبان الحرب الباردة، وتبعا للتغيرات الجيواستراتجية الجديدة ،فقد تغيرت الأوضاع في كثير من هذه الدول التي منها من سحب اعترافه بالكيان الوهمي. – المحور الأروبي والقصد هنا دول الاتحاد الأوروبي والذي ما فتئ يجدد اتفاقياته الاقتصادية مع المغرب ذات الصلة بالأقاليم الجنوبية، بما فيها انجلترا التي غادرته مؤخرا بعد التوقيع على البريكست. وأيضا الاشتغال على محاور أخرى أهمها محوري روسيا والصين اللتان لم تصوتا ضد التمديد لبعثة المينورسو في أكتوبر الماضي بمجلس الأمن. فما هي إذن دلالات الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على صحرائه مؤخرا؟ وما هي انعكاساتها على الاتجاه بقضية الصحراء المغربية نحو الحل النهائي الدائم والشامل والعادل. أولى الدلالات تتجلى في قوة الموقف الأمريكي الشمولي، والذي يترجم هذا الاعتراف إلى تبني صريح لخيار الحكم الذاتي الذي قدمه المغرب منذ سنوات، في إطار مايسمى بتقرير المصير، بعدما تبين أن إجراء الاستفتاء أمر متعذر التحقق لاستحالة تطبيقه ، ثم ترجمة هذا الموقف إلى كسب ديبلوماسي بفتح قنصلية أمريكية بالداخلة ،الشئ الذي سيمهد لاعترافات دولية أخرى بسيادة المغرب على صحراىه ، ولعل حذف حلف النيتو للخط الفاصل مابين المغرب وبينها لإشارة قوية على ذلك. إلزام الدولة الراعية للجبهة الانفصالية ألا وهي الجزائر بالادعان للمبادرة المغربية المتمثلة في الحكم الذاتي لاسيما بعد القرارين الأممين 24.40 ، 24.44 الصادرين سنة 2018 ، ودحض ما تقوم به من مناورات لصالح هذا الطرح ، لاسيما ادعائها أن المغرب بلد محتل وهذا مخالف لمقتضيات معاهدة جنيف الرابعة لسنة 1949 ، والتي تصنف "البلد المحتل" بذلك الذي اعتدى على دولة قائمة وانتزع منها جزءا من أراضيها على إثر نزاع مسلح ،في حين أن الكيان الوهمي ليس دولة ذات سيادة توجد على قائمة الأممالمتحدة ،عدا أن القبائل الصحراوية تجمعهم مع السلاطين العلويين بيعات تاريخية وانخرطوا في معارك التحرير لمقاومة المحتليين من الشمال إلى الجنوب، وحتى الأممالمتحدة فهي تصف المغرب بالسلطة الادراية القائمة في الصحراء الغربية وهذا ينفي جملة وتفصيلا مزاعم الدولة الجزائرية. انتصار صارخ للمقاربات التي استطاع من خلالها المغرب النهوض بأقاليمه الصحرواية ،تنمويا وانسانيا، حيث تشهد هذه الأقاليم اقلاعا اقتصاديا هاما ومنتوعا، و هذا ما جعل كل مقدراتها الاقتصادية في خدمة تنميتها المستدامة، إضافة إلى قيام أبنائها بتدبير شؤونهم المحلية و الخاصة عبر انخراطهم في مختلف المؤسسات والهيئات سواء كانت رسمية أو شعبية، وتصديهم للدفاع عن مغربية الصحراء ، وانفتاحهم على الأطراف الخارجية داخل المنتظمات الدولية لتفنيد مزاعم الانفصاليين بوجود خروقات لحقوق الإنسان بأقاليمينا الجنوبية . وأخيرا فان هذا القرار هو جاء لانقاذ مصير منطقة استراتيجية من القوى العابثة باستقرارها، و التي تفتح المجال لحالة الفوضى ودعم كيانات صغيرة تابعة، تهدد أمنها و تسمح بالقيام بأنشطة محضورة دوليا كالهجرة السرية والاتجار بالبشر، وتجارة الأسلحة ودعم التيارات الارهابية الهاربة من الشرق الأوسط إلى منطقة الصحراء الكبرى والساحل. لقد كانت للأزمة الأخيرة التي افتعلتها البوليساريو بالكركرات والتدخل الموفق للمغرب في حسمها، وعدم ترك المجال للانفصاليين بالعبث بمصالحه وشركائه في المنطقة، دورا كبيرا للتعجيل بهذا الاعتراف الأمريكي التاريخي ، والذي سيخرج هذه القضية من عنق الزجاجة وسينتصر للعدالة التاريخية والمجالية وللروابط الانسانية والوجدانية والروحية التي تجمع مابين جميع أبناء هذا الوطن من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه ،وسيفتح للمنطقة برمتها بناء هوامش كبرى من التعاون والعمل المشترك على أساس قاعدة رابح رابح ،لاسيما وفق المتغيرات الجديدة التي أملتها وستمليها مستقبلا جائحة كوفيد 19.