الهجمة الشرسة التي تقوم بها فرنسا على الإسلام تتواصل من خلال الحملة الكبيرة التي تلت الجريمة التي قام بها الشاب الشيشاني في حقّ المدرس الفرنسي الذي أساء إلى الإسلام من خلال نشر رسوم مسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، وما تبع هذه الأحداث من توتّر شديد بين فرنسا والعالم الإسلامي، وما خلفه تعنّت الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وإصراره على محاربة الإسلام من جميع زواياه ومقاطعة بعض الدول والشعوب المنتجات الفرنسية وما تبع ذلك من حملات على مواقع التواصل الاجتماعي ودعوات ملحّة لدعم هذه المقاطعة لأن الرئيس الفرنسي لم يتراجع ولم يعتذر من المسلمين صراحة بل واصل هجومه على المسلمين والمساجد في فرنسا. وها هو اليوم يطلق حملة على المساجد بدعوى محاربة الانفصال الإسلاموي وهي كلمة غير دقيقة للتعبير عن الإرهاب الذي يمارسه بعض المنتمين للإسلام، والإسلام منهم براء، فلماذا يكون المسجد أو الجامع هو المكان المستهدف بينما كان ينبغي عليه أن يحارب الفكر المتطرف لا المبنى القائم لكي يغلقه أمام المصلين الذين تعوّدوا على أداء خمس صلوات فيه، مما يؤجج حركة المسلمين في فرنسا ويشعل الاحتجاجات من جديد ويذكي روح الخلاف والصراع والتمييز بين المسلمين وغيرهم وتصوير جميع المسلمين وكأنهم إرهابيون، بينما تمارسه فئة قليلة في العالم لا يعدّون مسلمين في الحقيقة وإنما جاء انتسابهم للإسلام بناء على إرث توارثوه أو اسم سجّلوه أو دين اعتنقوه خطأً. كيف تكون الحملة على المساجد وهي بيوت الله تؤدَّى فيها العبادة التي فرضها الله تعالى على المسلمين وعلى كل من بلغ الحُلُم، وكيف تُغلق بيوت الله والله تعالى يقول: "وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عظيمٌ" فمن يحارب الله في بيوته يعلن الله تعالى الحرب عليه ويُخزيه في الدنيا والآخرة، فلا ذنب لهذه البيوت التي شُيّدت لإقامة الصلوات فيها بما يفعله بعض الناس الذين استهواهم الإرهاب وجنون الاعتداء على الأبرياء. ولا شكّ أن هذه الحملة لن تبلغ هدفها حتى وإن أُغلقت المساجد التي يريد ماكرون غلقها، لأن الأمر غير مرتبط بالمساجد نفسها بل بالفكر والعقل والمنطق والحضارة وغيرها من المقومات الإنسانية التي تبني الأجيال على أسس من الفكر السليم الخالي من التطرف والتزمت والانغلاق، ما ينبغي أن يفعله ماكرون اليوم هو عقد مؤتمرات لتبيين سماحة الإسلام ووسطيّته وقدرته على التعايش مع أي كيان معارض له في الفكر، ومحاولة إيجاد حلول واقعيّة تمس الشباب ونشر الفكر الايديولوجي الصحيح، وفي الوقت نفسه يعمل على إنشاء قوانين تحترم الأديان والأنبياء، فمحمد صلى الله عليه وسلم كموسى وعيسى وغيرهم من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام جاؤوا مرسلين من الله تعالى لتقويم البشر وتصحيح عقائدهم من عقيدة التثليث إلى عقيدة التوحيد، وجاؤوا لينشروا السلام والوئام والأمان وينبذوا كل اعتداء بغير وجه حق. ما يفعله ماكرون خطأ استراتيجي سيأتي بنتائج عكسية على المدى القريب والبعيد ويفتح بابًا كان مغلقا، فقد كانت فرنسا دومًا تحتضن الإرهاب والإرهابيين في وقت كانت تعبث بالشعوب في شمال افريقيا قتلًا وتعذيبًا واسترقاقًا دون حساب ولا عقاب ولا تشنيعٍ من وسائل الإعلام ولا من وسائل التواصل الاجتماعي، في وقت كان العالم يهيم في سماوات العداوات الظاهرة والباطنة ويبيح لنفسه العبث بالبشر والشجر والحجر، ومازال الصهاينة إلى اليوم يفعلون ذلك دون أدنى تدخّل من العالم الأممي الذي يدّعي العدالة ويتحدث دائمّا وكأنه مدافعٌ عن الشعوب المقهورة بينما هو في حقيقة الأمر تكريس واضح لفكر الإرهاب الإنساني أو بالأحرى الإرهاب العبثي بالبشر. فكيف لماكرون أن ينعم بالأمن في بلاده وهو يحارب تسعة ملايين مسلم يقيمون في فرنسا، أرادوا أن يقيموا صلواتهم في المساجد، فيأتي هو ليُغلقها عنوة في وجوههم بدعوى محاربة الإرهاب، فكيف سيتحرك المسلمون في فرنسا لمواجهة الصلف الماكروني والتعنّت الرئاسي في بلد الحرية والثقافة، في عاصمة النور كما يسميها البعض، أَمَا بعْدَ النور ظلامٌ وظُلمٌ وظُلمات، فالآية الكريمة وضّحت أن من يفعل ذلك ظالمٌ، وحُقّ عليه العذاب، واستوجب أن يتحمّل ماكرون سيّئات ما يقوم به من عمل جبان في حقّ بيوت شُيّدتْ ورُفعت ليذكر فيها اسم الله تعالى مهما كان الهدف. فأنت أيها الرئيس الفرنسي حارب الإرهاب ولا تحارب المساجد فإنّك لا تقوى على الصّمود لأنك تحاربُ منْ بِيَدِهِ القُوّةُ كُلُّها.