حينما توفي عالم من العلماء رغب الكثيرون في أن يحلوا محله، ويشغلوا المنصب الذي كان يشغله بالمجلس العلمي، فانطلق السباق الذي استخدم فيه كل متسابق ما له من إمكانات ومهارات.. تسلح بعضهم بشهاداته ومؤلفاته ومقالاته العلمية.. واعتمد بعضهم جميل علاقاته بالمقربين من دوائر القرار.. وأخرج آخرون دفاتر الشيكات والأقلام الفاخرة متأهبين لكتابة أي رقم سحري يفتح الباب ويرفع الحجاب.. وأبرز آخرون ما أستحيي عن ذكره في هذا المقال.. سألت صديقي وأنا أتابع ذاك السباق الذي وظف فيه كل متسابق أسلحته: بم يصبح الناسُ أعضاء في مجالس العلماء؟ ما المعايير الحاسمة في ذلك؟ نظر إليّ، وابتسم ابتسامة الخبير، ثم قال: "يصبحون أعضاء بالسمن والعسل". وانفجرنا ضاحكيْن من هذا الجواب ولسان حالنا ينطق بقول الشاعر الحكيم: كم ذا بمصر من المضحكات ولكنه ضحك كالبكا وليس ما وقع بعد وفاة ذاك العالم سوى مثال ما ينفك يتجدد يوما غِبَّ يوم..في هذه المؤسسة أو تلك..في هذه المباراة أو غيرها.. يُعلن عن مباراة هنا أو هناك، فيبدأ السباق، ويستعد المتسابقون..فيهم صاحب الكفاءة، وفيهم غير ذلك. ومن حق الجميع أن يحلم بالمنصب، وللمشرفين على المباراة سلطة الحكم بين المتبارين. كن عالما أو غير عالم..صاحب شهادات أو بلا شهادة..ذا مؤلفات أو محترف كلام وعلاقات و"عناقات"..فلن تُقبل إلا إذا رضيت عنك لجنة خبيرة شكلها خبير أو مجموعة خبراء، وهي لجنة قد لا يُرضيها منك الشهادة والكفاءة والعلم، بقدر ما ترضيها منك جوانب أخرى خفية لا يراها إلا المشرفون على المنصب المتبارى عليه !! ومن حق اللجنة طبعا أن تختار من تشاء، وتمنح المنصب من تشاء، وتنزعه ممن تشاء..ولكن من حق الناس جميعا – من يحلم منهم بالمنصب ومن لا يحلم – أن يعرفوا طبيعة المعايير التي على أساسها اختير زيد من الناس أو عمرو، وفضلت حسناء أو هيفاء. نعم، إن من شأن إعلان المعايير أن يخرج بالأمور من الظلام إلى النور، ومن الاحتيال إلى الشفافية، ومن الزبونية إلى الاستحقاق. إعلان المعايير خطوة ضرورية في سبيل التقدم الذي نتكلم عنه، والتغيير الذي نقدم أنفسنا للعالم بوصفنا من محبيه والساعين لتحقيقه. سألني صديقي ونحن نستمتع بمشهد الغروب في مقهى قريب من الشاطئ: هل من خبر عن المباراة التي قدمت طلبا لاجتيازها؟ فقلت وقد انثال على ذهني ما حدث بعد وفاة ذاك العالم: لقد أخطأت إذ قدمت ذاك الطلب، ولن أكرر الخطأ ما لم تحل المعايير الموضوعية محل السمن والعسل.