مرت أسابيع على طرح مبادرة النقد والتقييم، سواء من أجل مناقشتها وتداولها بين المناضلين لإبداء الرأي واتخاذ الموقف، أو بتقديمها للهيئات التنظيمية المسؤولة قصد الاطلاع عليها واتخاذ القرار المناسب. وتلقينا خلال هذه المدة سيلا من ردود الأفعال ما بين مشجع ومترددومحذر و ناقم بل ومخون. عدد مهم من المناضلين تبنى الوثيقة ودافع عنها ووقع عليها، رغم أن بعضهم لديه ملاحظات جزئية ولكن لا تخلو أي وثيقة من مواطن الخلاف. ولهؤلاء وحدهم الحق في القول بأنها ملك لهم جميعا، لأن صياغة أية وثيقة في العالم لا يمكن أن يقوم بها جمع كثير،ولكنها تصير معبرة عن كل من يتبناها بعد الاقتراح والصدور. أما آخرون فكانت لديهم تحفظات حول الشكل والتوقيت والصيغة والمسطرة المتبعة، وهم أحرار في إبداء رأيهم، ولكن لم تكن الوثيقة لتصدر لو خضعت لشرط اتفاق الجميع على كل الخطوات، لأنها أصلا ليست ملزمة إلا لمن يوافق عليها. والبعض الآخر رفض مضمونها وعبر عن ذلك وهذا مما لا ينازع فيه أحد. ذهب البعض الاخر في تحفظاته إلى التشكيك والتجريح والبحث عن خبايا الجهات المغرضة التي تحرك المؤامرة وتريد نسف الحزب وتعطيل الاستعداد للمعركة الانتخابية، وتساءل بعضهم عن مصادر التمويل(هكذا)، وكأننا أمام حملة إعلامية تحتاج إلى أموال. لهؤلاء نقول: "إذا كانت هذه طريقتكم في التعبير عن غيرتكم على المشروع، بالطعن في النوايا وتخوين المواقف، والتحذير من مخاطر المؤامرات، فإننا اخترنا أن نعبر عن غيرتنا وحرصنا بالتنبيه إلى مواطن الخلل، وعدم السكوت على مظاهر الضعف، والدعوة إلى تدارك الأخطاء، وليس بالتغاضي عن نقد الذات والاختباء وراء الأعداء الوهميين. في حين أصر البعض على ضرورة انسحاب لجنة التنسيق من المشهد، وعدم احتكارها الكلام نيابة عن عموم الموقعين، والواقع أن اللجنة كانت توضح ملابسات صياغة الوثيقة، ولم تكن تناقش مضمون الوثيقة ولا مخرجاتها. ولا يحق لأحد أن يمنعها من الكلام بصفتها تلك، لأنها لا تدعي تمثيل أحد. اما آخرون اختاروا تبخيس المبادرة بالنظر إلى حجم الموقعين ونوعيتهم ومدى القوة التي يمثلونها، وهذه علامة انحراف كبير عن مبادئ الحزب الذي لم يكن قط حزب لوبيات وطوائف تتصارع بمنطق التغلب والقوة، فقد تعلمنا فيه أن رجاحة الرأي وصوابه لا تتعلق بالموقع التنظيمي و لا الاجتماعي و لا القوة العددية للمعبرين عنه، وإنما بما يحمله من وجاهة و سداد وفق معايير المصلحة الراجحة. فوجئنا مؤخرا بقصاصات صحفية تتحدث عن موقف غير رسمي للأمانة العامة رفضت فيه مقترحات مكتب المجلس الوطني بعقد لقاء اللجنة السياسية للتداول في الوثيقة. وترافق ذلك بخروج البعض بتدوينات يدعو فيها لجنة التنسيق إلى حل نفسها بدعوى أن المبادرة ملك للجميع وأن الرسالة وصلت وأن النقاش سيبقى مفتوحا في كل الهيئات والمناسبات(هكذا). ولنا الحق في التساؤل المشروع بعد كل هذا: هل أصبحت هذه اللجنة تمثل عبئا على أحد؟ وهل عرقلت مناقشة الوثيقة؟ أو قررت في شأن مآلها؟ أو طالبت بتعامل خاص مع أشخاصها؟ لكي تصبح هي العائق الذي ينبغي إزالته؟ أليست هذه الإشارات نوعا من التعويم اللفظي لنية إقبار المبادرة بكلام فضفاض يتحدث عن مشاركة الجميع ومسؤولية كل الهيئات وعبر كل الأزمان؟ ألم يكن نص الوثيقة واضحا في ربط التقويم والمراجعة بمحطة الانتخابات المقبلة وضرورة توحيد الصفوف على أساس مصارحة جماعية تعالج الاختلالات في أوانها؟ وكيف تحولت الوثيقة في نظر البعض إلى مجرد ورقة إضافية في الأرشيف النظري والأدبي للحزب سوف يستأنس بها عند الضرورة التي لا يعرف أحد وقتها؟ هل من قدر الأحزاب السياسية ببلدنا ألا تفكر إلا بمنطق الإكراهات وموازين القوى والتكيف المستمر مع منعرجات الواقع دون قدرة على الاستماع إلى أصوات الاعتراض والتحذير قبل فوات الفرص بدل الإغراق في توهيم الذات بأن كل شيء بخير إلى أن يكشف الواقع حجم الخراب. نتمنى ألا تكون هذه الإشارات علامة على الرغبة في الالتفاف على المبادرة وطيها، بعد الاطمئنان إلى أن أصحابها لن يكونوا مصدر إزعاج أو ضغط. في جميع الحالات، ومهما كانت ردود الفعل تجاه المبادرة، فلسان حالنا يقول: "سنواصل إن شاء الله…نعم سنواصل" قال الله تعالى:{ وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْوَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ}النحل: 91.