تعدد الحركات الإسلامية مرجعه الرئيس طبيعة فهمها للإسلام، ومقاربتها المعتمدة في تنزيله وإعادته للحياة العامة بعد أن عطله الاستعمار، وحصره في الأحوال الشخصية لا غير. فهم ومقاربة كل حركة إسلامية للإسلام هما المحددان الرئيسييان لمسارها، ولمدة بقائها، وللنتائج التي تحققها، ولإمكانية الاتحاد أو التحالف مع غيرها من الحركات. المسجل تاريخيا أن من استطاعت من تلك الحركات البقاء والاستمرار في الوجود هي من كانت أصوب فهما لطبيعة الدين الإسلامي كما هو، وأكثرها استيعابا واستلهاما للدروس من السيرة النبوية ومحطاتها المفصلية، وأعمقها دراية بالواقع الذي تعيش فيه، وبالفرص والتهديدات المحيطة برسالتها، وأحرصها تطبيقا لمنهجه ولتعاليمه فرديا وجماعيا، وأكثرها واقعية في تحديد الأهداف، وأحسنها أخذا بالأسباب الفردية والجماعية. بعض هذه الحركات في مقاربتها لتنزيل الإسلام تنهل من فقه مرحلة الدولة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم حيث تم التمكين لعقيدة الإسلام وأحكامه بسلطة سياسية حامية انضوى تحتها الجميع في المدينةالمنورة، فلا تزال – أي الحركات- تسقط أحكام هذه المرحلة من السيرة النبوية على واقعها، وتعتمد آليات هذه المرحلة في تحركها، كأن السلطة السياسية للإسلام (عروة الحكم ) لا تزال قائمة ولم يسقطها الاستعمار؛ فخرجت من رحمها اتجاهات نصبت نفسها قاضية على الناس والمجتمعات الإسلامية بناء على أحكام الإسلام التي سنت بعد قيام الدولة الإسلامية؛ وأخرى اعتمدت العنف وسيلة في تنزيل الإسلام والتمكين له. بعضها الآخر اعتمد فقه مرحلة الدعوة في تنزيل الإسلام؛ فأجل اضطرارا التعامل مع بعض الأحكام الشرعية المشروطة بوجود سلطة سياسية إسلامية إلى حين قيام هذه االسلطة ( الخلافة)؛ واعتمد الوسيلة الديمقراطية سلما للوصول لهذا الهدف. البعض الآخر اعتبر نفسه مكونا من مكونات مجتمع متعدد المشارب والهويات، ورضي بالعيش على المشترك، وضمن قوانين مدنية لكن في إطار سلطة سياسية منتخبة، وقبل بهامش الوجود الممكن أملا في الحفاظ على الدعوة، والتمكن من نشرها معتمدا فقه مرحلة الدعوة من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم إسوة بطريقته صلى الله عليه وسلم بعد هجرته من مكة إلى المدينة (قبل قيام الدولة الإسلامية ) في ما تضمنته الوثيقة المدنية الشهيرة " وثيقة المدينة" من عمل مشترك بين المسلمين واليهود والمشركين تمثل في الاتفاق على الدفاع المشترك على المدينة ضد قريش التي قررت غزوها. الحركات الإسلامية بين هذين الفقهين: فقه مرحلة الدعوة، وفقه مرحلة الدولة تفرقت بها السبل والوسائل على الرغم من وحدة الهدف، وحصل التآكل الداخلي بينها؛ مما مكن أعداءها من ضرب بعضها ببعض ولم تصل إلى هدفها المشترك. الأخذ بفقه مرحلة الدعوة وأحكامها، وطريقة الرسول صلى الله عليه وسلم في التنزيل خلال هذه المرحلة أنسب للدعوة الإسلامية في عصرنا، وأكثر ضمانا في السير. أخذُ العبرةِ من الجزء " كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة" من الآية الكريمة 77 من سورة النساء، والعمل على المشترك مع الخصوم، والوضوح المستمرفي الأهداف، والانسجام مع المبادئ والقيم، واعتماد الوسائل الديمقراطية، وعدم الاستعجال؛ كلها معالم في الطريق السليم.