ونحن على مشارف الولاية التشريعية الثالثة بعد دستور 2011، لا تبدو هناك نيّة لتفعيل الفصول المتعلقة بمغاربة العالم، ولا سيما الفصل السابع عشر الذي ينصّ بصريح العبارة على المشاركة والتمثيلية السياسيتيْن لهم. ويقضي الفصل 17 بأن "يتمتع المغاربة المقيمون في الخارج بحقوق المواطنة الكاملة، بما فيها حق التصويت والترشيح في الانتخابات. ويمكنهم تقديم ترشيحاتهم للانتخابات على مستوى اللوائح والدوائر الانتخابية. ويحدد القانون المعايير الخاصة بالأهلية للانتخاب وحالات التنافي. كما يحدد شروط الممارسة الفعلية لحق التصويت والترشيح، انطلاقا من بلدان الإقامة". وفي الوقت الذي كان يطمح فيه نشطاء الهجرة ومعهم عموم مغاربة العالم إلى تنزيل القوانين التنظيمية لهذه الفصول الدستورية بعد نضال مستمر في الزمان والمكان، يخرج علينا الشرعي بمقال يتحدث فيه عن ازدواجية الجنسية ومناصب المسؤولية، وهي في الحقيقة خرجة صحفية تهدف إلى تهريب النقاش وتحويره وذلك لتبرير استمرار سياسة الأبواب الموصدة في وجه خمسة ملايين مواطن مغربي وعدم تمكينهم من ممارسة حقهم الديموقراطي والمساهمة في بناء التطور السياسي والتقدم الاقتصادي لوطنهم الأم. نحن واعون تماما بالظرفية الدقيقة التي تمر منها البلاد بسبب الوضع الاجتماعي المحتقن جراء تفشي جائحة كورونا. فاقتصادنا في مهب الريح، والقرارات السياسية للحكومة الحالية لا تستند إلى قراءة ملموسة للواقع، كما أنها لا تستشرف المستقبل بتطلّع مدروس. وقبل كل هذا، نحن واعون بالصعوبات اللوجستيكية لإحداث دوائر انتخابية في أكثر من مئة بلد حيث يقيم مغاربة العالم بالإضافة إلى الوضع الاقتصادي الذي يفرض نفسه حاليا، ويلزم تدابير احترازية من تقشف وترشيد في النفقات العامة. غير أنّ التفريط في ثروة بشرية هائلة، مادية ولا مادية، الوطن في أمس الحاجة إليها الآن وأكثر من أيّ وقت مضى، يعتبر تعنتا غير مفهوم وغير مقبول من طرف المسؤولين. وحيث إنه لا يختلف اثنان على أنّ تركيبة الهجرة حاليا مختلفة تماما عن هجرة العمال في بداية الستينيات، إذْ نتوفر بعد أكثر من نصف قرن من الهجرة على عدد لا يحصى من النخب والكفاءات والأطر في مختلف المجالات والميادين. وتمثل المرأة في مجتمع الهجرة نصف عدد سكانه، وهي بذلك تلعب دورا حاسما في تهيئة النشء، علاوة على أدوارها الطلائعية على المستويات التربوية والاجتماعية والعلمية والاقتصادية والسياسية في بلدان الإقامة. المغرب اليوم في حاجة إلى جاليته بالخارج، وهي في حاجة إليه. ومتانة العلاقة بينهما لا ينال منها تكدّر عابر أو ضجيج مفتعل. الوشائج وطيدة بينهما ومتجذرة لا تضيرها جنسية مكتسبة - لزوم الإقامة المريحة - ولا تقلبات في الوضعية الإدارية. كما أنّ إشراك مغاربة العالم في المساهمة البناءة في بلورة نموذج تنموي واعد للبلاد، واضعين خلاصات التجارب والأفكار والتصورات، صار ضرورة قصوى خلال فترة ما بعد الجائحة. ثم إنّ الجالية تحتكم في مطلبها الأساسي والمشروع إلى أسمى وثيقة تجمع المواطنين بوطنهم، الدستور بفصوله الأربعة 16، 17، 18 و163 والمتعلقة بمغاربة العالم. وعلى الحكومة الحالية أن تتبنى مطلب هذه الشريحة المغيبة من المواطنين وتعيد إليهم حقا مصادرا منذ التجربة الانتخابية اليتيمة لهم في منتصف الثمانينات. وماذا تنتظر لاتخاذ الإجراءات والتدابير الضرورية لإدماج ممثلين شرعيين عن مغاربة العالم في مجلسيْ البرلمان؟ إدماج فعلي يشجع على العطاء، بما يستلزم ذلك من تغطية تكاليف التنقل والمبيت لحضور اجتماعات اللجان والجلسات العامة. حتى ولو كانت التمثيلية رمزية في حدود 13 برلمانية وبرلماني، وهو رقم الجهة الثالثة عشر، جهة مغاربة العالم. هؤلاء تدمج الأحزاب بعضهم في اللوائح الوطنية بمجلس النواب ضمن لائحة جهوية خاصة بمغاربة العالم، على أن يتم انتخاب الباقي من الفاعلين من المجتمع المدني بمجلس المستشارين. كما يمكن ضم البرلمانيين ال13 من المجلسيْن في مجلس وطني للجالية تؤخذ استشاراته بعين الاعتبار. على أن تخضع هذه التجربة لتقييم الحصيلة مستقبلا، في انفتاح كامل على تجارب بلدان لها نفس الخصائص في مجال الهجرة. فالأهم الآن، هو أن لا تخلف الحكومة موعدا ديموقراطيا آخر مع مغاربة العالم.