كثيرة هي المشاكل الزوجية وحالات الطلاق بين الزوجين التي كان سببها الرئيس المعلومات الخاطئة لدى المرأة عن الرجل أو العكس، أوانعدام هذه المعلومات أصلا سواء تعلق الأمر بتعريف أحدهما للآخروجوديا، أو الجهل بالطرق المناسبة لتعامل كل طرف مع الطرف الآخر حسب "الميزات" (Options) الوجودية لكل واحد منهما. قد يقضي العديد من الأزواج عمرا مديدا بينهم، ولا يصل أحدهما إلى معرفة الكينونة الوجودية للآخر؛ إنما يسقط عليه تصوره نحوه، وتمثلات المجتمع إزاءه، ويصر على أن يسلخه من جلدته الفطرية. الرجل يريد من المرأة أن تكون رجلا ، والمرأة تريد من الرجل أن يكون امرأة دون أن يرفع أحدهما هذا الشعار علنا ووعيا؛ كما أن تمثلات المجتمع عن كل واحد منهما، وعن الزواج تخيم على تصوريهما، وطريقة تفاعلهما مع بعض طيلة حياتهما. المرأة فطريا تتمتع بفائض من العاطفة والتفكير العاطفي تستلزمهما وظيفتها الطبيعية باعتبارها أما؛ كما أن هذه الوظيفة تستلزم ترتيبات بيولوجية للقيام بها من استعدادات عضوية وهرمونية تنعكس آثارها على سير العديد من الأجهزة كالجهاز التناسلي، والجهاز الهضمي، والجهازالعظمي، والجهاز البولي، والجهاز التنفسي: من عادة شهرية، وتقيؤ، وحرقة البول، وهشاشة العظام، وضيق في التنفس، وفقر الدم، وآلام البطن والظهر والثدي والفخذ؛ علاوة على التغيرات النفسية المرافقة لمراحل الحيض، وللفترات الأولى من الحمل من توتر وعصبية يؤديان إلى اتخاذ بعض التصرفات والقرارات الخاطئة ( لذلك ولغيره حرم الإسلام الطلاق في فترتي الحيض والنفاس) خاصة عند الفتيات اللاتي لم تتزوجن بعد؛ مع الميل إلى العزلة، والبكاء لأتفه الأسباب، وذلك بسب عدم توازن هرموني الإستروجين والبروجسترون خلال الدورة الشهرية. الرجل بدوره يعرف تغيرات بيولوجية خاصة في مرحلة المراهقة من نضج الجهاز التناسلي، وتوسع المنكبين (في مقابل توسع الحوض عند الإناث)، وخشونة الصوت، وظهور شعر العانة والوجه ....الخ. على المستويات النفسية والعاطفية والعقلية تظهرالرغبة لديه في إثبات الذات، ويشتد الحماس لذلك من خلال النزوع نحو الاستقلالية أكثر، والحساسية المفرطة للتعامل معه كطفل، أو باللغة والأساليب المعهودة في الطفولة، والحدة في الطبع، والأنانية والفردية، والرغبة في السيطرة، وبدء الميل نحو الجنس الآخر، وردات الفعل المزاجية، مع إمكانية ظهور الانعزالية لدى البعض من المراهقين؛ هذا علاوة على ظهور اهتمامات فلسفية وفكرية - لم تكن محط اهتمامه في مرحلة الطفولة- تجعل المراهق يعيد النظر في كل شيء، وتعتبر أساس تشكيل هويته ونظرته للكون والحياة. هذا هو الرجل وتلك هي المرأة طبيعيا، وتلك هي ملفات النظام ( fichiers systeme ) الخاصة بكل واحد منهما ( بلغة الإعلاميات): نقطة ضعف أحدهما هي مجال قوة الآخر؛ وبذلك يشكلان معا لبنة متكاملة لاحتضان مولود جديد، وتنشئته بشكل متوازن؛ وكل تبادل للأدوار مصيره الفشل لكونه يواجه الفطرة والطبيعة؛ ولا قِبَل للإنسان بذلك. على المستوى الاجتماعي يشرع الزوجان في زواجهما وهما منتوجا تنشئتين اجتماعيتين مختلفتين: أهداف وأولويات مختلفة، طرق تواصل مختلفة، طرق تفكير مختلفة، طرق تدبيروتدخل مختلفة، مستوى تحمل مختلف، درجة حساسية مختلفة، طباع مختلفة، عادات مختلفة، أذواق محتلفة، طرق تأديب مختلفة، طرق تحفيز شبه منعدمة، ثقافة اجتماعية مختلفة وتصورات عن الزواج مختلفة وأحيانا مستويات اجتماعية متباعدة، لكن أغلبها عندنا تحمل فكرة الصراع بين الزوجين على التحكم والقيادة بنية تحويل أحدهما الآخر إلى ضفته والتحكم فيه؛ عوض التعاون والتكامل والتقارب، والبحث عن المشترك، واعتماد الإطار المرجعي الموحد. كما تحمل (أي الثقافة الاجتماعية) أيضا تصو را غير نسبي عن خيرية كل واحد من الزوجين: فتتصور الزوجة الزوج قبل الزواج مَلَكاً لا يلحق ولن يلحق بها إلا الخير وبدون انقطاع، ويتصور الزوج زوجة من الحور العين اللواتي لا شغل لهن إلا إذابة أنفسهن لإسعاد الأزواج مدى الحياة؛ وهو التصور نفسه الذي تروجه بعض الكتب للأسف مما يجعل المتزوج أو المتزوجة يشعر وكأنه أساء الاختيار حين لا يجد هذه الصورة الملائكية عن شريكه ( وقد أدى ذلك للطلاق عند الكثيرين في السنوات الأولى من الزواج على وجه الخصوص)؛ وذلك بدلاً من الاعتقاد بأنهما معا بشر يحسن ويسيء، يصيب ويخطئ، يظلم ويعدل، يقوى ويضعف، يغضب ويهدأ، يرتقي ويسقط، يطيع ويذنب؛ إلا أن المطلوب أن يغلب خير كل واحد منهما شره في المجمل ولو كانت نسبة الخير %51. كما تحمل تلك الثقافة أولوية للعوامل المادية من دخل مادي ومستوى معيشي، ووضع اجتماعي على حساب المبادئ والقيم التي ترتب الإنسان حسب مبادئه، ودرجة رقيه الأخلاقي ، ونضجه الوجداني، وموضوعيته ونزاهته، وعفته، ومنهجه العقلاني في التفكير، وخدمته لللصالح العام. من جانبها تعمل أسر الأزواج أو الزوجات جلها على تغذية هذه الصراع بتوجيهاتها الرامية إلى الإبقاء على سيطرتها على ابنهما أو ابنتهما، وتحكمهما في المشهد الزوجي الجديد بما يضمن سيادة أسرة على أخرى، وثقافة اجتماعية على أخرى، ومصالح مادية ومعنوية لجهة على أخرى.... هكذا في الغالب الأعم يلج الزوجان الحياة الزوجية، وهكذا يتم تأطير باقي تفاصيلها من علاقات مادية، والقيام على أشغال البيت، والسهر على تربية الأبناء فتنقطع في النهاية العلاقة بالطلاق نتيجة التوتر المزمن، أو تستمر المعركة مدى الحياة مع طلاق لا شعوري بين الزوجين يكبح الإفصاحَ عنه الخوفُ على الأبناء، أو ضيق ذات اليد، أو طبيعة العمل....أو..... لكنه سرعان ما ينفجر الوضع كلما زال السبب المانع؛ لذلك نجد البعض لجأ للطلاق أو الخلع بعد التقاعد، والبعض الآخر بمجرد تغيير منصبه ودخله المادي و... و....الخ. الصخور في الوادي أصلها خشنة، لكنها بالاحتكاك الذي تفرضه عجلة المياه تصبح ملساء مع الزمن، ولا ترفض إحداها أن تتغير وتطالب الباقي بالتغيير؛ بل يتغير الجمبع لتسهل الحركة للجميع، ولا عيب في ذلك مادام الهدف نبيلا. لذلك لا يصلح حال الزوجين ما لم يحتكما إلى إطار مرجعي موحد يؤطر سلوكهما معا، مع الاعتقاد بنسبية خيرية الآخر وقبوله والصبر الجميل على عثراته؛ وما لم ويكن الهدف تهييء عش تربوي صحي يضمن النمو السليم نفسيا وعقليا وجسميا للنشء القادم، ويُسْهِمُ في تحقيق المودة والرحمة بين الطرفين في نهاية المطاف مقصدِ الزواج الشرعي في الإسلام؛ مع تحميل الزوج المسؤولية الأكبر في استقرارالسفينة الزوجية للأسباب أعلاه مادامت النوايا حسنة، وما لم تحصل كبيرة الخيانة فقط. الانسجام بين الزوجين نتيجة وليس مقدمة. ركن التعارف مطلوب بين الزوجين مجددا إذن.