بعد تقديم العرض الأولي في الموضوع من المبحث الاول، نوالي تتميم الحديث والمتابعة الموضوعية من المبحث الموالي المبحث الثاني : رغم طي الانسان من عصر الفضاء، عصورا وحقبا تاريخية بينه وبين العصر الحجري، إلا أن المادة الحجرية التي استعملها انسان العصر الحجري، لازالت صالحة للاستعمال والانتاجية والمتابعة العلمية عند انسان عصر الفضاء . الانسان والحجر القمري : لا أدل على ذلك، من خطى الانسان خطواته الأولى من الفضاء على سطح كوكب القمر، حين صعوده على متن المركبة الفضائية " أبولو" من كوكب الارض، ومن ذاكرة الرواد وأولوية عملهم واهتمامهم أن يجلبوا الى الارض دليلا من الرحلة يتجلى أثرا ماديا ملموسا للإنسانية من الصخور القمرية، وهي مادة حجرية ناصعة البياض من الكوكب القمري، الذي يدور حول كوكب الارض، دورات سنوية من يوم فضائي، إذ يشع من ضيائها نورا، ويملأ الفضاء نظرة وسرورا . وتسمى تلك الاحجار بالصخور القمرية، أو احجار مركبة أبولو القمرية، من رحلتها العلمية نحو الفضاء من وجهه الوضاء، الذي يتواصل منه مع كوكب الارض، أما وجهه المغيب فهو فضاء الارض . وتشكل أحجار مركبة ابولو القمرية حجر الاس من الاساس في الرحلات العلمية من الارض نحو الفضاء، ومن الوقت ذاته تطورت رؤية الانسان من الارض الى القمر من مدار الفضاء الشفاف، الى خطى ملموسة على ارضية الواقع من السطح القمري . وإن تتواصل الكواكب بأنوارها مع الارض من مدارها، فطوبى لكوكب القمر الذي وصلته الحياة من كوكب الارض، وهو رضي عليها من سطحها وفضائها. لكن كم الزمن الفضائي الذي يفصل بين العصر الحجري من كوكب الارض، والصخور القمرية من وصولها الى سطح الارض ويبقى الزمن، ان الانسان وصل الى الصخور القمرية عن طريق العلم، بعد تسخيره تقنيا وآليا للوصول الى سطح القمر، ومن تم جلب الصخور القمرية للأبحاث العلمية. بينما احجار السطح من كوكب الأرض، وصل اليها الانسان من اطوار حياته وكينونة وجوده، كائنا حيا على السطح الفضائي، إذ حين استكملت طبقات الارض تكوينها من السطح والفضاء، بدأت تتكون عليها احياؤها، منها من وقع تحت الارض، كأحياء التي سبقت زمانها من العصر المعدني، الغائرة تحت السطح والقرينة أحياء الفضاء البحري من البرية، ومنها من يتحرك على سطحها، كأحياء العصر الفضائي، من مدار شمسي، قمري على وجه الارض . والآلة الحجرية الجاري بها العمل من الوجهة الصناعية، تنسب الى العصر الذي صنعت فيه، ومن الوجهة المادية، تنسب الى التضاريس الطبيعية من السطح الذي توجد فيه . والبشرية حين تتحدث عن بداية حضارتها من الارض، تربط ذلك بالزمن المعرفي واستعمال الحجارة، كأداة عمل من أداوت الانتاج تعود من العصر الى العصر الحجري من مادته، وإن يستمر الانسان في التطور من عصور الحضارة، فإنه لا يستغني عن العمل بالحجارة من اوجه متعددة، وعهد أن وصل الانسان من علم وجهد عمل الى سطح القمر، لم يأتي بشيء من الفضاء غير احجار الصخور القمرية . والأحجار في هذا الباب منها من يصلح للصناعة، ومنها من يصلح للعلم، لاستمرار تطور معارف الانسان، من الاشياء موضوع اهتمام العقل البشري . آليات العصر الحجري : من الآليات التي تنسب في عصر الصناعة الآلية والميكانيكية والحديدية والالكترونية، الى العصر الحجري، الآليات التي تعتمد في تركيبتها على المادة الحجرية، والتي حافظت على دورتها العملية وصلاحيتها الانتاجية، من مسايرتها تحولات العصور من التطور والمواكبة والمحافظة على صيرورة المادة الى العصر، وخاصيتها من الاستعمال والاستمرارية . والآلة الحجرية هي التي تستمد تشكل هيئتها العامة من المادة الحجرية، القابلة للاستعمال وتوفير الخدمات من موقع الآلة العتيقة، لم يفقدها التطور من الوسط المادي والبشري صلاحية الاستعمال من العصر، ولو من مرجعية العصر الحجري، عصر ارتباط الانسان بالأرض من المادة الحجرية . التدوير الصناعي بالآليات الحجرية : بعد بداية التاريخ، عرف الانسان منه العصر الحجري، الذي ينسب الى بنية القشرة الارضية أولا، وكذا استخدام الانسان الحجر في بناء الحضارة ثانيا . ذلك ما تجلى في نحت نماذج عمرانية من المدن في الصخور الجبلية كحضارة البطريق من وادي الروم، ومدائن صالح من شبه الجزيرة العربية، وأهرامات مصر من الحضارة الفرعونية، والتماثيل البشرية من حضارة الهند الصينية . وفي بلاد المغرب التي توجد بها بقايا مآثر، ذات ابنية من أعمدة رخامية، وتماثيل تجسم الشخصية البشرية من عهد الحقبة الرومانية فإن الوسط السكاني بالعالم القروي، يحافظ ويشتغل من آليات عمل ومركبات انتاج حجرية، تشكل دواليب نشاط صناعي يعود الى مجتمع العصر الزراعي، من آليات العصر الحجري، سايرت بها العصور وواكبت التطور، من الاستعمال والصلاحية للخدمة، التي لازال العمل جاري بها من الوسط الاجتماعي . ومن هذا الباب نتحدث عن آليات حجرية نشيطة الاستخدام انتقلت بخدماتها من العصر الحجري الى العصر الزراعي، ثم العصر الصناعي، من وجهتين قروية، وحضرية : وجهة الوسط القروي : انتقلت هاته الآليات من عامل التطور والاستغناء الحضري بالمدينة، الى ترحيل خدماتها نحو العالم القروي، وتتمثل في الترتيب التالي : رحى المعاصر الزيتية : هي آلة حجرية تدار بالحصان الطبيعي لطحن حبوب الزيتون، وتحويل عجين الطحن بالضغط لاستخلاص السائل الزيتي من الثفل عن طريق التصفية، وفرز المادة الزيتية، التي تستعمل في التغذية، والانارة الليلية عهد استخدام القناديل الزيتية، بينما يستعمل الثفل في مواقد الخدمات العمومية بالمدن الحضرية . وتنسب الى المعاصر التقليدية انتاجية زيت الزيتون، التي تدار بالحصان دوران عود على بدء، ومنه يطلق عليها من اللسان العام اسم زيت العود، بينما الزيت التي تحضر بمحك يد ربة البيت، من قصع الخشب أو الطين، فإنها تحمل اسم هرونة، نسبة الى الخليفة الرشيد من عهد اميرة الاندلس خيرونة . المطحنة الحجرية : هي رحى حجرية خاصة بإنتاج الدقيق، تدار بالحيوان استخدمها الانسان في طحن الحبوب لتوفير مادة الدقيق، تتعامل مع العموم بنسبة محددة من مادة الحبوب مقابل الخدمة، عهد ما قبل النقود . وقد جري العمل واستخدام هاته المطاحن بالمدن العتيقة، قبل الانتقال من آليات العصر الزراعي نحو آليات العصر الصناعي، التي تقدم خدماتها بالعملة من النقود المحلية . الرحى المائية : جرى العمل من هاته الآليات الحجرية لطحن الحبوب، بالمناطق الجبلية التي تتوفر على مجاري مائية، وهي رحى حجرية تدار من مصرف مائي، يحرك تدفق الماء الرحى الحجرية من الدورة المائية، كحركة مراكب الشراع من الرياح البحرية، كما يحرك الوقود الصناعي الآلة للعمل . الرحى اليدوية : تستخدم في البيت بالمطبخ العائلي، من طرف ربة البيت، لحاجيات الطحن وإعداد الدقيق، الخاص بالمؤونة العائلية لأفراد الاسرة والى جانب رحى الدقيق، توجد من مناطق تواجد أشجار الارجوان البري، رحى يدوية خاصة بطحن جوز الارجوان، بعد تحميصه وطحنه بالرحى لاستخلاص عصير زيت الارجوان، الذي تنفرد به منطقة سوس بالمغرب الاقصى . آلية الوسط الحضري : أفران المادة الجيرية : تتواجد هاته الأفران الحجرية بالمدن العتيقة التي لها الخبرة في انتاج المادة الجيرية، عن طريق طهي الأحجار وتحويلها من الاحتراق الى مادة صناعية صالحة للبناء، بدل استخدامها مادة خام على وجهها الطبيعي . وقد كانت المادة الجيرية عمدة البناء على مدى عصور وقرون الى بداية العصر الصناعي، حيث تحول استعمال المادة نحو اشغال الترميم من المباني العتيقة المهددة بالانهيار وبالمآثر التاريخية، بينما تحول البناء المعاصر نحو المنتوج البديل من المصانع الاسمنتية مصانع الاسمنت : مصانع ضخمة من الآليات والمركبات الحديدية تقوم على التدوير الكهربائي والتدبير الاداري لتقنيات الانتاج وتنظيم العمل على مدار الاسبوع، تنتج اسمنت البناء، وأحجار الرصيف، ولوازم التأثيث العمراني، وحصى بناء الطرق من أحجام واحجار كلسية صلدة مقاومة للظروف الطبيعية، وضغوط الحركة من السير الطرقي والقدرة على تحمل أوزان العربات الثقيلة، فضلا عن الجودة في تسهيل حركة السير أمام المستعملين . آليات الدكاك الطرقية : هي آليات حجرية ثقيلة استخدمت بالحيوان قبل استخدامها بالمحروقات الطاقية، في تسوية الارضية الأولية لبناء الطريق وتقويتها أمام الاثقال والسرعة والحركة المستمرة، والعوامل الطبيعية قبل تعبيدها بالإسفلت الماسك للحصى الذي يشكل الرصيف الصلب والمدرج الطرقي السوي للمحركات السيارة . وعصر تطوير الآلة باستعمال المحرك والسائق، تطور اداؤها من عجلة حجر لولبية مجرورة بالحيوان، الى عربة ترصيف ثقيلة الوزن ثلاثية العجلات، تشتغل بالمحرك والسائق . المعاصر الزيتية : هي معاصر خاصة بإنتاج زيت الزيتون، واكبت تطور العصر الميكانيكي بالهيكلة الانتاجية من تدوير الآلة الحجرية بالطاقة الكهربائية، بديلة عن استخدام الحصان الطبيعي، مع الحفاظ على آلياتها الحجرية من الوسط الحديث . وقد حافظت المعاصر التقليدية من هاته المواكبة والهيكلة المعاصرة، على مسايرة الانتاج من العصر، الى جانب المصانع الخاصة بإنتاج الزيوت النباتية من عدة أصناف زراعية . المطابع الحجرية : عهد انتقال الكتابة من خط يدوي على الورق، الى خط يدوي منقوش على الحجر، ظهر من الخطين التفكير في الطباعة من عهدها الأولي في شكل طباعة حجرية، بدءا من الاختام المستعملة من الاوراق الرسمية، والتي تطور عملها وتوسع الى المطابع الحجرية التي تجري الطباعة منها في شكل النقش على الحجر، من فقرات مسطرة الكتابة من احجام مستطيلة، توضع على مراشف صمغ، تم يضغط عليها بالصفحة الورقية، لترتسم كتابة منسوخة الطبع من لوحة حجرية على وجه الورقة ، وبقيت الطباعة الأولية يدوية على ذاك الشكل، الى أن ظهرت الطباعة الآلية بأوروبا، وانتشر استعمالها وتطورت اسواقها، وتزايدت الحاجيات الدولية الى خدماتها . وقد اشتغل المغرب في خدمات اولية من تلك الطباعة، بذات الطريقة من اسلوب الطباعة الحجرية، بل حافظ واشتغل بها ردحا من فترة الحماية، الى أن انتقل العمل بالوسط الاجتماعي نحو الطباعة الآلية المسايرة لروح العصر .