عندما نتخلص من العصبية للحزب أو أي تنظيم كيف ما كان، وننتصر لتقبل الإختلاف ونصل لمستوى نصرة الحق بعيدا عن مبدأ أنصر أخاك ظالما أو مظلوما، آنذاك نكون قد وضعنا قدما في معترك الديمقراطية وبدأنا نؤمن بالاختلاف حتى من داخل التنظيم، التنظيمات الحزبية ليست قرآنا مقدسا والوجوه التي شاخت على الكراسي لا تمتلك صفة القدسية لكي نمنحها تلك الهالة التي قد تصل لدرجة التعظيم ونصنع منها ألهة كما يقع في بعض الأحزاب. أول ما يجب أن يتعلمه الفرد في العمل السياسي الحقيقي بطبيعة الحال، وليس العمل السياسي المائع كالذي عندنا، هو تقبل الإختلاف والمساواة وتكافؤ الفرص داخل التنظيم والديمقراطية الداخلية، لكن للأسف كل هذا غير موجود في أغلب أحزابنا، بل تحولت بعض الأحزاب بالمغرب إلى زاويا لها شيخ أو شيوخ ولها مريدون، وكل ما يقوله الشيخ لا يناقش بل يجب تطبيقه وكفى، وحتى المناقشة من داخل التنظيم غير مقبولة والدليل على ذلك أن أغلب القرارات الحزبية لا يتم إشراك القواعد فيها بل يتم اتخاذها في المركز حتى تنزل عليهم كالصاعقة، كما أن شبيبة بعض الأحزاب إن وجدت هي فقط بهدف التأثيث و إضفاء طابع التنظيم الهيكلي، أما على مستوى المساواة وتكافؤ الفرص فهي غائبة والدليل على ذلك هو إنتشار الزبونية والمحسوبية من داخل العمل الحزبي، إذ نجد أن هناك من ناضل لمدة زمنية طويلة لكن ظل في الهامش بينما الذي يمتلك من يدفع به من داخل الحزب وصل إلى القمة بدون نضال ولو شهر واحد وهناك أمثلة عديدة على ذلك. أما مسألة الديمقراطية الداخلية فهي غائبة كذلك عن جل الأحزاب المغربية والدليل على ذلك الصورة التي تمر فيها مؤتمراتها فبالإضافة إلى الكولسة والتجييش الذي يعتمد عليه البعض، قد يصل الأمر إلى التراشق بالكراسي والصحون وتحويل المؤتمر إلى حلب للمصارعة مع ما يتلفظ بها المناضل بين ألاف الأقواس من كلام زنقوي لا يمثل للأخلاق السياسية بأية صلة،فهناك فئة من داخل الأحزاب لا تؤمن بمبدأ التداول بل تريد تحويل الحزب إلى مشروع خاصة. كيف نريد تطوير العمل السياسي ونحن نقوم بتبخيسه من خلال السلوكات التي لا تمت للسياسة بأية صلة، فما يدفع الشباب إلى الابتعاد عن السياسة والعزوف عنها ويغلق التلفاز أو يغير القناة عندما يتكلم رجل السياسة هو فقدان الثقة في الذين يمتهنون السياسة وكذلك عدم دمقرطة العمل السياسي والحزبي، فإذا كان تعدد الأحزاب مظهر من مظاهر الديمقراطية ففي المغرب يتحول ذلك إلى مشكل حقيقي، في ظل غياب الإختلاف بين هذه الأحزاب، فهي تتشابه من حيث المرجعيات والأهداف وهذا ما يخلق لدى المواطن نوعا من الضبابية وعدم وضوح الرؤية، فغياب الديمقراطية الحقيقية هو ما أدى إلى عزوف أغلب الشباب عن العمل السياسي، لأنه لا تعطاه الفرصة للتعبير عن أرائه وتطلعاته وما يرغب فيه، وبالتالي يعتبر نفسه في الهامش، وكما قلت سابقا إن أغلب القرارات التي تتخذ من طرف الأحزاب لا يتم الرجوع فيها إلى القواعد والشباب والأخذ برأيهم مثل ما تفعل الدول الديمقراطية، وهذا ما يؤدي إلى النفور وبالتالي عدم المشاركة والانخراط في العمل السياسي وفقدان الثقة في الفاعل السياسي بصفة عامة. فأغلب الشباب المنتمون للأحزاب لا تحركهم دوافع مرتبطة بأفكار الحزب ومرجعياته وآليات إشتغاله و لهم الرغبة في النهوض بالعمل السياسي وتطويره، بل الغرض منه هو المصلحة الشخصية ( يضبرو على راسهم)، ومن هنا يمكن القول أنه في ظل غياب الدممقراطية الداخلية وتكافؤ الفرص والوضوح ومشاركة أغلب فئات المجتمع المغربي في اتخاذ القرارات، لا يمكن أن نتحدث عن التطور والازدهار، لأن المجتمعات التي عرفت إقلاعا وتقدما راهنت على العنصر البشري وخاصة الشباب من خلال تأهيله، وجعله محور كل العمليات داخل الدولة، لكي يحس بقيمته ومكانته داخل المجتمع، بدل جعله في الهامش. لابد للنخبة السياسية من تغيير آليات اشتغالها، فالواقع تطور لذلك لابد من تطوير أسلوب عملها لكي يتلاءم مع ما يطمح إليه الشباب.