إرتفعت مؤخرا بعض الأصوات تدعو لحكومة تقنوقراط، وهي أصوات على ما يبدو لم تقرأ الدستور جيدا، دستور 2011 الذي يجعل الإختيار الديموقراطي من الثوابت، نتساءل أين خفت صوت هؤلاء الذين مافتؤوا يذكروننا باحترام ثوابت الدولة ؟؟ هل يريدون إرتدادا جديدا نحو أسلوب الحكم الغير المسيس؟ هل يريدون شرعية الإرادة الشعبية ام شرعية الكفاءات؟ فلنعد لدستور 2011، هذا الدستور الذي يمنع من تشكيل حكومة من هذا النوع، الدستور يؤكد على تعيين رئيس الحكومة من الحزب الذي يحتل المرتبة الأولى، ثم بعد تعيينه من طرف الملك يتولى تشكيل حكومته، إلا في حالة الاسثتناء، الصيغة الوحيدة الممكنة أن يقوم الحزب السياسي الذي يقود الحكومة أو يشارك فيها باقتراح تقنوقراط ضمن وزرائه بحيث تكون لهم صبغة سياسية. ثم من يتكلم عن تشكيل حكومة وحدة وطنية، ليس هناك ظروفا وضرورة لحكومة وحدة وطنية، لأنه أصلا لا يوجد مشكل في التدبير الحكومي، بل بالعكس هناك تدابير عقلانية مقدرة ولا يوجد ما يوحي بأن الإستقرار مهدد. علينا الحذر من مثل هذه الدعاوي، والبحث عن خلفياتها الحقيقية، فلن تنطلي الحيلة على ملايين من الشعب المغربي الذين يستعملون وسائل التواصل الإجتماعي، وقد رأينا ردود فعلهم ضد مشروع 22/20. لا للنكوص عن المسار الديموقراطي، هناك من أدى الثمن غاليا لنصل إلى ما وصلنا اليه، لابد من استكمال النضال، بتمثيل أنفسنا في مؤسساتنا من أجل إنتخابات نزيهة، والتصويت بكثافة على ذلك السياسي المناضل، الذي سيترافع لأجل المواطن المغربي، مع إمكانية محاسبته بل وإقالته بل وحتى إعادة الانتخابات. لا مناص لنا إذن إلا الاختيار الديموقراطي، فالديموقراطية بالنسبة لتنمية المجتمعات كالساقين للجسد، تمكنه من النهوض والمشي، والا أصبح الفعل السياسي كسيحا عاجزا عن الفعل. المراهنة على التقنوقراط وحده لا تكفي، فالتقنوقراط غالبا ما يكون مرتبطا باستراتيجية الدولة، بدون إنتماء وبدون مرجعية، سنكون إذن أمام إنتكاسة جديدة ستزيد من المسافة بين الفعل العمومي والأحزاب السياسية، قد نقبل بتقنوقراط مساعدا ومكملا لا بأس بذلك، وهذا قد يؤدي إلى توازن ما بين هو سياسي حزبي وما هو إداري تقني، وقد يعلل اصحاب هذا الطرح، أي طرح حكومة تقنوقراط، قد يعللون طرحهم بالتنمية، وقد أثبتت التجارب أن لا تنمية بدون ديموقراطية، فالديموقراطية تمكننا من تنمية مرتبطة برقابة الشعب، تربط المسؤولية بالمحاسبة، وتمكن الفئات الفقيرة والمهمشة من إسماع صوتها، عبر إنتخابات نزيهة تطيح فيها بمن تشاء، وتصوت لمن تشاء، فالتنمية على المدى البعيد تقل فرصها في النجاح والإستمرار ما لم تكن قائمة على تسوية سياسية ديموقراطية شاملة، ثم علينا ألا ننخدع بمعدل نمو يرتفع في ظل انخفاض للحريات والكرامة، قد ينقلب الأمر إلى ضده، لأن فرحة الشعوب بالتنمية لا تنسيها أبدا أبدا مطالبتها بالحرية والديموقراطية، فهؤلاء الذين استغلوا الحجر الصحي فسارعوا إلى المطالبة بحجر سياسي، إنما هو حنين لزمن السلطوية وخنق الديموقراطية، بالبحث عن أزمة إقتصادية محتملة، تبرر إلغاء كل مظاهر السياسة و الديموقراطية، بل منهم من ذهب لا فقط للدعوة لتأجيل الإنتخابات بل بالتلويح بضرورة حكومة تقنوقراط من أجل تدبير عملية إنعاش الإقتصاد، نسي هؤلاء أن المؤسسات الديموقراطية تتقوى أكثر في زمن الأزمات ونسي هؤلاء أن الحل الحقيقي في مزيد من الديموقراطية لا في النكوص عنها، و إلا فهي كما قلنا حيل لن تنطلي على الشعب المغربي الذكي، ويبقى غرض هؤلاء إعاقة التطور الديموقراطي لبلادنا، ترى ماهي دوافعهم ؟؟ هل هو الخوف من خوض إنتخابات نزيهة، فضلوا عنها الاختباء وراء خبرة تقنوقراط تعفيهم من تقديم حساباتهم أمام الشعب، هذا الشعب الذي عززت أزمة كورونا ثقته في دولته وحكومته، فهي إذن مناسبة لتقوية مؤسساتنا الديموقراطية لا إضعافها ! ويبقى الإصلاح الدستوري مدخلا لكل إصلاح سياسي، عشر سنوات مرت على دستور 2011، وياتي من بيننا في 2020 من يبكي ويتاسف لأن الوثيقة الدستورية متقدمة كثيرا على الممارسة السياسية، لم نطبقها بعد على أرض الواقع السياسي، إذن يبقى الحل المنطقي في يد الأحزاب السياسية لإعادة الحرارة لنقاش سياسي عميق وجريء، من أجل تنزيل الإصلاح الدستوري، من أجل سياسة تحقق انتظارات المواطنين فيما يخص الكرامة والحرية زيادة على العيش الكريم وتقليص الفجوة بين الطبقات. هل نحن أمام جيوب جديدة لمقاومة الاصلاح ؟؟؟ استغلت ظروف جائحة كورونا ؟؟ ثم نطرح سؤالا اخر :هل تساهم النخب السياسية نفسها في هذا النكوص؟؟؟ بتكيفها مع الوضع وقبولها بما هو كائن عوض نضالها من أجل ما ينبغي أن يكون من مناخ متقدم في الحريات، من ضخ دماء جديدة في الأحزاب، وتشجيع ذلك المناضل والمنصت الجيد الذي يناقش، وينتقد، ويقترح، لا فقط يبارك، الذي لا يقبل أبدا بالتراجعات، ولايقبل أبدا بمناخ الخوف الذي يؤدي إلى الصمت، لأن الذي يختار الصمت يمكن ان يكون تقنيا، أما السياسي فهو يتكلم ويؤطر ويترافع ولايسكت ابدا، بل يدافع، وينتقد، يجابه ويواجه الاشكاليات، لا يهرب من المشاكل الكبرى، قد يعاني، قد يخسر، ولكن هذه مهمة السياسي المناضل الذي يجب أن يخرج في اللحظات العصيبة والكبيرة من أجل تحسين الوضع، لا يرضى فقط بحصيلته في الإنجاز، بل يترافع من أجل مزيد من الحقوق والحريات والكرامة وحرية الصحافة، لأنه يؤمن أن أي تراجع سيشكل خطورة على المشهد السياسي العام، مناضل يؤمن أن مقاربة الإنجاز شيء مهم ولكن المسار الديموقراطي هو الاهم، وإلا سيكون العزوف أكبر منافس لجميع الأحزاب إذا ما احس الشعب أن السياسيين تم تعطيلهم، وإذا أحس الشعب أن السياسيين لم يدافعوا عن أدوارهم المكفولة في دستور 2011. حذار من إزاحة المنهجية الديموقراطية عن سكتها فقد يصعب إرجاعها للسكة ثانية * الدكتورة البقالي أمل نائبة رئيس المجلس الجماعي لأكادير، مستشارة بالمجلس الجهوي لسوس ماسة.