تشكل المالية العامة دورا هاما في حياة الدولة، فهي العنصر المهم الذي يساعد الدولة على التطور بشكل عقلاني استنادا الى منطلقات واضحة، إذا أحسنت الدولة التصرف في ماليتها من خلال ترشيد نفقاتها وتوسع إيراداتها، فذلك حتما سيؤدي بها إلى تجنب الوقوع في تأزم الأحوال المالية والتصاعد في حدتها وتعريض القدرات التمويلية إلى هزات متتالية مضرة لها فإذا توفر الاستقرار في المالية العامة وسارت وفقا لسياسة متراصة وواضحة المعالم، تكون هي القاعدة السليمة لرسم تشريع مالي حديث، يستجيب لخصوصيات البلاد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية مع ارساء مبادئ التدبير المالي الحديث. ومع تفاقم التأثيرات السلبية لانتشار فيروس كورونا في العالم على اقتصاديات الدول، حيث يواجه نحو ثلث سكان العالم شكلاً من أشكال تقييد الحركة في مواجهة جائحة فيروس كورونا المستجد كوفيد-19. ونتيجة لاستمرار هذه الأزمة وتوجه المغرب في هذه اللحظة بالذات الى اقرار قانون مالية تعديلي يصحح التوقعات و يتبنى منطق جديد في تدبير الموارد وتوجيهيها صوب انقاذ الاقتصاد الوطني بالدرجة الاولى و الحفظ على المكتسبات. تطفو على السطح أسئلة أساسية كثيرة، أهمها ؛ ماهي ابرز التوجهات التوقعية لقانون المالية التعديلي ؟ ستسلط هذه الورقة الضوء على التوقعات الافتراضية لقانون المالية التعديلي من خلال اخر المستجدات، في محاولة للإجابة على هذا السؤال المركزي. إن للجوء الى اقرار قانون مالية تعديلي يراجع التوقعات المقرر في اطار قانون مالية 2020 في هذه الظرفية هو أمر منطقي و صائب لمواجهة المخاطر التي من المتوقع ان تواجه الحكومة مستقبلا، بعدما سجل المغرب انخفاضا ملحوظا في مؤشر النمو بنسبة 1.1% خلال الفصلين الاول و الثاني من السنة الجارية عوض 1.9% خلال نفس الفترة من سنة 2019 حسب توقعات المندوبية السامية للتخطيط بالإضافة الى جملة من الاشكالات المتعلقة بالطلب الخارجي و قطاع صناعة السيارات التي تأثرت بظروف الحجر الصحي. وليس من المستبعد أن تعمل الحكومة على إعادة النظر في مجمل فرضيات وتوقعات قانون مالية السنة الحالية، في سياق يطبعه تراجع الإيرادات الضريبية والتوجه نحو تغيير بنية الإنفاق واعتماد مبدأ الاولوية بسبب أزمة فيروس كورونا. ويفترض أن تبدأ الحكومة في تكوين صورة أولية حول الاضرار التي سببها انتشار فيروس كورونا على القطاعات الإنتاجية وخاصة الإستراتيجية منها، وكذا إيرادات قانون مالية السنة، خاصة تلك المتعلقة بالضرائب، التي يفترض أن تحقق انخفاض مقارنة بتوقعات بداية السنة. كما أن تأخر التساقطات المطرية في بداية السنة الجارية مس بتوقعات محصول الحبوب التي بنيت عليها توقعات قانون المالية 2020، حيث كانت الحكومة راهنت على محصول متوسط في حدود 70 مليون قنطار خلال هذه السنة، إلا أن وزارة الفلاحة و الصيد البحري و المياه و الغابات توقعت أخيراً ألا يتعدى محصول هذه السنة 30 مليون قنطار بإنخفاض يقدر ب 42% مقارنة سنة 2019. وسيؤدي تطور سعر المحروقات في السوق العالمية إلى ضرورة إعادة النظر في السعر المعتمد في إطار قانون مالية السنة الحالية، وحسب ما صرح به وزير الاقتصاد و المالية في هذا الاطار حيت عبر على أنه سيظل متوسط سعر خام البرنت معدلاً نسبياً في حوالي 67 دولاراً للبرميل في العام المقبل، بينما يتوقع أن يصل متوسط غاز البوطان الموجه للإستهلاك إلى 370 دولاراً للطن الواحد. بالإضافة الى ذلك كان المغرب قد اتخذ قراراً بتأجيل الترقيات وعمليات التوظيف في الوزارات والإدارات العمومية، من أجل تسخير موارد الميزانية العامة للدولة لمواجهة تداعيات كورونا، حيث تستثنى من ذلك التوظيفات المخصصة للأمن و الصحة. بالنظر الى كل هذه المعطيات تعمل الحكومة على على اخرج مشروع قانون مالية تعديلي يمكنها من تخطي الركود الاقتصادي الذي تعيشه بلدنا بسب انتشار فيروس كورونا ومن المتوقع ان يقوم مشروع قانون مالية التعديلي على المعطيات التالية : الرفع من رسوم الاستيراد الجمركية على بعض المنتجات تشجيع الانتاج المحلي حسب ما تقره منظمة التجارة العالمية 60% من بالنسبة للمنتجات الصناعية و 40% بالنسبة للمنتجات الزراعية. ادخال بعض الاصلاحات الضريبة المؤقتة التي تستجيب الى خصوصيات المرحلة تمديد اجال تسوية الوضعية الضريبية اعتبارا لظرفية الحالية اقرار حوافز ضريبية مخصصة للمنعشين العقارين لتخفيف من تداعيات جائحة كورونا على القطاع. ادارج الموافقة البرلمانية على تجاوز سقف الاقتراض الخارجي المشار اليه في القانون 20-26 بعدما صدر بشأنه قرارا للمجلس الدستوري يقر بأنه ليس فيه ما يخالف الدستور. اقرار تعديل يتعلق بالصندوق الخاص بتدبير جائحة كورونا بالإضافة الى مجموعة من التدبير الاخرى التي سوف يتم الاعلان عنها بعد انعقاد المجلس الوزاري للمصادقة على المشروع المذكور ومن تم احالته على البرلمان للمناقشة. وختماما، يمكن اعتبار على أن المغرب اليوم يواجه تحديا حقيقا بسبب الاضرار الاقتصادية التي سببها انشار فيروس كورونا ويشكل قانون المالية التعديلي اداة لإعادة التوازن من خلال تجاوز التوقعات المبدئية و تحيين معطيات قانون المالية السنوي مما سوف يمكن من اعطاء صورة واضحة عن الوضع المالي و الاقتصادي للمملكة و الذي سمكن الحكومة من اتخاذ التدبير الصحيحة بناءا على معطيات قانون المالية التعديلي من قبيل دعم المبادرات المحلية في التصنيع و تجاوز الاستيراد الغير الضروري او التقليل منه للحفاظ على المكتسبات في جو يطبعه التضامن و الوطنية بين كافة الفاعلين. المراجع المعتمدة : الموقع الرسمي للمندوبية السامية للخطيط – https://www.hcp.ma/ الموقع الرسمي لوزارة الفلاحة و الصيد البحري – http://www.agriculture.gov.ma/ الموقع الرسمي لوزارة الاقتصاد و المالية و اصلاح الادارة – https://www.finances.gov.ma/ * باحث متخصص في التدبير الإداري للموارد البشرية و المالية للإدارات العمومية