مع استمرار تطبيق حالة الطوارئ الصحية، وما تفرزه من انعكاسات سلبية على الاقتصاد الوطني، حيث توقفت عجلة دوران آلاف المقاولات، وشُلّ التصدير بشكل شبه كامل، وركَد القطاع السياحي، بات مرجّحا أن تلجأ الحكومة إلى تعديل قانون المالية تعديلا جذريا، بسبب تغير الفرضيات التي بني عليها. وكانت حكومة العثماني قد تراجعت، قبل أسبوع، عن قرار سبق أن اتخذته ويقضي بوقف جميع النفقات التي قررتها في مشروع قانون المالية للسنة الجارية، بغية توفير الموارد المالية اللازمة لتدبير النفقات المستجدّة التي فرضتها الظرفية الحالية، التي خلخلت جميع الفرضيات والتوقعات التي أعدّ على أساسها قانون المالية. تعديل قانون المالية بشكل جذري أصبح ضروريا، حسب عبد اللطيف معزوز، رئيس رابطة الاقتصاديين الاستقلاليين؛ ذلك أن تركيبة قانون المالية الحالي "يستحيل أن تُحترم بسبب تداعيات جائحة كورونا"، موضحا أن توقّف الدورة الاقتصادية بشكل شبه كامل وتوقف قطاعات أخرى يعني أنه لن تكون هناك أي مردودية ضريبية، التي تشكل العمود الفقري للميزانية العامة. وأضاف معزوز، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن جائحة كورونا أفرزت أولويات أخرى من حيث النفقات غيرَ تلك التي حددها قانون المالية؛ وهو ما يتطلب، في نظره، أن يخضع هذا القانون ل"تغيير جذري"، لافتا إلى أن الحكومة قد تبرر رفضها تعديله بكونها لا تتوفر حاليا على معطيات دقيقة تضمن رؤية واضحة لمعرفة الجوانب التي ينبغي أن تتغير في قانون المالية؛ لكن هذه المؤشرات لن تظهر إلا بعد أربعة أو خمسة شهور. ويرى رئيس رابطة الاقتصاديين الاستقلاليين أن بإمكان الحكومة أن تضع فرضيات جديدة بناء على الوضع الاقتصادي القائم، وبناء على ما يصدر من المؤسسات المالية الدولية من توقعات اقتصادية، "وإلا فإن التوازنات المالية ستعرف اختلالا كبيرا، كلما تأخر تعديل قانون المالية، من أجل تخصيص النفقات المطلوبة للقطاعات ذات الأولوية". وجوابا عن سؤال حول مصادر التمويل التي يمكن للحكومة أن توفّر منها النفقات الجديدة التي سيتطلبها تعديل قانون المالية، قال معزوز: "هناك حلول لمسايرة هذا الوضع، مثل التقشف في المصاريف، وتأجيل المشاريع التي لا تكتسي طابع الأولوية، وترشيد النفقات إلى أدنى حد ممكن". وكان رئيس الحكومة قد وجه، منذ أيام، منشورا إلى وزراء حكومته دعاهم فيه إلى تخفيض نفقات القطاعات التي يدبرونها، من خلال التدبير الأمثل للالتزامات بنفقات الدولة والمؤسسات العمومية خلال فترة حالة الطوارئ الصحية. كما أكد رئيس الحكومة، في المنشور الذي دخل تطبيقه حيز التنفيذ يوم الثلاثاء، على توجيه الموارد المتاحة نحو الأولويات التي يفرضها تدبير الأزمة المرتبطة بجائحة فيروس كورونا على المستوى الصحي والأمني والاجتماعي والاقتصادي. وفيما لا يعرف ما إن كانت الحكومة ستعمد إلى تغيير قانون المالية، خاصة في ظل توقع استمرار حالة الطوارئ الصحية لما بعد 20 أبريل الجاري، اعتبر عبد اللطيف معزوز أن هذا الخيار لا مناص منه، قائلا: "تعديل القانون المالي بشكل جذري لا ينطوي على أي مزايدة، بل هو مطلب ضروري".